التونسيون يكتشفون مزايا تربية الحلزون وأسواقه الأوروبية الواعدة

من الأطباق الفاخرة في مطاعم الغرب

«الحلزون».. أكلة فاخرة في أوروبا
TT

قلائل من التونسيين كانوا يعلمون أن الحلزون، ذلك الحيوان الرخو ضئيل الحجم، يمكن أن يمثل، في يوم من الأيام، مورد رزق لمئات العائلات في تونس، بل ويوفر لها مداخيل مادية سنوية محترمة.

أما اليوم، فتشير الوقائع على الأرض إلى أن مشاريع تربية الحلزون باتت مصدر تأمين عمل إضافي لمئات التونسيين، لا سيما أولئك الطموحين الذين أجادوا ترجمة أفكارهم إلى مشاريع ملموسة. التجربة توجهت بالخصوص، أساسا، إلى أصحاب الشهادات الجامعية ممن لم تتوافر لهم الظروف المناسبة لدخول عالم العمل. يحتاج العمل في مجال تربية الحلزون إلى الكثير من الإرادة والمعرفة لضمان النجاح في عالم الأعمال، خاصة إذا علمنا أن معظم المنتج التونسي موجه إلى الأسواق الأوروبية التي تبدي شراهة لا تضاهى تجاه الحلزون التونسي، فهذه الأسواق تطلب سنويا عشرات الآلاف من الأطنان من الحلزون ونسبة 70% منها غير ملباة حتى الآن.

كانت الأسواق الأوروبية تستقبل الحلزون التونسي حيا، خلال الفترة الماضية، إلا أن النية متجهة الآن نحو ترويجه مصنعا، وهو ما يعطيه قيمة مالية إضافية. وتتصدر فرنسا راهنا قائمة البلدان الأوروبية المستهلكة للحلزون، وذلك بحوالي 150 ألف طن سنويا، تليها البرتغال وإسبانيا بـ60 ألف طن، ثم اليونان بـ40 ألف طن، فإيطاليا بـ38 ألف طن. ولكن من المنتظر أن يتطور الطلب العالمي على الحلزون خلال السنوات المقبلة باعتباره من المنتجات البيولوجية بامتياز، مع ملاحظة أن حجم الطلب في الوقت الحاضر لا يقل عن 425 ألف طن.

يتطلب مشروع تربية الحلزون في تونس، أولا، توفير قطعة أرض لا تقل مساحتها عن هكتار واحد بالضرورة، وذلك للحصول على تمويلات بنكية، ومن ثم ضرورة تسويغها لمدة لا تقل عن 9 سنوات، وهو ما يجعل هذه الشروط صعبة التحقيق، وذلك لنفور أصحاب الأراضي من شرط السنوات التسع الذي يرونه طويلا وغير مبرر.

وخلال لقاءات لـ«الشرق الأوسط» بالناشطين في هذا المجال، قالت نجلاء الكشوطي (الحاصلة على شهادة جامعية في الإعلان والتسويق من المدرسة العليا للتجارة)، وهي إحدى الناشطات الشابات في ميدان تربية الحلزون: «إن المنتج كله سيصدر إلى إيطاليا، ولقد عملنا بالنظرية الأميركية الاقتصادية المعروفة التي تقول بضرورة تأمين السوق قبل الشروع في الإنتاج، وذلك بهدف ضمان الربح المادي، وهذه القاعدة مطلوبة في مجال تربية الحلزون». وأضافت أنها لكي تتمكن من إنجاح مشروعها تلقت تدريبا علميا في مدينة العالية من ولاية (محافظة) بنزرت، بأقصى شمال تونس، ثم حصلت بعد ذلك على شهادة الكفاءة المهنية في تربية الحلزون، وهو ما يفتح لها أبواب النجاح.

