«شارع التلل».. أحد أهم معالم مدينة حلب السورية

عمره 120 سنة وكان الشارع الأرقى والسوق الأحدث في «المدينة القديمة»

شارع التلل التاريخي في مدينة حلب («الشرق الأوسط»)
TT

يطلق عليه لقب «الشارع الأنيق»، ويصفه البعض مع سوقه بـ«شارع العائلة»، حيث ما فتئ منذ تأسيسه قبل 120 سنة يستقطب عائلات المدينة بمختلف شرائحها، يتجولون على أرصفته ويلتقون في محلاته العتيقة في لقاءات عفوية.. فيتبادلون التحيات من منطلق المثل القائل «رب صدفة خير من ألف ميعاد».

إنه شارع التلل العريق، في حلب «الشهباء»، إحدى أقدم مدن الشرق وأكثرها جاذبية، وعاصمة الشمال السوري و«بوابة العرب» على تركيا وأوروبا، والمدينة الاقتصادية الأهم في سورية.

هذا الشارع، الذي اشتهرت دكاكينه بتخصصها في بيع الألبسة لمختلف أفراد العائلة، يروي فعليا حكاية حلب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين المنصرم، ويقدم بانوراما تراثية لحياة حلب وسكانها. ثم إنه منذ تأسيسه كان المنافس الأقوى لأسواقها القديمة المسقوفة الشهيرة التي يبلغ مجموع أطوالها 13 كلم. ولذلك جاء «التلل» بشارعه الطويل، الذي يتجاوز الستمائة متر، من الجنوب إلى الشمال، وبمحلاته التي يصل عددها إلى 365 دكانا ليشكل نهاية «المدينة القديمة»، والحد الفاصل بين حاراتها وأسواقها وقلعتها وخاناتها وبين «المدينة الحديثة» التي تنطلق من شارع العزيزية نحو الأسواق والحارات الجديدة التي أسست في منتصف القرن الماضي.

ونظرا لأهمية شارع التلل وموقعه التراثي، فقد أخضع خلال الأشهر الماضية لعملية ترميم ضخمة شملت كل مرافقه وواجهات أبنيته التاريخية ودكاكينه وأرصفته، في مشروع شارف على الانتهاء وبتكلفة وصلت لعشرات ملايين الليرات السورية.

«الشرق الأوسط» جالت في شارع وسوق التلل، كما التقت مدير مدينة حلب القديمة المهندس عمار غزال، الذي أوضح شارحا ما تم من أعمال الإصلاح والترميم في الشارع، فقال: «استحدث شارع التلل على محيط (المدينة القديمة)، ومن أجل شق هذا الشارع هدم العديد من الأبنية التي كانت قائمة في أواخر القرن التاسع عشر واستعيض عنها بأبنية حديثة بنيت على طراز ذلك التاريخ، ولكن بقي العيد من الأبنية التراثية التي يصل عمر بنائها لنحو 150 سنة قائما. أما مشروع الإصلاح الحالي فيهدف لإعادة إحياء هذا المحور، ولذا أجريت عليه دراسة اقتصادية، خاصة أن سوق التلل تعد من أهم الأسواق في مدينة حلب. ولقد عانت السوق من تدهور اقتصادي بالغ نتيجة التعديات والمخالفات المعمارية الكبيرة في الشارع، بجانب التشويه البصري نتيجة طريقة الإعلان ووضع أجهزة التكييف».

وتابع غزال: «وبناء على ما تقدم اتخذ القرار بدراسة السوق من عدة جهات. وكانت البداية بإعداد دراسة أولية للمحور بهدف تخديم الشارع بالخدمات الأساسية وفتح الشارع يوميا من الثامنة مساء وحتى الساعة الثامنة مساء للتخديم وتبليط الأرصفة وتعريضها، وكان هذا الحل المروري للشارع بحيث يتم توزيع الخدمات في كل نقاط المحور. والأمر الثاني كان تنظيف واجهات أبنية الشارع وترميمها بالكامل وإعادة القطع الحجرية المتكسرة والحديد المشغول إلى الوضع الذي كانت عليه في بداية تأسيس الشارع، وإزالة كل المخالفات المعمارية التي كانت موجودة، وبالنسبة للأبنية القديمة الموجودة في الشارع فقد جرى ترميم واجهاتها وفق أعلى معايير الترميم القائمة في (المدينة القديمة)، كذلك أنجز تركيب الواجهات الخشبية التراثية وجرى تنظيف الواجهات الحجرية بالماء والصابون وتنفيذ كحلة كلسية حسب ما كانت موجودة في السابق. ومن ثم تم ترميم الأكشاك الخشبية التي تأخذ أهمية استثنائية في (المدينة القديمة) كونها تعبر عن طراز معماري خاص لمدينة حلب، وجرى تشذيب الشبكة الكهربائية الهوائية وتحويلها إلى شبكة أرضية، وحصل الشيء نفسه مع شبكة الاتصالات والهاتف. ووحد نظام الإعلان في السوق والشارع مع إعطاء الحرية بتشكيل الأحرف والشعارات الخاصة بكل دكان وشركة في السوق». وأضاف: «أيضا، أنجز في هذا الشارع إخفاء أجهزة التكييف ووضعها داخل المحاور والأبنية والمخصصة لهذه الغاية بحيث لم تعد ظاهرة لتشوه المنظر العام للشارع».

