تونس: طلب متزايد على «كعك الورقة» الزغواني في العيد

أبرع فيه الأجداد وتوارثه الأسلاف وحفظوه

تحضير «كعك الورقة» في زغوان («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر إعداد حلويات العيد من التقاليد الراسخة لدى العائلات التونسية خلال عيد الفطر، الذي يطلق عليه التونسيون اسم «العيد الصغير». وفيه تقبل ربات البيوت على «حلويات العيد» وتحتفظ بالكثير من التقاليد المهمة في هذا المجال، كما تكتم أسرارا كثيرة وثمينة حول طرق إعداد بعض أنواع الحلويات التي توارثتها النسوة عبر الأجيال. وتضم قائمة الحلويات الأشهر التي تتكرر لدى العائلات التونسية «البشكوتة» (البسكويت) و«الغريبة» بأنواعها و«كعك الورقة» و«بقلاوة الياي» و«وذن القاضي» و«المقروض القيرواني».

وإذا كانت أعداد كبيرة من العائلات تعد الحلويات، منزليا، وبجهودها الذاتية، وتحتفظ لها بالمعدات اللازمة والكافية لذلك، ومن ثم ترسلها في أطباق إلى «الكوشة» (المخبز)، فإن البعض الآخر يفضل اقتناءها جاهزة من المحلات المتخصصة، والمعروفة بكثرة منتوجاتها خلال هذه الفترة بالذات.

وتحرص العائلات التي تشتري «حلويات العيد» من هذه المحلات على تفادي ظاهرة الغش لذلك اعتاد بعض التونسيين على شراء هذه الحلويات خلال جولات ليلية بغية مزيد من التثبت من نوعيتها وجودتها إلى جانب إمكانية التذوق المباشر في مرحلة التحضير. وتعتبر منطقة زغوان، الواقعة على بعد 60 كلم من العاصمة التونسية تونس، من أهم «معاقل» صناعة «كعك الورقة» وتتمتع في ذلك بشهرة توازي تماما شهرة مدينة القيروان العظيمة بـ«المقروض القيرواني». والواقع، إن صناعة «كعك الورقة» وبيعه تشهد في مدينة زغوان، بالذات، حركة ناشطة بصورة ملحوظة نتيجة تطور تقاليد استقبال العيد بهذه النوعية من الحلوى منذ عشرات السنين. وحقا، تتجه أنظار العائلات التونسية إلى المدينة خلال هذه الفترة، سعيا وراء الحصول على حاجتها من «كعك الورقة». بل، بلغ الأمر ببعض هذه العائلات أنها كونت علاقات مباشرة مع الصانعين المحليين وباتت العادة أن تتصل بهم قبل عدة أيام من العيد لحجز ما تحتاج إليه أو الحصول باكرا على نصيبها من هذه الحلويات المميزة. عن هذه الحركة الاستثنائية الموسمية تقول سندة فاضل، من سكان مدينة زغوان، إن «كعك الورقة» المصنوع في مدينة زغوان يختلف عن غيره المعروض في بقية جهات البلاد، إذ يتميز بطريقة «تبسيس العجينة» وهي المادة الأساسية لصناعة «كعك الورقة»، فالأجداد أبدعوها وحفظها الأسلاف وتوارثوها. أما إذا أضفنا للكعك «ماء النسري» (النسرين) المميز الذي تشتهر به المدينة، فإن «كعك الورقة» حينئذ يتميز بمذاق خاص ويصبح زغوانيا.. على حد تعبيرها. وبمرور الزمن، وتمرس الصانعين صارت صناعة «كعك الورقة» في زغوان تعتبر مظهرا أساسيا من مظاهر الاحتفال بالمناسبات السعيدة والأعياد. وبفضل السمعة التي اكتسبتها، تكثر في المدينة، ولا سيما في الأعياد، الورش التقليدية لصناعة هذه الحلوى الطيبة الطعم والسهلة الهضم بفضل «ماء النسري» الذي تقطره العائلات خلال شهر مايو (أيار) من كل سنة، وتقيم له المدينة مهرجانا خاصا به. وبهذا الصدد، تقول نسيمة حمودة، التي تشتغل في مجال الحلويات المطعمة بـ«ماء النسري» منذ ما يقرب من عشر سنوات: «إن هذه الصناعة المميزة للمنطقة تشهد نقصا حادا في اليد العاملة المتخصصة اللازمة لتطوير هذا القطاع، وذلك بالنظر إلى الإقبال الهائل من العائلات التونسية التي تحبذ (كعك الورقة) الزغواني من كل الجهات، وتأتي خصيصا خلال هذه الفترة إلى المدينة بحثا عن حلويات ما زالت تحترم المقادير وتحتفظ بأسرار صناعة الأجداد». وتؤكد نسيمة أن تطعيم «الكعك» بـ«ماء النسري» مفيد للغاية، خاصة للجهاز الهضمي، ويساعد على الوقاية من أمراض القلب والشرايين.

هذا، وتسعى السلطات الجهوية في زغوان، حاليا، إلى تثمين خصوصيات (أو امتياز) التصنيع التقليدي لـ«كعك الورقة»، وذلك بتسجيل المنتوج وتوجيهه إلى الانتفاع بتسمية المنشأ وبيانات المصدر. كذلك تسعى بعض مؤسسات المجتمع المدني إلى تركيز مجمع ينشط داخله كل حرفيي صناعة «كعك الورقة» بمدينة زغوان، وذلك للمحافظة على صناعة لا تزال مهددة بالاندثار على الرغم من عراقة ممارستها بالمدينة.