الكشوطي، التي دخلت باب الإنتاج منذ 3 أشهر، مضت قائلة: «إن عددا كبيرا من المشاريع السابقة في مجال تربية الحلزون عرفت الفشل؛ لأن أصحابها كانوا يعملون بطريقة تقليدية مكلفة للغاية. إن الهكتار الواحد المخصص لتربية الحلزون يتطلب قرابة 60 ألف دينار تونسي من التمويلات (نحو 45 ألف دولار أميركي)، ويقدر سعر الكيلوغرام الواحد من الحلزون المصدر إلى الخارج بنحو 4 دنانير تونسية (نحو 3 دولارات أميركية)، وبإمكان الهكتار الواحد من مزارع تربية الحلزون إنتاج قرابة 10 أطنان من الحلزون. وهكذا، بعملية حسابية بسيطة يمكن للهكتار الواحد من الحلزون أن يعطي قرابة 40 ألف دينار تونسي (نحو 30 ألف دولار أميركي) في فترة وجيزة، ويمكن بالتالي استرجاع مصاريف بدء المشروع بصفة سريعة».

في المقابل، لم تخف نجلاء الكشوطي الصعوبات الكثيرة التي تعترض إقامة مثل هذه المشاريع «على غرار الأرض المهيأة بعناية لاستقبال الحلزون الذي يحبذ الأرض الرطبة، وهو ما يتطلب كميات كبيرة من المياه». ثم إنها تعتمد في مشروعها على تربية الحلزون «النمط الإيطالي»، أي «البيولوجي» الذي يبتعد عن العلف في تسمين الحلزون، ويعتمد، بالخصوص، على الخضر الورقية مثل الخس والسلق والكرنب «الملفوف». و«من الضروري هنا تغطية المكان بشبكة علوية حتى لا تفر أسراب الحلزون خارج المزرعة؛ ذلك أنه يمكن أن تأكل وتسمن ثم تفر إلى مكان آخر.. وهذا حتى إن كانت حركتها في الظاهر ثقيلة. فهي، في الحقيقة، قادرة على المضي بعيدا بمرور الوقت. أضف إلى ما تقدم أن الفئران والعصافير تقف بالمرصاد لهذه الكائنات الضعيفة وهي تصطادها كلما سنحت الفرصة لها لذلك».

من جهتها، قالت هالة سعد، المتخصصة في البستنة إنها أسست مشروعا لتربية الحلزون في منطقة قصر هلال من ولاية (محافظة) المنستير، الواقعة على بعد 160 كم إلى الجنوب الشرقي من تونس العاصمة، واستثمرت في هذا المشروع حوالي 50 ألف دينار تونسي (قرابة 40 ألف دولار أميركي). وتضيف: «لقد اعتمدت، خلافا لبعض المشاريع الأخرى، على الأصناف التونسية من الحلزون، إلا أنني أجد صعوبات جمة في تسويق بضاعتي، خاصة في الأسواق الخارجية». وأسرت لنا سعد بأنها كانت عرضة لأخطاء كثيرة.. لكنها استفادت من تلك الأخطاء واستوعبت الدرس جيدا. واليوم تسعى هالة سعد إلى تأسيس مجمع للمنتجين يضم جميع المنتجين، وبالتالي، يسهل عليهم عمليات البحث عن الأسواق سواء في الداخل أو في الخارج.

وقال عبد المجيد بن حسن، وهو خبير فني زراعي: «إن تربية الحلزون يمكن أن تكون من بين القطاعات الفلاحية (الزراعية) الواعدة إذا اعتمدت على تدريب وإعداد علمي متخصص ودراية كافية بحياة الحلزون». وتابع: «إن تكلفة بعث مثل هذه المشاريع قد تكون باهظة، لكنها كذلك مربحة للغاية.. وهي معدة في معظمها للتصدير؛ ذلك أن السوق المحلية لا تستهلك إلا القليل من الحلزون، خاصة في المناطق الساحلية والسياحية». وشرح بن حسن: «معدل سعر الكيلوغرام الواحد من الحلزون على المستوى المحلي يبلغ دينارين تونسيين، إلا أن النوعية التي تسوَّق في تونس هي من الدرجة الثانية. وهناك أصناف أخرى، خاصة من الحلزون ذي القشرة الصفراء الذي يكثر عليه الطلب، وهي تتطلب تقنيات إضافية لإكثارها والاستفادة منها في الأسواق الخارجية في أوروبا، على وجه الخصوص؛ حيث تعتبر الوجبات الغذائية (نحو 1.5 دولار أميركي) المعتمدة على الحلزون من بين الأكلات الأعلى سعرا في مطاعمها».