قصر بشتاك في القاهرة الفاطمية يتحول إلى «بيت الغناء العربي»

يستضيف أساتذة وطلابا للدراسة.. وفيه متحف للآلات الموسيقية

واجهة قصر بشتاك بمشربياتها التي تعد نموذجا فريدا للعمارة الإسلامية
TT

يتأهب قصر بشتاك الأثري في شارع المعز لدين الله بقلب القاهرة الفاطمية لاستقبال حياته الجديدة بعدما تقرر أن يصبح «بيت الغناء العربي»، وبالتالي، سيكون من مهامه الأساسية الحفاظ على التراث الغنائي والموسيقي العربي، وتوثيق أصوله ومنجزه الفني وأعلامه على مر العصور.

تفاصيل المهام الجديدة لهذا القصر التاريخي أوضحها الفنان محسن فاروق، المطرب الأول في «فرقة الموسيقى العربية»، المشرف العام على البيت. وأشار فاروق إلى أن لـ«بيت الغناء العربي» عدة أهداف، على رأسها إنشاء أول فرقة للموسيقى العربية في شمال أفريقيا، وإنشاء مركز لتنمية الإبداع الموسيقي والغنائي العربي، ومكتبة تضم تراثهما، إلى جانب متحف للآلات الموسيقية العربية، ومعرض للفنون التشكيلية، وكذلك إنشاء مكتبة إلكترونية للوثائق والمدونات الموسيقية. وسيقدم «البيت» ليالي من التراث العربي في إطار سهرات خاصة بفنون دولة عربية محددة سواء في الموسيقى والغناء أو الفنون التشكيلية، وتنظيم ندوات موسيقية و«صالون» تحت اسم «مقامات» سيناقش فيه مواضيع كثيرة متعلقة بالشعر والموسيقى والغناء والفنون بشكل عام.

للعلم، سيوفر «بيت الغناء العربي» فرصة لدراسة الفن الموسيقي والغنائي سواء عن طريق الدراسة أو المنح، وسيقدم دورات تدريبية لمدة لا تقل عن ستة أشهر يحصل فيها المتدرب على توليفة غنية بالمناهج المختلفة لصقل موهبته الفنية بعد اجتيازه امتحان قدرات لتحديد مستواه الفني. وبعد اجتياز فترة الدراسة ستنظم حفلة تخرج لكل طالب على حدة بمصاحبة فرقة «البيت» في سهرة كاملة يمنح بعدها المتخرج شهادة التخرج، ومن ثم ينضم إلى أسرة «البيت» للمشاركة في تقديم الحفلات ضمن البرنامج السنوي.

سيستضيف «البيت» أساتذة من الدول العربية في إطار التبادل الفني الثقافي بيننا. وحسب فاروق، يرحب «البيت» بالطلاب من كل الدول العربية وهو مفتوح للجميع، متمنيا «أن يكون هناك استجابة من الاتجاهات الثقافية العربية في التعاون، سواء لجهة استقدام الأساتذة وتبادل المناهج، أو في مساعدتنا على إنشاء أول متحف للآلات الموسيقية العربية، وإمدادنا ببعض الآلات الموسيقية النادرة والمندثرة لعرضها.. وسيوضع على الآلة اسم المُهدي ودولته لكي يظل المُهدي محتفظا بحقه». وفي هذا الشأن بالذات، يسعى «بيت الغناء العربي» إلى دراسة الآلات التي أصبحت نادرة، وكذلك أصبح الحصول على عازف متميز عليها نادرا، مثل الإيقاع الشرقي والناي الشرقي والقانون. وسيهتم بالقوالب الغنائية مثل التواشيح والارتجال والدور والطقطوقة والقصيدة، والقوالب الموسيقية مثل قالب التحميلة وقالب البشرف وقالب السماعي وقالب اللونجة، وغيرها من أصول وروافد الغناء عند العرب.

محسن فاروق يؤكد في موضوع الأساتذة أن «البيت» سيسعى إلى «استقدام أساتذة الغناء التقليدي والتراثي من الدول العربية، وأيضا من دول لها روافد ثقافية وفنية مشتركة معنا مثل إسبانيا وتركيا، وذلك لإبراز خصوصية لغناء العربي ومدارس في كل دولة»، لافتا إلى أن بعض المناهج تضم قدرا من التشابه كحال مصر وتونس وسورية.

وعلى صعيد إنجاز التجهيزات، قال فاروق «إن جهودا كبيرة قد بذلت لإعداد القصر لاستضافة مشروع (بيت الغناء العربي) وتجهيزه ليكون لائقا لاستقبال الدارسين برعاية وإشراف صندوق التنمية الثقافية، الذي قدم كل الإمكانات المتاحة لتسهيل إعداد المكان وتجهيزه ليخرج في أفضل صورة».

والجدير بالذكر، إلى أن قصر الأمير بشتاك يعد واحدا من أفخم القصور التي بنيت في العصر المملوكي، وأحد نماذج العمارة الإسلامية الفريدة. ولقد بناه الأمير‏ سيف الدين بشتاك الناصري عام 1339‏م‏ (740‏هـ)، وهذا الأمير هو أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون، وكان من أقرب أمرائه إليه، كما كان متزوجا من ابنته. وشغل عدة مناصب كبرى في عصره من بينها: أمير شكار المسؤول عن الصيد الملكي وكاتب السر، وكان معروفا عنه البذخ الشديد.

