برنامج أميركي ينقل صناعات فاس التقليدية من مناطقها للحفاظ على البيئة

مسابقة دولية لإعادة تنظيم إحدى أعرق الساحات في المغرب

أحد الصناع التقليديين الذين يعملون في صناعة النحاس («الشرق الأوسط»)
TT

يتطلع أحمد الحكيم، وهو صانع حرفي للصفائح النحاسية التي تستعمل في صناعة الأواني التقليدية، أي من «الصفارين» (كما يعرف صناع الأواني النحاسية المغربية التقليدية) في منطقة «للا يدونة» في مدينة فاس العتيقة، إلى الانتقال بورشته إلى منطقة «عين النقبي» في ضواحي فاس، إحدى أعرق حواضر المغرب وعاصمته الدينية والثقافية.

ولا تساور الحكيم، الذي أمضى أكثر من خمسة عقود يعمل حرفيا في أكبر قطاع صناعة تقليدية تشتهر بها المدينة، الشكوك في الجدوى الاقتصادية التي سيجنيها من وراء الانتقال إلى محله الجديد الذي سيؤسسه بمساعدة من الحكومة المغربية والسلطات المحلية وشركات القطاع الخاص، ضمن برنامج «تحدي الألفية» الأميركي الهادف إلى محاربة الفقر في الدول المستفيدة منه.

قبل ثماني سنوات اقتنى الحكيم، الذي تجاوز عقده الخامس، قطعة أرضية بمنطقة «عين النقبي» في بادرة أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، سمحت لعدد من حرفيي صناعة الأواني النحاسية في المغرب، نقل نشاطهم التجاري إلى مكان أفضل وأكثر ملائمة، بعدما ظلت الصناعات النحاسية من النشاطات التي تلوث البيئة وتقض مضجع المسؤولين المغاربة. ويتيح البرنامج الجديد الذي يقوده المغرب لهذا الحرفي التقليدي الفاسي الأصل تمويل إنشاء محله وورشته الصناعية وفق معايير السلامة البيئية، بينما تقود «وكالة التنمية لرد الاعتبار لمدينة فاس» و«مؤسسة تحدي الألفية» إطلاق مشروع عالمي يعيد الاعتبار لساحة «للا يدونة» التاريخية، المقر الحالي لهذه الصناعات في فاس العتيقة.

فؤاد السرغيني، مدير عام «وكالة التنمية لرد الاعتبار لمدينة فاس»، قال لـ«الشرق الأوسط» شارحا: «إن منطقة للا يدونة تشهد تكدسا كبيرا لصناعات النحاسيات ودباغة الجلود، التي تسوق منتجاتها في أسواق كل المدن المغربية والأسواق الدولية. لكن هاتين الصناعتين تسهمان في تلويث البيئة ومجاري المياه الطبيعية... الأمر الذي دفع إلى التفكير في وضع برنامج لإعادة تهيئة هذه المنطقة في إطار مشروع متكامل بشراكة مع الأميركيين من خلال مؤسسة تحدي الألفية ومنظمة اليونسكو».

ودافع السرغيني عن عملية «ترحيل» الصناع التقليديين وإعادة تنظيم وتشييد ساحة «للا يدونة»، فقال: «إن معظم الحرفيين يعملون في ظروف غير مناسبة. وسيشمل المشروع ترحيل مائة وحدة صناعية تشغل نحو 470 من الصناع التقليديين، من خلال تأمين تسهيلات مالية لمساعدتهم على إعادة إنشاء وحداتهم». وأردف: «الهدف هو تحسين ظروف العمل بالنسبة لهؤلاء الصناع التقليديين والحد من التلوث، ولا سيما أن قطاع (الصفّارين) يتسبب في تلويث البيئة بعدما عرف خلال السنوات الأخيرة تطورا كبيرا، وأخذ يستعين بمواد كيماوية متطورة بعكس العقود الماضية». وتابع السرغيني: «إننا نسعى من وراء هذا البرنامج إلى ضمان ظروف عمل لائقة للعمال، إلى جانب رد الاعتبار لمنطقة (للا يدونة) التاريخية وتحويلها إلى معلم سياحي لائق». وهنا، أشار إلى أن المسؤولين يسعون إلى ترميم المنشآت المعمارية للمنطقة وإعادة تأهيلها من أجل تنشيط السياحة في مدينة فاس العتيقة، وفي هذا الإطار أعلن عن عروض دولية في مجال الهندسة المعمارية لإعادة تصميم ساحة «للا يدونة»... التي هي من أبرز ميزات فاس. وتشكل الساحة والأحياء المجاورة لها، التي تمتد على مساحة 7400 متر مربع، المكان الأشهر في المغرب المرتبط بالصناعات التقليدية، وخاصة الدباغة والنحاسيات.

والواقع أن هذه العروض تندرج في سياق تنفيذ برنامج «تحدي الألفية» للمغرب، الذي تبلغ ميزانيته 697.5 مليون دولار أميركي، وكان قد جرى التوقيع عليه عام 2007، بين الولايات المتحدة الأميركية والحكومة المغربية. وحسب المسؤولين، فإن المسابقة المعمارية «تحرص على رد الاعتبار وإعادة هيكلة الموقع التاريخي لساحة (للا يدونة) ومحيطها، مع ترميم المنشآت التي لها قيمة معمارية أصلية، مع وضع تصميم معماري عصري». وأوضحت منيرة سالم مردوخ، المديرة المقيمة والمسؤولة الأميركية من «مؤسسة تحدي الألفية» في معرض تقديمها لهذا المشروع: «نحن نسعى من وراء المشروع إلى محاربة الفقر في المدينة العتيقة، وتأهيلها بشكل يسهم في إعادة إحيائها». وشددت على أنه «سيصار إلى تعويض الحرفيين والصناع وفق مبادئ صارمة تحددها (المؤسسة) في مثل هذه المشاريع».

وتابعت منيرة سالم مردوخ: «إن المسابقة المعمارية ستنظم على مرحلتين، طبقا لقوانين الاتحاد الدولي للمهندسين، مع التزام أقصى معايير الشفافية والحفاظ على سرية هوية المتنافسين، وهي مسابقة مفتوحة أمام جميع المكاتب الهندسية في العالم».