دمشق: مسلسل كوميدي حاول تبييض صفحة سائقي سيارات الأجرة

«أبو جانتي» والـ«لانسر» دخلا تاريخ المرور

سيارات «التاكسيات» الصفراء بدمشق («الشرق الأوسط»)
TT

على مدى السنوات الثلاثين الماضية عرفت العاصمة السورية دمشق عددا من وسائل النقل العام الداخلي، لعل أبرزها في هذا المجال مركبات «السرفيس» الصغيرة - أو «السرافيس» - التي تتسع لأكثر من 10 ركاب وتستطيع المناورة بين السيارات بسرعة وخفة، ولذا أطلق عليها لقب «الفئران البيضاء». كذلك انتشرت، ولو بصورة أقل، الحافلات الحمراء والخضراء والزرقاء الكبيرة التي تتسع لعشرات الركاب جلوسا ووقوفا... بيد أنها لم تحظ بشعبية واسعة رغم عودتها مؤخرا إثر قرار رسمي بسحب «السرافيس» من العمل لقدمها وعددها الكبير. وبالتالي، بقيت «تاكسيات الأجرة»، بلونها الأصفر المميز، وسيلة النقل الداخلي الفردية الصامدة حتى الآن رغم انتشار خدمة «التاكسيات ذات النجوم»... وقريبا خدمة «آلو تاكسي» التي تقدم خدماتها من المنزل إلى المنزل.

ولـ«التاكسيات» الصفراء حكايات وقصص مع الدمشقيين الذين تعودوا أن يروها بكثرة في شوارعهم منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، وخاصة من طراز ميتسوبيشي «لانسر» موديل 1982، التي ظلت على امتداد ربع قرن ذات صولة وجولة في شوارع دمشق، قبل السماح باستيراد جميع أنواع السيارات في بدايات الألفية الجديدة، وخفض الرسوم الجمركية عام 2005.

باختصار، «اللانسر» كانت «التاكسي» ذا «العز» خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين في سورية، وكان سائقوها يتباهون بها.

غير أن حكايات الدمشقيين مع «مضايقات» النقل العام لم تكن مع هذه «التاكسيات» بالذات، بل مع سائقيها الذين شوه البعض منهم سمعة مهنته من خلال تصرفات «مزعجة» للساكن والزائر على حد سواء. ولطالما شكا زوار دمشق من رفض السائق التوقف لطالب تاكسي في الشارع أو رفض نقله إلى المكان الذي يرغب في الذهاب إليه أو أخذ أجرة أعلى مما يسجله عداد التاكسي المعتمد من قبل الجهات المسؤولة. وللعلم، ثمة عقوبات تفرضها الجهات المسؤولة والمعنية، كإدارة المرور والمحافظة والمحاكم المرورية، على السائقين في حال اشتكى الزبون من تصرفاتهم تلك.

أيضا، يتضايق بعض الركاب من فضولية بعض السائقين، ما إن يركب الشخص معه حتى يبدأ بالتحدث معه في أمور شتى، فمنهم من ينصب نفسه معلقا ومحللا سياسيا يحلل ما يجري من أحداث. ويتحول بعض السائقين إلى خبراء اقتصاديين واجتماعيين «ينظّرون» إزاء الوضع الاقتصادي العالمي وأسباب ارتفاع أسعار الذهب وأسباب البطالة بين الشباب، ومن ثم يعلقون على أوضاع شبان وصبايا يمرون من أمامهم من منطلق تربوي.

هذه التصرفات، وغيرها، جعلت البعض يفضل ركوب «السرافيس» على ركوب «التاكسيات» الصفراء.

ولكن خلال شهر رمضان المنتهي تابع الدمشقيون والسوريون والمشاهدون العرب، بين المسلسلات الرمضانية السورية مسلسلا كوميديا يحاول تجميل صفحة سائقي التاكسيات الصفراء، من خلال شخصية «أبو جانتي» وسيارته «اللانسر»، والذي يلعب بطولته الفنان سامر المصري. وفيه قدم على امتداد 30 حلقة صورة سائق تاكسي شهم ومعطاء لا يتردد في تقديم المساعدة للركاب، بكل لطف وأريحية... وعلى حساب راحته وجهده.

الفكرة انطلقت كما ذكر المصري من لوحة كوميدية قدمت قبل خمس سنوات في سلسلة «بقعة ضوء» الكوميدية تحمل اسم «أبو جانتي» سائق التاكسي، التي أحبها المشاهدون، وبناء عليه قرر المصري تحويلها إلى مسلسل متكامل يركز على الجوانب الإيجابية عند سائقي التاكسيات، مبيضا صفحتهم مع الركاب ومستخدمي وسيلة النقل. والطريف هنا أن فريق المسلسل أراد منه أن يكون واقعيا في كل شيء، فتحول إلى ما يشبه «تلفزيون الواقع» من خلال التصوير في أماكن وجود سائقي التاكسيات وركوب الناس العاديين.. حتى صار «أبو جانتي» في الأشهر الماضية، خلال فترة التصوير، من أشهر سائقي التاكسيات بدمشق. وصار بعد شهر رمضان بفضل عرض المسلسل على عدد من الفضائيات العربية سائقا مشهورا على مستوى العالم العربي.

رائد عارف، وهو سائق تاكسي عمومي في دمشق، التقيناه في شارع الصالحية وسألناه عن المهنة والمسلسل، فضحك وهو يروي أنه قبل بضعة أيام عندما كان يقل راكبا من بلد عربي كان موجودا في ساحة المرجة، بوسط دمشق، بادره الراكب بالسؤال «أين نجد زميلك أبو جانتي؟»، واضطر رائد إلى إخباره بأن «أبو جانتي» شخصية تمثيلية وليس موجودا في الواقع.

ولكن، بينما يحصل «أبو جانتي» على إعجاب المشاهدين ومستخدمي ركاب التاكسيات الصفراء في دمشق، فإن المواطنين يعتبرونه حالة فردية لا وجود لها، وخاصة، بالشكل الذي يجسده سامر المصري. إذ تقول سمر محمود، وهي موظفة في بنك خاص وتستخدم يوميا التاكسيات الصفراء في انتقالها بين منزلها في حي القصاع ومقر عملها بشارع 29 أيار «بعض سائقي التاكسيات معجب بشخصية أبو جانتي إلا أنهم يقولون عنه إنه (مزودّها كتير)... فهو يسامح في الأجرة أحيانا، ويستقبل ركابا في منزله، كما أنه يغني وينشد مواويل أثناء توصيله للركاب وهذا أمر نادر الحصول. ولكن تظل هناك حالات فردية عند بعض السائقين الذين يحاولون تقليد أبو جانتي بغيريته واهتمامه بالراكب وكذلك بخفة دمه!».