الربوة: أجمل متنزهات دمشق.. استفاض المؤرخون بوصف محاسنها

تستريح بين جبلين ومنها يتفرع نهر بردى إلى سبعة أفرع

صخرة المنشار أو الحب في منطقة الربوة الدمشقية («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت منذ تأسيسها قبل مئات السنين بأنها من أجمل مناطق العاصمة السورية دمشق ومحيطها، ولذلك استفاض الرحالة والمؤرخون في شرح محاسنها، ومنهم ابن بطوطة وابن طولون والبدري وغيرهم.

والحق أن هؤلاء لا يبالغون عندما يصفونها بأعظم متنزهات دمشق، لأنها تتمتع بثلاث مزايا تتفرد بها عن غيرها من مناطق العاصمة ومحيطها.

الميزة الأولى للربوة أنها رفيقة نهر بردى، الذي يعبر بجانبها في رحلته الأبدية من منبعه قرب الزبداني إلى أن يصل إلى حارات دمشق وأزقتها بأفرعه السبعة. والثانية أنها تقع في المنطقة الغربية من دمشق مستقبلة نسائم غوطتها الغربية ومناطق اصطيافها الشهيرة في سفوح جبال لبنان الشرقية كالزبداني وبلودان وعين الفيجة وغيرها، ولذا فإنها تعتبر بوابة المغادرين من دمشق نحو مناطق الاصطياف الغربية. أما الثالثة فهي أنها تجاور جبل قاسيون وتربو على دمشق بشكل حنون ولذلك سميت «الربوة».

وبالتالي، لقرب الربوة من دمشق، حيث تلاصق حارات كالمهاجرين وكيوان وغيرهما، اختارها كثيرون من أثرياء العاصمة مصيفا لهم في القرون الماضية. كما اختارها عدد من المتخصصين بإنشاء المتنزهات والمطاعم وإدارتها... منذ أواخر النصف الأول من القرن العشرين الماضي لتكون مكانا لمطاعمهم ومقاهيهم. وهكذا نالت شهرة واسعة بين الدمشقيين وزوار العاصمة وسياحها، خاصة الخليجيين منهم، الذين يستمتعون بتمضية ساعات في أحضان طبيعتها الخلابة وبين مطاعمها الجميلة ذات الشلالات والنوافير القائمة على نهر بردى. كذلك اختار القائمون على مشاريع السكن الحديثة في دمشق منطقة دُمّر، المجاورة للربوة، لتكون أكبر وأجمل ضواحي دمشق السكنية الغربية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وأطلقوا عليها لقب «الشام الجديدة».

لجماليات الربوة، وموقعها الاستراتيجي السياحي... حيث تتوضع على طريق بيروت القديم ويعبرها قطار النزهة البخاري في رحلته نحو نبع بردى والزبداني، نفذت محافظة مدينة دمشق مؤخرا «مشروع تجميل» للربوة اكتمل في أواخر أغسطس (آب) الماضي، وتناول هذا المشروع تأهيل وإصلاح طريق الربوة، من جسر تشرين وحتى جسر دُمّر، وجعله باتجاه واحد فقط غربا، بعدما كان سابقا في اتجاهين. كذلك تضمن المشروع تأهيل البنى التحتية من كهرباء ومياه وإنارة وأرصفة مع تعريضها بمتر إضافي من طرف نهر بردى ومن الجهة المقابلة له، مع وضع إنارة تزيينية ونشر المسطحات الخضراء التي ضمت أنواعا كثيرة من النباتات والأعشاب والشجيرات وغيرها.

ثم ضمن حملات بيئية أهلية جرى تنظيف مجرى نهر بردى وفروعه، التي تعبر من الربوة، من الأوساخ والمخلفات التي تفرزها مقاصف ومطاعم المنطقة.

غير أن شهرة الربوة لا تنحصر فقط في مطاعمها ومنتزهاتها وطبيعتها الجميلة. بل توجد فيها معالم طبيعية لافتة، منها الصخرة الرابضة في أحد جبليها وهو ذلك المطل على المقاهي، وقد عرفت باسم «المنشار»، ثم أطلق عليها لاحقا لقب «صخرة الحب» بعدما كتب عليها أحد العشاق الدمشقيين في خمسينات القرن الماضي عبارة «اذكريني دائما» ورمى نفسه من فوقها منتحرا، بسبب رفض أهل حبيبته تزويجه إياها. وتقول الحكاية، التي يرويها كثيرون من أبناء الربوة ويؤكدون أنها حقيقية حصلت فعلا، إنه عندما علمت الحبيبة بقصة الانتحار بادرت إلى كتابة عبارة «لن أنساك» على الصخرة نفسها وانتحرت مثل فتى أحلامها.

أيضا، اشتهرت الربوة بأنها قدمت عددا من العلماء عبر تاريخها، بينهم عالم الجغرافيا الملقب بـ«شيخ الربوة الدمشقي» الذي عاش ما بين 1256 و1327م وله كتاب جغرافي بعنوان «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر»، طبع لأول مرة في كوبنهاغن عام 1864، ثم في لايبزيغ عام 1923، وفيه وصف الأقاليم السبعة وفصول السنة والأنهار وممالك الشرق وطبقات الأرض. ولقد اعتبر شيخ الربوة الدمشقي من أقدم الجغرافيين الذين أشاروا إلى وهمية خطوط الطول والعرض.

ويقول المؤرخون والرحالة عن الربوة، الواقعة عند مضيق بين جبلين يحتضنان نهر بردى وأفرعه السبعة، إنها قبل 400 سنة ضمت أربعة مساجد تاريخية ومدرسة قديمة وقصرا مرتفعا على سن جبل يدعى «التخوت»، وكان فيها أيضا خمسة مقاصف. ويذكر أنه كان فيها الكثير من القصور والأبنية على طرفي واديها، وكذلك زاوية خضر العدوي التي بناها الملك الظاهر بيبرس، كما بنى فيها نور الدين الشهيد قصرا للفقراء ووقف له قرية داريّا، جنوب دمشق.

ويذكر المؤرخ الدكتور قتيبة الشهابي أن الربوة اشتهرت بانتشار مزارع الزعفران، وأن جبلها الغربي أطلق عليه اسم «الدفّ»، لكثرة مزارع الزعفران فيه، بينما حمل الجبل الشرقي اسم «الجنك»، لأن رأسه يشبه الآلة الموسيقية «الجنك»، وهي العود أو الطنبورة ذات الرقبة الطويلة.

هذا، وأحرق الصليبيون الربوة عام 1148م، ومن ثم تخرب ما تبقى فيها من قصور الأغنياء خلال القرنين الثامن والتاسع عشر الماضيين على أيدي الانكشاريين العثمانيين، ولم يتبق من هذه القصور سوى قصر الأمير عبد القادر الجزائري، الذي تعرض بدوره لتخريب كبير قبل ترميمه وافتتاحه قبل سنتين كمركز إقليمي لتنمية الإدارة المحلية المستدامة مع قاعة خاصة بالأمير الجزائري. والواقع أن الربوة، التي استعادت حياتها وإشراقها في منتصف القرن الماضي، تضم اليوم مجموعة من أشهر مقاهي دمشق الصيفية، ومنها مقهى «أبو شفيق» الذي كان مقصدا للكتاب والشعراء وعلى رأسهم محمد الماغوط وجيله. وهناك أيضا مقاهي «العجلوني» و«الوادي الأخضر» و«الشلال» و«القصر»... التي تقدم البرامج الفنية والحفلات، إضافة إلى تقديمها معظم أنواع المأكولات والمقبلات الدمشقية الشرقية.