أشهر سوق لبيع الكتب المدرسية بالقاهرة يغلق أبوابه

حي «الفجالة» يصطدم بحقوق الملكية الفكرية

سوق الفجالة لبيع الكتب المدرسية يؤرقه قضية حقوق الملكية الفكرية (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

هذه هي المرة الأولى التي يغلق فيها حي الفجالة، أشهر سوق لبيع الكتب المدرسية بالقاهرة، أبوابه في ذروة موسه السنوي، وهو بداية العام الدراسي، مما أثر بالسلب على كل من أصحاب المكتبات وأولياء الأمور بعد أن عاش الطرفان سنوات طويلة يتبادلان فيها الاستفادة من بعضهم بعضا.. أخيرا توقفت السوق، وتراجعت حركة البيع والشراء فيها بعد أن جاء يوم لم تعمل له حسابا، باتت فيه مضطرة لأداء حق الملكية الفكرية لوزارة التربية والتعليم المصرية، التي تقول إنها صاحبة الحق في إعطاء تراخيص بطباعة هذه الكتب التي تتضمن المناهج الدراسية، أو لا..

وقرر وزير التربية والتعليم المصري أحمد زكي بدر حظر طباعة وبيع الكتب الخارجية المساعدة للطلاب. وهذا النوع من الكتب عبارة عن شروح للمناهج الدراسية التي تضعها وزارة التربية والتعليم وتطبعها في كتب خاصة بها، لكن الكثير من أولياء الأمور يقولون إن الكتب الخارجية (التي تطبعها المكتبات اعتمادا على كتب الوزارة) تتضمن المزيد من الشروح لهذه المناهج. ومع بداية العام الدراسي قبل نحو أسبوعين، قررت وزارة التعليم وضع أسس جديدة لمسألة إعادة طبع المواد الدراسية التي تتضمنها كتبها، فيما أصبح يعرف بـ«أزمة الكتب الخارجية»، وذلك بعد أن رفض اتحاد الناشرين دفع رسوم ملكية فكرية للوزارة قدرت بـ250 مليون جنيه (نحو 45 مليون دولار).

هذا الأمر دعا وزير التعليم إلى إصدار قرار بعدم السماح لدور النشر بطبع وبيع الكتب الدراسية إلا بعد دفع حقوق الملكية الفكرية للدولة من الكتاب الدراسي، وهو ما خلق جدلا واسعا بين أصحاب المكتبات ودور النشر من ناحية، ووزارة التعليم من ناحية أخرى، أدى إلى تدخل وزارة الداخلية للقبض على أي شخص يتورط في بيع أو شراء الكتاب المدرسي غير المرخص.

وتحدثت عنايات أحمد، ربة منزل، قائلة «مصادرة وحظر بيع الكتب الخارجية التي يعتمد عليها الطالب لا يعد إصلاحا أو تطويرا، بل هو ضرر، وإذا لم يتمكن الطلاب من شراء هذه الكتب بجانب الدروس الخصوصية، فسوف يرسبون هذا العام».

أما أحمد أيوب، ولي أمر أحد الطلاب، فقال «أشتري الكتب الخارجية في الخفاء كأني أشتري ممنوعات، أو مخدرات». وبأسى يتابع أيوب «أذهب إلى صاحب المكتبة ويعطيني كيسا أسود، ويطلب مني عدم فتحه، وعدم التحدث مع أحد، وأنه إذا سألني أحد عن مصدر الكتب أنكر معرفتي بالمكتبة».

نور عبد الحميد، صاحب مكتبة، أكد أن أصحاب دور النشر والمكتبات ما زالوا على خلاف مع وزارة التعليم، لأنهم يرون أن المبالغ المطلوب سدادها للحصول على الترخيص ليست واقعية، ومبالغ فيها، وليس في مقدرتهم سدادها، لافتا إلى أن المشكلة الكبرى أن كثيرا من أصحاب المكتبات يبيعون الكتب القديمة التي ليست في صالح الطلاب. ويرى عبد الحميد أن موضوع الملكية الفكرية يحتاج إلى مزيد من المناقشة لأن كتب الوزارة محظور نشرها، والأفكار الجديدة لا توجد إلا في الكتب الخارجية.