وواصل غزال شرحه فقال: «ومن أعمال التطوير الأخرى.. تنفيذ نظام إنارة تراثي خاص بالشارع، وفي النتيجة فإن تجميل الشارع والسوق ورفع مستواه أديا إلى تحسين الوضع الاقتصادي لتجاره. فأصحاب المحلات في السوق أسعدتهم هذه الأعمال التجميلية ورفعت قيمة دكاكينهم بل وتضاعفت مرتين. كذلك تغير مستوى البيع والشراء والعرض والطلب فانعكس إيجابيا على سكان المدينة، حيث الفائدة تعم على الجميع. كما أن مشروع التجميل للتلل رافقه تجميل للمحاور الفرعية المنبثقة عنه.. وقد وصلت التكلفة المالية للمشروع 47 مليون ليرة سورية (ما يعادل مليون دولار أميركي)».

حول سبب تسمية الشارع والسوق بـ«التلل»، قال المهندس غزال: «من المعروف أن المنطقة حيث يقوم الشارع، والتي تسمى (العبارة) موجودة في واد بمنطقة منخفضة جدا، فأنجز الشارع في عدد من التلال المشرفة على الوادي ولذا كانت تسميته بـ(التلل)... أي التلال». وفي جولة تاريخية عنه، قال «بالنظر إلى أنها كانت السوق الأهم في حلب خارج منطقة الأسواق التقليدية وتعتبر أول سوق عصرية و(مول تجاري) في المدينة.. ضم هذا الشارع خدمات لم تكن قائمة في أي مكان آخر في حلب، ومنها - مثلا - احتواؤه أول معمل للمياه الغازية وقد أسس قبل ستين سنة. كذلك ضم الشارع أول وكالة تصوير وهي وكالة (أغفا)، كما ضم العديد من الكنائس التاريخية».

وعن الذكريات الشخصية، روى المهندس غزال (45 سنة) ذكرياته مع شارع وسوق التلل بكثير من الحنين لأيام الطفولة، فقال إنه كان يرافق والده ووالدته للتسوق في التلل، وكان يعرف أن الأعياد اقتربت عندما كانت أسرته تبدأ شراء ألبسة العيد من التلل «في زيارة تأخذ طابع التقليد السنوي من الكثير من الأسر الحلبية، حيث لا تكتمل بهجة الأعياد ما لم يكن اللباس الجديد قد اشترته العائلة من سوق التلل. لقد كانت الزيارة للسوق مميزة جدا ولها حميمية خاصة حيث يجتمع الآلاف من الحلبيين في هذه السوق عشية الأعياد».

بقيت الإشارة إلى أنه يرافق تجميل شارع التلل مشروع لتجميل شارع آخر في مدينة حلب القديمة - كما يقول المهندس غزال -، هو شارع الخندق المجاور لباب الفرج القديم ولشارع التلل. وتتميز أبنية هذا الشارع بوجود طرازين متباينين مستخدمين فيها هما الطراز العثماني والطراز الأوروبي، ويبلغ طول الشارع 320 مترا، وهو ضمن نسيج «المدينة القديمة» وميزته أن جميع أبنيته تاريخية تراثية إذ لا وجود للأبنية الحديثة فيه. ويؤكد غزال أن الشارع «يضم أبنية ذات طراز معماري نادر لا مثيل لها في كل بلدان العالم، إذ يختلط في المبنى الواحد منها الطرازان المعماريان العثماني والأوروبي».