صداقات الـ«فيس بوك».. ظاهرة «اللاتصادق»

في لبنان.. ينقسم المشتركون إلى تكتلات تتوافق كل منها في ميولها

الميول الشخصية السياسية عامل من عوامل بروز ظاهرة «اللاتصادق» على موقع «الفيس البوك»
TT

تفتح صفحتك «الفيسبوكية» فتكتشف أن أحد أصدقائك القدامى أرسل إليك دعوة لإضافتك إلى قائمة أصدقائه، ترحب به، معبرا عن فرحتك بهذا اللقاء بعد مرور سنوات طويلة. دعوة أخرى تأتيك من أحد الأقرباء الذين لا تربطك بهم أي علاقة، فتشعر بالخجل من رفضك لها، ويصبح بالتالي صديقا «فيسبوكيا» لك أيضا. دعوات صداقات أخرى مختلفة الهوية والانتماء وعابرة للقارات تأتيك أيضا من أشخاص لا معرفة لك بهم لا من قريب ولا من بعيد، فهم أعجبوا بـ«صورتك» أو تعرفوا إليك من خلال وجودك في لائحة أصدقاء «فيسبوكيين» مشتركين وارتأوا تقديم الدعوة.. وعلى هذا المنوال تزيد قائمة أصدقائك يوما بعد يوم، فتصل إلى المئات، وفي بعض الأحيان إلى الآلاف. أصدقاء يطلعون على أخبارك اليومية ووضعك الصحي والاجتماعي وحتى مزاجك اليومي وتوجهاتك السياسية وأفكارك الاجتماعية والدينية.. فتتكون الصورة الكاملة لديهم التي قد تتعارض مع خريطة حياتهم والعكس صحيح، إذ قد تكتشف أنت بعد فترة عدم الرضى عن هذا الصديق فتقرر إراحة نفسك من «الستاتيوس» الخاص به اليومي الذي لا يناسب وجهة نظرك، وقد لا ترى فيه إلا مبالغة أو تطرفا.. فتتخذ قرار حذفه من قائمتك. هذا باختصار هو وضع صداقات الـ«فيس بوك» التي حركت فضول الخبير في شؤون التكنولوجيا الأستاذ في جامعة كولورادو كريستوفر سيبونا، للبحث في دراسة خاصة عن عمق ظاهرة ما سماها «اللاتصادق» التي تنتج عن «صداقات الـ(فيس بوك)». وحذرت نتائج هذه الدراسة من أنه كلما وضعت تعليقات على صفحة «فيس بوك»، باتت فرص حذفك من قائمة الأصدقاء أكبر، أو ما يعرف بـ«اللاتصادق»، وفق معجم «أكسفورد».

واستطلع سيبونا أكثر من 1500 مستخدم لـ«فيس بوك» في محاولة للوصول إلى عمق ظاهرة «اللاتصادق»، فتبين له أن 57 في المائة طردوا من قائمة الأصدقاء لأسباب «حدثت إلكترونيا»، مقابل نحو 27 في المائة طردوا لأسباب جرت في الحياة الواقعية.

وأوضح سيبونا أن «100 تعليق حول فرقتك المفضلة لم تعد مثيرة لاهتمام أحد»، مضيفا «يقولون لا تتكلم عن الدين أو السياسة في المكاتب، وكذلك الأمر ينطبق على الإنترنت». ولفت إلى أن «الباحثين يمضون الكثير من الوقت يبحثون كيف يشكل الناس صداقات على الإنترنت، ولكن لا يعرف الكثير عن كيفية انتهاء هذه الصداقات»، معتبرا أن «هذا قد يساعدنا على إنشاء نظرية حول الدائرة الكاملة للتصادق واللاتصادق».

ودعا سيبونا المستخدمين إلى توخي الحذر في تعليقاتهم، لأن استطلاعا أجري في 2010 أظهر أن 54.6 في المائة من المديرين استخدموا الموقع لإيجاد أو التحقق من المرشحين للوظيفة، مشيرا إلى أن «التعليقات ذاتها التي تؤدي إلى إزالتك من قائمة الأصدقاء قد تترك رد فعل سلبيا عند المديرين».

مع العلم وفي هذا الإطار، فقد أصدرت محكمة في كاليفورنيا حكما غيابيا بحق كندي يعمل في مجال التسويق عبر الإنترنت، ففرضت عليه غرامة قيمتها تقارب المليار دولار، لإقدامه على توزيع رسائل غير مرغوب بها عبر «فيس بوك».

وتأكيدا لما أظهرته دراسة سيبونا يمثل لبنان، بلد الفرقة والانقسام السياسي والطائفي، نموذجا مصغرا لما يدور في كواليس الـ«فيس بوك» العالمي، حيث ينقسم المشتركون إلى تكتلات تتوافق كل منها في ميولها من دون أن يعني خلوها من الذين يتخذون موقفا مناقضا تجاه هذا الفريق أو ذاك مع بقائه في خانة المعرض الدائم وفي أي لحظة، للحذف. هذا ما يقوله الباحث في علم الاجتماع الدكتور عبدو قاعي، الذي اعتبر أن «الذاكرة الإلكترونية» دخلت في تفاصيل حياتنا الدينية الاجتماعية اليومية، وصارت تمثل العلاقات القريبة والبعيدة في الوقت عينه. في حين يعتبر قاعي أن هذه العلاقة كاملة، على الرغم من افتقادها إلى حاسة اللمس، العنصر الأهم في العلاقة، ولكنها ليست بديلا عن العلاقات الطبيعية الاجتماعية المباشرة، يقول «إذا بني هذا التواصل على الصدق الذي تتطلبه أي علاقة اجتماعية فهو قد يتوطد وتحول إلى صداقة حميمة وقريبة أو حتى إلى ارتباط كما نرى في حالات عدة تصل إلى الزواج».

«ميرا» واحدة من مستخدمي موقع «فيس بوك»، التي تقول «عمدت مؤخرا لحذف إحدى صديقاتي في العمل من قائمة أصدقائي (الفيسبوكيين) لأنني وجدت تطرفا في آرائها السياسية التي تهين الفريق السياسي اللبناني الذي أدعمه، لا سيما أن هذه الآراء تستفزني وأرفض في الوقت عينه الرد عليها أو الدخول معها في سجال عقيم، فاختصرت الطريق وقررت (إزاحتها)».

وفيما يتعلق بـ«اللاتصادق» الناتج عن العلاقة «الفيسبوكية» يرى قاعي أنه على هذا المنبر الإلكتروني، يشعر الشخص بأنه متحرر من الضغوط والقيود الاجتماعية والسياسية والدينية التي تحاصره في الحياة اليومية، وبالتالي يطلق العنان للتعبير عن أفكاره وآرائه لتأتي ردة الفعل من هؤلاء الأصدقاء، كالتي كان سيواجهها في الواقع ويبدون انزعاجهم فيقررون «حذفه» من قائمتهم، إلى أن يصل الأمر إلى تكتلات إلكترونية تتوافق في التوجهات، كتلك التكتلات الاجتماعية الموجودة على أرض الواقع».

وحول ما أشارت إليه الدراسة عن استخدام المديرين الـ«فيس بوك» للتحقق من المرشحين للوظيفة، وضع قاعي هذا الأمر في خانة المس بالحرية الشخصية والحكم على القدرات الوظيفية من خلال الأفكار والآراء الشخصية والاجتماعية.