وأضاف حسن ماضي، صاحب مكتبة أخرى، أن ما حدث بين وزارة التعليم ودور النشر أضر بمصالح أولياء الأمور وأصحاب المصانع والمكتبات والمطابع وطلاب السنوات النهائية الذين ينتظرون الطبعات الجديدة من الكتب الخارجية كل عام، والنتيجة كساد ومطاردات من الشرطة ومحاضر رسمية وتشريد أسر بغلق المكتبات.

وقال محمد سيف، أحد تجار الكتاب الخارجي «الشرطة تنتشر في حي الفجالة وكأنه حي لبيع الممنوعات، وتستوقف البائعين وأولياء الأمور الذين يحملون الكتب الخارجية، ويتم عمل محاضر ضدهم لتداول كتب لا تحمل ترخيصا من وزارة التعليم»، قائلا إن الحكومة لا تريد حل أزمة حقوق الملكية الفكرية.

ومن جهة أخرى، أكد الدكتور أحمد رجب، وكيل أول وزارة التربية والتعليم، أنه «لا بد من القضاء على بعض السلبيات الموجودة في نظام التعليم والمتمثل في الكتاب الخارجي، فالطالب اعتاد على طريقة الحفظ والتلقين في استذكار دروسه من كتب خارجية، وأصبح يعتمد عليها اعتمادا كليا من غير أي محاولة منه لإعمال عقله أو فكره أو ترك فرصة لنفسه لمناقشة معلمه داخل الفصل المدرسي، والذي يترتب عليه أسوأ العواقب التي تضر بمصلحة الطالب بعد تخرجه عندما يكون غير مطلوب في سوق العمل».

وقال المسؤول لـ«الشرق الأوسط»: «إن قرارات وزير التعليم كانت بمثابة ضربة قوية لأصحاب المطابع ودور النشر المخالفة التي تقوم بألاعيب وحيل للتهرب من تنفيذ قرارات الوزارة وشروط ترخيص الكتاب المدرسي عن طريق سداد رسوم الملكية الفكرية على الكتب المدرسية الخارجية».

وأضاف رجب أن الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية الملكية الفكرية شنت حملات مكثفة على المكتبات ودور النشر، وتم التحفظ على أكثر من نصف مليون و34 ألف كتاب مدرسي خارجي لسنوات دراسية مختلفة تم طبعها من دون ترخيص، كما تم التحفظ على كميات هائلة من أغلفة الكتب والملازم التي كانت تحت الطبع، وتم تحرير محاضر ضد أصحاب المطابع ودور النشر المخالفة، ضمن تعاون بين وزارتي الداخلية والتعليم للتصدي لمحاولات بعض أصحاب دور النشر والمطابع للإفلات من سداد تلك الرسوم بوضع غلاف جديد للكتب الصادرة في العام الماضي وبترخيص قديم وإعادة طبعها وطرحها مرة أخرى.

فيما أكد الدكتور أحمد عبد الستار، أستاذ التربية بجامعة جنوب الوادي (جنوب مصر)، أن من يقوم بتأليف وإعداد الكتاب الخارجي هم أيضا من يقومون بتأليف كتاب الوزارة، لذلك كان قرار وزير التعليم الأخير بمثابة ضربة موجعة لهؤلاء، حيث كان أصحاب تلك الكتب يحققون المليارات سنويا من بيع تلك الكتب التي قفزت أسعارها بشكل مبالغ بالمقارنة بتكلفة طباعتها.

وكشف عبد الستار لـ«الشرق الأوسط» أن كثيرا من الكتب الخارجية تحمل معلومات غير موثقة،‏‏ وتخرج من دون أي سند علمي، وتضر بالعملية التعليمية، وتؤثر بشكل مباشر على نتائج الامتحانات، بسبب أنها تقدم ملخصات تلغرافية بسيطة للطلاب، عكس الكتاب المدرسي الذي يقدم المعلومة الكاملة وتأتي منه الامتحانات.