أما عن القصر فله ‏ثلاث‏ ‏واجهات‏: الأولى، ‏ ‏وهي ‏الأساسية، ‏تقع‏ ‏في الجهة‏ ‏الشمالية‏ ‏الغربية وتطل ‏على ‏شارع‏ ‏المعز لدين الله الفاطمي، وتتكون‏ ‏من‏ ‏ثلاثة‏ ‏طوابق‏ و‏فيها‏ ‏مشربيات‏ ‏مزدانة ‏برسوم‏ ‏هندسية‏ ‏في غاية الجمال. أما الواجهة ‏الثانية‏ ‏فتقع‏ ‏في الناحية ‏الشمالية‏ ‏الشرقية‏ وتطل على درب ترمز، وفيها‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏النوافذ‏ ‏المغطاة‏ ‏بأجنحة‏ ‏معدنية وأيضا‏ً ‏بوابة‏ ‏تؤدي ‏إلى القصر‏. وأما الواجهة‏ ‏الثالثة‏ ‏فتقع في الجهة‏ ‏الجنوبية‏ ‏الغربية‏ من القصر و‏تطل‏ ‏على‏ ‏حارة‏ بيت القاضي.

‏هذا، ويتكون‏ القصر ‏من‏ ‏طابقين وكان يضم طابقا ثالثا لكنه تهدم. و‏المدخل‏ ‏يفضي ‏إلى‏ ‏دركاة‏ ‏مربعة‏ (‏مساحة‏) ‏على ‏يمينها‏ ‏سلم‏ ‏يؤدي ‏إلى‏ ‏الطابق‏ ‏الثاني‏، ‏وعلى‏ ‏يسارها‏ ‏إسطبلات‏ ‏يمكن الوصول‏ ‏إليها‏ ‏عبر‏ ‏دهليز‏ فيه‏ ‏بئر‏ ‏أثرية‏ ‏للاستعمال‏ ‏اليومي ‏للخيول‏. و‏تعلو‏ ‏الاسطبلات‏ ‏حجرات‏ ‏خاصة‏ ‏بالقائمين‏ ‏على‏ ‏خدمة‏ ‏الخيل، ‏أما القاعة‏ ‏الرئيسية‏ ‏‏فيتصل‏ ‏بها‏ ‏سلم‏ ‏صاعد و‏‏يتقدمها‏ ‏سطح‏ ‏مكشوف، ‏وتتكون‏ ‏من‏ ‏أربع‏ة ‏إيوانات‏ (‏مساحة‏ ‏مربعة‏ ‏مفتوحة‏ ‏للجلوس‏) ‏و‏قاعة ‏مغطاة‏ ‏بالرخام‏ ‏في ‏أشكال‏ ‏هندسية‏ ‏جميلة.

تعتبر الأسقف‏ ‏الخشبية للقصر نموذجا لدقة تفاصيل الفن الإسلامي، فهي تحتوي على نقوش وزخارف نادرة رائعة الجمال وتتدلى ‏منها‏ ‏وحدات‏ ‏إضاءة‏ ‏فريدة‏ ‏الشكل‏ والتصميم، هذا‏ ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏الإيوان‏ ‏الشرقي ‏الذي ‏يمتاز‏ ‏بمشربياته‏ ‏الخشبية‏ ‏العديدة‏ ‏والإيوان‏ ‏الغربي ‏بنوافذه ‏الجصّية‏ ‏المعشّقة‏ ‏بالزّجاج‏ ‏الملوّن.‏ ‏أما‏ ‏الإيوانان‏ ‏الشمالي ‏والجنوبي ‏فيحوي ‏كل‏ ‏منهما‏ «‏بانكات»‏ ‏ثلاثية‏ ‏العقود‏ ‏ترتكز‏ ‏على‏ ‏أعمدة‏ ‏رخامية‏ ‏ذات‏ ‏قواعد‏ ‏وتيجان‏ ‏على‏ ‏الطراز‏ ‏الإسلامي، ‏ ‏وملحق‏ ‏بهذه‏ ‏القاعة‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الحجرات‏ ودورات‏ ‏المياه‏.

ولا‏ ‏يفوتنا‏ ‏أنه‏ ‏بجوار‏ ‏الإيوان‏ ‏الشرقي ‏توجد‏ ‏فتحة‏ ‏باب‏ ‏مؤدية‏ ‏إلى ‏ممرات‏ ‏كانت‏ ‏تستخدم‏ ‏قديما‏ ‏لمشاهدة‏ ‏ما‏ ‏يجري ‏في القاعة‏ ‏حيث‏ ‏كانت‏ ‏النساء‏ يجتمعن‏ في غرف‏ ‏الحرملك‏ ‏بالدور‏ ‏الثالث‏ ‏المندثر حاليا لمشاهدة ما يجري في القاعة الرئيسية.