محمد صلاح الشرقاوي أصغر عازف مزمار في مصر

عمره 7 سنوات ويقول: سوف أعيش في جلباب أبي

يدرك الشرقاوي أن محمد موهوب لكنه يرفض أن يكون مثله.. أن يترك مدرسته ويتحول المزمار إلى «كار» ومهنة لا يملك سواها.. لذلك يحرص على أن يتم تعليمه («الشرق الأوسط»)
TT

«سوف أعيش في جلباب أبي».. هذا ما قرره محمد صلاح الشرقاوي، الطفل الذي لم يتجاوز السابعة من عمره بعد أن أظهر مهارة نادرة في العزف على آلة المزمار الشجية. صغر سنه جعل الكثير من جمهور والده يعتقدون أنه يقف على المسرح بصحبة والده ممسكا بآلته وهو يتظاهر بالعزف. وهذا ما دفع الشرقاوي الكبير إلى إبراز مهارة ابنه بتخصيص فقرة له، وقد اعتاد بمشاعر من الفرح والسعادة أن يرى علامات الدهشة ترتسم على وجوه الجمهور وهم يصفقون لابنه العازف الصغير.

لا يستغرب الشرقاوي الكبير هذه الدهشة، وبخاصة حين يسترجع الذاكرة، ويتذكر المشهد نفسه، وابنه طفل صغير على عتبات السنوات الخمس، يتلمس بأنامله الطرية مزماره، فيشبع نهم الطفل بأن يعيد إلى مسامعه ألحانا بالكاد فرغ من أدائها من أجل أن ينام الشرقاوي الصغير. لكن الأنغام التي كان يجب أن تغرقه في النوم أثارت مخيلته وأغوته ليبدأ مشاركته فرحته لكن بالعزف السماعي.

يقول الشرقاوي الأب: «كان محمد ينتظر عودتي إلى المنزل ويجلب لي المزمار فأعزف له حتى ينام على صوته، وعندما أتم الخامسة بدأ يأخذ المزمار مني ليعزف ما يسمعه، وأول مرة استمعت إليه امتزجت لدي أحاسيس بالسعادة والدهشة، فبدأت أدربه على قوة النفخ حتى يتقن العزف واصطحبته معي إلى الأفراح والموالد الشعبية وكان فاتحة خير علي. أصبحت أطلب بالاسم في المناسبات القومية وحفلات استقبال الشخصيات العامة».

الشرقاوي الكبير ليس مجرد عازف على آلة، بل عاشق. بدأ رحلته منذ نعومة أظفاره، حيث بدأ رحلته مع المزمار وهو في سن الخامسة عشرة حيث تحول الإعجاب إلى شغف والشغف إلى غواية.

يقول: «قرأت عن المزمار كثيرا وعرفت أنه من أقدم الآلات الموسيقية لدى الفراعنة، لذلك ارتبط بالوجدان المصري، وكان المزمار الآلة التي يستقبلون بها الأبطال، وهي نفسها الآلة التي يذكر على أنغامها أولياء الله وتقام بها الأفراح، كما أنها قادرة على دفع الناس إلى البكاء، فالمزمار آلة تتجاوب نغماتها مع إحساس المصري العميق بالشجن».

يتابع الأب: «في بعض قرى صعيد مصر تحكي قصص الأجداد عن هيبة عازف المزمار، فقد كان قادرا على صرف الغولة والعفاريت بأنغامه السحرية، وقادرا كذلك على صرف الأفاعي والثعابين بعيدا عن البيوت والحقول. وللمزمار سحر على أبناء الريف، أنا عن نفسي لا أعرف سببه ولكنى كنت أرى هذا بعيني».

هذه الرحلة يكملها ابنه محمد الذي تبنى موهبته قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ وقد صنفه قصر الثقافة كـ«أصغر عازف مزمار بلدي في مصر» وأخذ على عاتقه تقديمه في أكبر الاحتفالات التي تقام في أشهر المنتجعات السياحية.

يدرك الشرقاوي أن محمد موهوب لكنه يرفض أن يكون مثله.. أن يترك مدرسته ويتحول المزمار إلى «كار» ومهنة لا يملك سواها.. لذلك يحرص على أن يتم تعليمه، يقول: «التعليم سلاح يحميه من الأيام». ويفتح الأبواب أمامه، ليمتلك ثقافة موسيقية، تنمي خياله وترهف حواسه.

ويلتقط العازف الصغير محمد طرف الحديث من والده وبطفولة وعفوية يقول: «سوف أعزف على المزمار في إجازة الصيف فقط لأنني شاطر في المدرسة وسوف أدخل الجامعة مثل أخي الكبير وأتمنى أن أعزف مثل الريس (متقال) وعادل المصري.. المزمار صاحبي، ولما يؤرقني النوم آخده في حضني، بعدها أنام وأشعر بالراحة».

طموحات محمد تتجاوز صغر سنه، فهو يحلم أحلاما كبيرة، يتمنى أن يصبح أشهر عازفي المزمار في مصر، يتمنى لو يبني بيتا كبيرا به غرف كثيرة أكبر من منزله الحالي.

بصوت شجي يقول الأب: «لم أترك لمحمد ميراثا غير هذا المزمار.. كنت أتمنى أن أترك له ما يسنده هو وأشقاءه، لكن هذا حال الدنيا.. لكنني سوف أعمل على أن يتعلم كل ما تعلمته عن المزمار، هذا ما أستطيع أن أمنحه له.. وأثق تماما في قدرته على النجاح.. يشهد على ذلك الجمهور الذي يستمع إلى محمد في حفلاته».