عشائر جنوب العراق تستقبل عيد الفطر بعادات وتقاليد موروثة

أحد شيوخ العشائر لـ «الشرق الأوسط»: الاختلاف في تحديد أول أيام العيد لا يفرقنا

اللقاء والارتباط العائلي والموروث الشعبي والعادات والتقاليد تكون حاضرة دائما في أغلب مناطق الجنوب العراقي أيام العيد (أ.ف.ب)
TT

في الجنوب من أرض الرافدين وتحديدا بالقرب من مصادر المياه تقطن أغلب وأكبر العشائر العراقية. وتعتبر الموائد الجماعية والأهازيج الشعبية أبرز سمات العيد السعيد عند عشائر جنوب العراق.

المضيف من الأماكن التي تحمل خصوصية لدى أبناء العشائر وخصوصا في أول أيام العيد، حيث يتوافد أبناء العمومة الواحدة أو من يتصلون معهم بصلات النسب أو المصاهرة وبعد صلاة العيد مباشرة إلى مضيف الشيخ (زعيم القبيلة) لتقدم القهوة العربية الممزوجة برائحة الهيل التي غابت ولمدة شهر كامل لتبدأ معها مراسيم الاحتفال بعيد الفطر المبارك.

يقول الشيخ قيس كاظم المنشد، ابن زعيم قبيلة آل غزي في العراق وشبه الجزيرة العربية، إن الاجتماع وعند ساعات الصباح الأولى في مضيف الشيخ الذي يعد مركز استقطاب لأبناء العمومة والواحدة والأصدقاء والمهنئين بالعيد «أمر اعتدنا عليه ونحضر له مسبقا»، ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «القهوة العربية والشاي وأحاديث الماضي وحتى أمور السياسة تدخل أحيانا في جلسة المعايدة الصباحية داخل المضيف» وتابع: «إن كان هناك مشكلات أو نزاعات بين أفراد العشيرة تنتهي مع عبارة (عيدكم مبارك) بين المتخاصمين صباح العيد».

تحديد أول يوم العيد يختلف بحسب التنوع الطائفي والمذهبي في جنوب العراق حتى وصل الأمر أن أبناء المذهب الواحد يختلفون في موعد العيد الأمر الذي جعل أغلب أصحاب المضايف يختارون ثاني يوم العيد ليكون موعد إعداد ولائم الطعام الجماعية لأبناء العشيرة لتلافي أثر الاختلاف في موعد العيد. ويشير علي طالب الصافي، صاحب مضيف مشهور وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار(375 كلم جنوب بغداد، أن ثاني يوم العيد يكون موعد التقاء أبناء العشيرة والأقارب ويتم خلاله إعداد وليمة كبيرة أغلب مكوناتها من لحم الخراف تعبيرا عن السعادة بقدوم العيد، وبين في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الاختلاف في تحديد أول أيام العيد لا يفرقنا، فالمضيف ما زال يجمعنا كأيام زمان». وزاد: «غالبا أبناء العشيرة وفي ثاني يوم، أي يوم الوليمة يتجمعون حتى إن أصحاب المناصب في الدولة من أبناء العشيرة يحضرون بين أبناء عمومتهم الذين يناقشونهم دائما في أمور سياسية فتزيد حميمية اللقاء بتلك التجاذبات بين أفراد العشيرة ومن مختلف الأحزاب السياسية».

اللقاء والارتباط العائلي والموروث الشعبي والعادات والتقاليد تكون حاضرة دائما في أغلب مناطق الجنوب العراقي أيام العيد السعيد حتى وصل الأمر إلى أن مضايف الشيوخ تكون ملتقى للشاعر و«المهوال»، الذي يردد الأهازيج الشعبية، من أبناء العشيرة الواحدة للتذكير بمفاخر الآباء والأجداد لتعزيز روح الوحدة بين الحاضرين. وبين الشيخ حزام الكبيح، شيخ مشايخ عشائر الجوارين في العراق والجزيرة العربية، أن الالتقاء في ثاني يوم العيد أصبح عادة لا نستطيع التفريط بها رغم التقدم والتطور الحضاري ومشاغل الحياة الكثيرة، مشيرا إلى أن «(المهوال) الشاعر الذي يردد الأهازيج الشعبية يكون من أبرز الحاضرين بتلك الولائم الجماعية لأبناء العشيرة ليحثهم من خلال لغة القوافي على الترابط والتكاتف ونبذ الطائفية» وترى أبناء العشيرة ورغم اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم الدينية يكونون حاضرين في مناسبة العيد التي تعد من أغلى المناسبات على نفوسهم.

وهناك عادات وتقاليد أخرى في العيد منها وجبة الفطور التي يتجمع بها أبناء العائلة والواحدة أو المحلة في دار سيد القوم أو كبيرهم والتي تسعى النساء فيها لإعداد كل ما تشتهي النفس من مأكل ومشرب إيذانا وتعبيرا عن فرحة العيد التي تختلف من منطقة إلى أخرى في جنوب العراق. ويقول الصحافي علي مجيد، أحد المهتمين بالموروث الشعبي العراقي، إن الطعام أو وجبة الإفطار تختلف في مناطق جنوب العراق تبعا للبيئة التي تربى عليها أبناء تلك المناطق ففي مركز مدينة البصرة تكون إما من أكلة (الباجة العراقية الشهيرة) رأس وأطراف الخراف أو العجول الأمامية والخلفية التي تجيد نساء البصرة عملها أو الباقلاء والبيض أو أكلات أخرى خفيفة، وأضاف أن «مدينة العمارة مركز محافظة ميسان (380 كلم متر جنوب شرقي بغداد) ومناطق الأهوار يحبذون أكلة (المسموطة) أي السمك الناشف في الهواء وتطهى إما بالسلق أو بتفتيته وعجنه مع الدقيق ليخبز بفرن مصنوع من الطين. ويفضل البعض أكل (السياح مع البيض) مع الخبز المعمول بدقيق الرز التي تعد من أشهر أكلات تلك المنطقة خاصة في أول أيام العيد».

والأكل والعادات والتقاليد والموروث الشعبي أبرز الحاضرين في أيام العيد بجنوب العراق التي يبقى المضيف بها المكان المخصص لحل أغلب النزاعات صبيحة يوم العيد بمناطق يفتخر ساكنوها بانتمائهم العائلي وكثرة زعماء القبائل فيها حتى وصل الأمر إلى أن إحدى المناطق هناك سميت بـ«سوق الشيوخ» لكثرة شيوخ العشائر فيها.