بشار حموية: جامع التراث الغنائي الأصيل في الزمن الجميل

يمتلك تسجيلات نادرة للرعيل الأول ومنها حفلة لأم كلثوم في دمشق قبل 55 عاما

بشار حموية وأرشيفه الإلكتروني لأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أنه ينتمي لفئة الجيل الشاب، حيث يقترب من سن الأربعين، وعلى الرغم من كل أنواع الطرب المعاصر من الأغنية الشبابية وحتى الخفيفة والاستعراضية وغيرها، التي تحيط به في كل مكان يرتاده، فإن الدمشقي بشار حموية يصر، ومنذ سنوات شبابه الأولى، على الاستماع فقط إلى الطرب القديم، وخاصة لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.

لم يقف شغفه عند الاستماع، بل حول منزله التقليدي العربي في أحد أحياء دمشق الشعبية إلى مكان يومي لإسماع أصدقائه أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب في جلسات مسائية. ولكن عشق حموية لطرب أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب اللامحدود جعله يتحول إلى مؤرشف إلكتروني لكل ما قدماه عبر مسيرتهما الفنية الطويلة، مسافرا بين مصر ولبنان والأردن ودول أخرى، باحثا عن أي تسجيل نادر لسيدة الغناء العربي ولعبد الوهاب، عائدا فيما بعد لمنزله ليجلس ساعات وساعات أمام الكومبيوتر، يعالج من خلاله التسجيلات التي حصل عليها مهما ارتفع ثمنها بشكل فني متقن، على الرغم من أنه غير متخصص في الحاسوب وتقنياته، فهو حاصل على شهادة دبلوم معهد فندقي.

تعلم وبشكل ذاتي كيف يستفيد من الكومبيوتر في تنقية الصوت وتوزيعه والأرشفة الإلكترونية، حتى بات حموية في السنوات العشر الماضية مقصدا ومرجعا لكل باحث ومعد برامج موسيقية يبحث عن حفلات نادرة وأغان لم تذاع بشكل جماهيري لأم كلثوم وعبد الوهاب.

في منزله، أصر بشار بداية على إسماعنا أغاني نادرة لأم كلثوم، ومقاطع من حفلات قديمة لها في دمشق وفي مدن أخرى، قبل أن ينطلق في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن هوايته ومشروعه الشخصي وشغفه بسماع الطرب القديم، قائلا: اهتمامي بجمع التراث الموسيقي العريق انطلق منذ أن وعيت في سن المراهقة في منزل أسرتي، حيث كانت الأسرة تستمع للطرب القديم فأحببته وقررت الخوض فيه والحصول على كل ما له علاقة به من تسجيلات صوتية قديمة.

فعندما كان عمري 12 سنة كنت أمتلك 120 حفلة مسجلة لأم كلثوم، ومنها غير متداولة، وبالفعل لدي حاليا أقدم تسجيل غنائي عمره 110 سنوات، يعود لعام 1900م، ومنها تسجيلات للمغني محمد عصمان، وأعمال عبد الرحيم المشلوب، وهي تعود للنصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولدي تسجيلات لعبد الحي حلمي وعبده الحامولي تعود لأواخر القرن التاسع عشر، ولصالح عبد الحي وفتحية أحمد ونور الهدى وعبد الغني سيد تعود للأربعينات، وحتى عام 1975.

«وبشكل عام أمتلك أكثر من 8000 شريط غنائي بكر، ومنها تسجيلات نادرة، فلدي نحو 50 عملا لمحمد عبد الوهاب غير معروفة، ولدي أسطوانات تجربة لعبد الوهاب، والمعروف أن المطرب عبد الوهاب كان يتلف مثل هذه الأسطوانات، وتضم إحداها موالا له مشهورا يقول فيه: «مسكين وحالي عدم». ولدي 15 أغنية نادرة لأم كلثوم على أسطوانة، حصلت عليها من خلال معارفي في دول عربية وأجنبية، ومن خلال شراء 4 أرشيفات لأناس يمتلكونها منذ سنوات طويلة، ورغبوا في بيعها، أو باعوها ورثتهم؛ فأقوم بأرشفتها بشكل أكاديمي، إذ حولت كل الأسطوانات والبكرات التي أمتلكها إلى ملفات في الكومبيوتر».

ويضيف بشار حموية أنه يحفظ جميعها في ذاكرته، فبمجرد أن يذكر اسم الأغنية أو أي علامة فارقة لها يجيب عن كل المعلومات المتعلقة بها، وأين تكون موجودة في ملفاته الإلكترونية، وأسماء العازفين الذين شاركوا في تلحينها مهما كانوا قدماء. «أقدّم من خلال هذه الأرشفة خدمة مجانية للباحثين الموسيقيين الذين يقصدونني باستمرار، وأحافظ من خلالها على التراث الغنائي الأصيل. كذلك أستفيد من ذلك بامتلاك معلومات نادرة عن رحلة أم كلثوم الفنية قد لا تكون موجودة لدى غيري، وهذا يسعدني كثيرا. كذلك قدمت أكثر من 15 حلقة إذاعية في إذاعة دمشق عن تراث الطرب الأصيل وأم كلثوم وعبد الوهاب من خلال أرشيفي الكبير، وأقول لك بثقة إنه لا توجد أغنية لأم كلثوم موجودة لدى هاو في أي بلد في العالم إلا وموجودة لدي».

وشارك بشار حموية في برامج تتحدث عن التراث الموسيقي. ولم يكتف بالأرشفة العلمية، بل قام أيضا بتصليح العيوب التي يمكن أن تكون موجودة في الصوت. وبهذا الصدد يشرح بشار قائلا: «بسبب قدم التسجيلات، والموجودة على كاسيتات أو بكرات أو أسطوانات، والعيوب التي توجد فيها بسبب انتقالها بين الأشخاص الفنيين والعاديين، تعلمت تلافي الأعطال، من خلال إجادتي للبرامج الحديثة، ومواكبة تقنيات العصر، بحيث استطعت تحويل هذه الأغاني إلى أصوات بجودة ممتازة.

وأسأل بشار كم أغنية غنت أم كلثوم؟ فيجيب، ومن ذاكرته الفورية، 311 أغنية، ودون العودة للكومبيوتر، ليؤكد كما قال لنا قبل قليل غنى ذاكرته بحفظ كل ما له علاقة بالمطربين، أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. كما أنه يجيب، وعلى الفور، عن حفلة نادرة لأم كلثوم في دمشق، وبليليتين كانتا في سينما دمشق، وبتاريخ 15 و17 سبتمبر (أيلول) 1955، وحضر حفلة 15 سبتمبر رئيس البرلمان السوري السياسي والأديب المعروف فخري البارودي. وفي أغنية لها كانت تشدو بها وهي «جددت حبي ليه»، وعندما وصلت لمقطع يقول «إنت النعيم والهنا إنت العذاب والضنا»، فيقوم البارودي بمقاطعتها قليلا ويصرخ بصوت مرتفع: «يا عين يا ليل يا عيني. قال إمي ماتت وراحت!» وذلك معتبرا أنها تقول هذا المقطع له، وفي المقطع التالي، وعندما يصفق الجمهور لها، يصرخ البارودي قائلا: «الله يرميك بحبي!»، كنوع من الدعابة لأم كلثوم.

وهناك حفلة في معرض دمشق الدولي كان حاضرا الفنان أنور البابا، الملقب أم كامل حيث ظهر صوته مرتفعا في الحفلة وهو يمتدح أم كلثوم.