«دون كيشوت» يزور مصر في إطار شعبي

عرض فني اعتمد على الراوي وخيال الظل والتنورة

الراوي إسماعيل القليوبي تصاحبه الموسيقى الشعبية في إحدى فقرات عرض «دون كيشوت»
TT

في مقر المركز الثقافي الإسباني «ثربانتس» بالقاهرة، قدمت فرقة «ومضة» للأراجوز وخيال الظل عرضا مسرحيا بعنوان «دون كيشوت بخيال الظل»، والذي يقدم رؤية شعبية مصرية لبطل الرواية الإسبانية الشهير؛ حيث اعتمد العرض في فقراته على الأدوات الشعبية كلغة أساسية للعمل من خلال شخصية الراوي، وعرائس خيال الظل، وعروض التنورة التي تصاحبها الموسيقى، وهو ما قدم الأدب الإسباني بما يشبه ملامح السير الشعبية المصرية.

جاءت الفكرة بناء على اقتراح من لويس خافيير مدير المركز الثقافي الإسباني بالقاهرة، الذي تحمس لعروض فرقة «ومضة» بعد أن شاهد أكثر من عرض فني لها، مستقى من التراث الشعبي.. فكان اقتراحه على الدكتور نبيل بهجت، مؤسس الفرقة وأستاذ المسرح بجامعة حلوان، بتحويل سيرة «دون كيشوت»، أشهر شخصية في الأدب الإسباني، إلى عرض مسرحي يقدم من خلال أدوات الثقافة الشعبية المصرية، حتى تتاح مشاهدته برؤية مختلفة سواء للجمهور المصري أو الإسباني.

ويقول مخرج العرض د.نبيل بهجت لـ«الشرق الأوسط»: «عندما عُرضت علي الفكرة رحبت بها، لما سيعود على أدوات الثقافة الشعبية المصرية من انتشار وتعريف بها لدى الجمهور الغربي، خاصة أن العرض كان سيتم أثناء الاحتفال بيوم اللغة الإسبانية. لكن لم يكن الأمر بسيطا، فعلينا إعادة صياغة الرواية الشهيرة في الأدب الإسباني بشكل خاص، والأدب العالمي بشكل عام، وبطلها في عرض شعبي، كما أنها المرة الأولى التي يتيح فيها المركز الثقافي الإسباني تقديم شيء من التراث الإسباني بهذه الطريقة، وهو ما اعتبرته مغامرة».

واستغرق الإعداد للعرض نحو عامين، لما تطلبه الرواية من دراسة لبيئتها وبطلها، وفهم هذا الأدب المترجم. تبعتها مرحلتا إنتاج العرائس وتشكيلها، ثم مرحلة التنفيذ. ويضيف بهجت: «بعد دراسة الرواية أردت تنفيذها بنظام الأوبرا الشعبية، والمرادف لها هنا هو (الراوي)، ومن ثم تحويل القصة إلى قالب شعري تصاحبه الموسيقى الشعبية والآلات الشعبية، وهو ما كان يتضمن صعوبة؛ لأنني كنت محتاجا لمفردات شعبية بديلة يتم توظيفها لتعبر عن البيئة الإسبانية، فكانت الاستعانة بالتنورة كبديل لطواحين الهواء، والراوي كبديل للأوبرا، ثم جمع هذه المفردات الشعبية في سياق منتظم بما لا يخل بمفردات الرواية الأصلية».

وتحقق لمخرج العرض ما أراد؛ حيث جاء تقديم الرواية، العرض، بما يشبه السير الشعبية المصرية التي يرويها الرواة مثل السيرة الهلالية، ولكنها هذه المرة تقدم شخصية دون كيشوت، تلك الشخصية الإنسانية التي يصفها بهجت بأنها تقف غارقة في الأحلام ولا تدرك إمكاناتها ولا إمكانات الواقع الذي يفوقها، فهي شخصية ذات مفهوم كاريكاتيري للتناقض الإنساني.

جاء زمن العرض في 60 دقيقة؛ حيث جسدت عرائس خيال الظل جانبا من القصة، والتي حرص بهجت في تشكيلها وزخرفتها على المزج الفني بين التراثين المصري والإسباني، فالخطوط الداخلية مستلهمة من التراث الإسباني، بينما الخطوط الخارجية مستقاة من التراث المصري. ثم كان دور الراوي الشعبي «إسماعيل القليوبي»، راوي السيرة الهلالية وشاعر الموال، الذي حفظ أشعار العمل، التي صاغها الشاعر «سيد لطفي»، ثم قام بإعادة إنتاجها، مضيفا إليها رؤية جديدة من جانبه.

وبحسب بهجت، لاقى العرض استحسانا كبيرا من جانب الجمهور المشاهد للعرض؛ حيث حضره عدد كبير من الجمهور المصري من دارسي اللغة الإسبانية وعدد من الإسبان في مصر، كما حضره عدد من مديري المسارح الإسبانية الذين أبهرهم العرض وأعجبتهم الرؤية الشعبية والتوافق بين الكم والكيف في توظيف المفردات المصرية في نقل الأدب الإسباني، وأثنوا على تطويع إمكانات الموسيقى الشعبية في العمل، وهو ما دعا هؤلاء المديرين إلى دعوة فرقة «ومضة» لتقديم هذا العرض على المسارح الإسبانية خلال شهر أبريل المقبل.

ومع نجاح العرض وقبول فكرة الرؤية الشعبية للأدب الإسباني من جانب الجمهور، قام المركز الثقافي الإسباني بعمل فيلم وثائقي يحمل نفس اسم العرض وبثه على شبكة الإنترنت، ليكون في متناول من يتحدثون الإسبانية والمهتمين بالأدب الإسباني حول العالم.

يذكر أن فرقة «ومضة» تأسست منذ عام 2003؛ حيث تنطلق من معطيات التراث المصري لتأكيد أن «لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا». ومن خلال هذا الشعار تهتم الفرقة بعروض خيال الظل، والأراجوز، والراوي، وصندوق الدنيا، والموسيقى الشعبية، والرقص الشعبي بأنواعه. ولا تتقيد عروض الفرقة بمكان محدد؛ حيث أقامت الكثير من العروض في الشوارع والمتنزهات والأحياء الفقيرة، وامتد نشاطها إلى خارج مصر من خلال مشاركتها في الكثير من المهرجانات الفنية حول العالم.