تونس: مراكز النداء.. تجيب من لا مغيث له

سوق عمل نامية ولكن ليست من دون مشكلات

TT

بين عامي 2000 و2001 كان ميلاد أول مركز نداء في تونس، وكان لا يشغل أكثر من 20 مواطنا تونسيا، معظمهم من حاملي الشهادات الجامعية. أما اليوم فقد أصبح في تونس ما لا يقل عن 230 مركز نداء فتحت أبوابها تباعا لتشغل نحو عشرين ألف شخص.

مراكز النداء، لمن لا يعرفها، هي مؤسسات تسدي مجموعة من الخدمات وتسهر على تقبل وإسداء الخدمات من قبل عملاء المؤسسات الأخرى، وهي بذلك تلعب دور الوسيط بين الطرفين بتيسيرها عمل المؤسسات الموجودة في تونس والخارج على حد سواء. واللغات المستخدمة في هذه المؤسسات اليوم كثيرة، أهمها: الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ويرى متابعو هذا القطاع النامي أنه بالإمكان مضاعفة طاقته التشغيلية لتصل إلى حدود الأربعين ألف خريج من خريجي المؤسسات الجامعية التونسية خلال السنوات الخمس المقبلة.

للوصول إلى هذا الهدف، أطلقت وزارة التشغيل التونسية مؤخرا دورة تدريبية أولى في مجال اللغات الأجنبية منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي فتحت أمام 20 ألف متدرب يوزعون بواقع 15 ألف متدرب في اللغة الإنجليزية و5 آلاف في اللغات الأوروبية الأخرى، التي تشمل الفرنسية والإيطالية والألمانية، وذلك لتلبية الحاجات المتزايدة لمراكز النداء التونسية والأجنبية التي اختارت الوجهة التونسية وقررت الاستثمار فيها.

وبشهادة محمد الناصر عمار، وزير تكنولوجيات الاتصال التونسي، الذي أشرف يوم 17 سبتمبر (أيلول) الماضي على لقاء بين المهنيين حول مراكز النداء والمساندة عن بعد، فقد قال: «إن تونس أصبحت وجهة متوسطية لمراكز النداء، وقد طورت مناخ الاستثمار منذ عام 2007، وضبطت شروط توفير خدمة الهاتف عبر بروتوكول الإنترنت بقصد تعزيز الجانب التقني في عمل مراكز النداء، كما أنها ضبطت القوانين الجديدة لتأمين جودة الخدمات الهاتفية عبر بروتوكول الإنترنت وسلامتها. وهذا كله -حسب الوزير عمار- أسهم بصفة كبرى في تطور مراكز النداء. بل إن الجانب الفرنسي تدخل خلال الفترة الأخيرة لتعطيل لجوء مراكز النداء الفرنسية إلى الخارج، وتحدثت الصحافة الفرنسية عن تخلي إحدى كبريات الشركات هناك عن 837 موطن تشغيل بعد انتقادات بتحويل النشاط، خاصة إلى تونس والمغرب، تحت إغراء انخفاض تكلفة تشغيل مراكز النداء في البلدين».

هذا، وتشير مصادر مطلعة إلى أن عدد مراكز النداء الفرنسية الناشطة في تونس لا يزيد حاليا على خمسة مراكز، إلا أنها توفر فرص عمل لنحو 70% من المشتغلين، أي لنحو 14 ألف شخص. وللعلم، تشتغل مراكز النداء بطريقة مغلقة بالكامل عن العالم الخارجي، والعاملون فيها، وكذلك المسؤولون عنها، يرفضون بصفة جذرية الإدلاء بأي تصريحات حول نشاط تلك المرافق، ما يحولها بنظر البعض إلى ما يشبه «الثكنات العسكرية» التي تحافظ على أسرارها وترفض إطلاع الآخرين عليها على ما تعتبره الأسرار الداخلية التي يجب أن تبقى داخل المرفق.

من جهة أخرى، يقول رضا بن عبد السلام، رئيس «الغرفة المهنية لمراكز النداء» في تونس: إن هذه المراكز «تعاني التعثر اللغوي للشباب الراغب في العمل، خاصة من المتخرجين في الجامعات التونسية؛ إذ هناك - وهذه من المفارقات - إشكالية كبرى في توافر اليد العاملة التي تتقن اللغات، وبالأخص اللغة الفرنسية». ويضيف بن عبد السلام: «إن الأسواق الحالية مقصورة على فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا في المقام الأول، في حين أن الأسواق العربية، التي تعتبر كذلك من بين الوجهات الاستثمارية المهمة، يتطلب الدخول إليها إتقان اللهجات العربية المحلية. ولذا لا يزال تعامل مراكز النداء الموجودة في تونس مع تلك الأسواق العربية محدودا رغم قابلية تطوره في المستقبل».

أيضا، يرى بن عبد السلام أن «مستوى الاستثمار في مراكز النداء لا يزال ضعيفا، لا سيما في مجال تطوير المحتوى على غرار عمليات البيع عبر الهاتف، وكذلك تطوير مكونات التجارة الإلكترونية. وفي المقابل لا تزال المراكز تستثمر جزءا مهما من عائداتها في اقتناء المعدات التقنية التي تتراوح سنويا بين 10 و15% من مداخيلها».

وبعيدا عن لغة الأرقام، يمكن تصنيف مراكز النداء ضمن شركات الخدمات عن بعد، وبإمكانها بيع منتجات شركات أخرى أو تقديم مجموعة من الإرشادات عبر الهاتف. ويعتبر عمل هذه المراكز من بين أشق المهن الممارسة في الوقت الحاضر بين صفوف المتخرجين الجدد في الجامعات التونسية الذين لا يجدون مجالات أخرى لدخول عالم العمل. وبالتالي، فهم يضطرون للانخراط في العمل بهذه المراكز بصورة مؤقتة. ولئن كان لا يبدي كثير منهم رغبة واضحة في التكلم عن مشكلاتهم الكثيرة والمتنوعة في هذا المجال، فإن رئيس «الغرفة الوطنية لمراكز النداء» يرى أن «قانون الشغل التونسي هو الذي يحدد شروط العلاقة بين الطرفين» ويؤكد وجود ميثاق داخلي تعمل بموجبه تلك المراكز مع عدم نفيه وجود بعض التجاوزات في بعض الشركات. ويشكو العاملون في هذه المراكز، كما ذكر كثير من الناشطين من أصحاب المستويات الجامعية، من ضغوط العمل داخل مراكز النداء؛ ذلك أنهم يجرون يوميا آلاف المكالمات الهاتفية، ولا تقل ساعات العمل في معظم المراكز عن 10 ساعات يوميا.. ولكن مقابل أجر لا يجاوز في معظم الحالات حدود 500 دينار تونسي (قرابة 350 دولارا أميركيا).