موجة غلاء غير مسبوقة تجتاح سوق الخضار واللحوم في لبنان

«حماية المستهلك»: الأسباب الخارجية لا تبرر الارتفاع المحلي الجنوني للأسعار

المواطن اللبناني في انتظار الاجراءات التي ستتخذها وزارة الاقتصاد للجم موجة الغلاء («الشرق الأوسط»)
TT

تتذمر أم جهاد أمام محل لبيع الخضار والفاكهة في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة اللبنانية بيروت. تنقل ناظريها بين الصناديق «الموضبة» بعناية على الرفوف، وتقرأ الأسعار وتقطب حاجبيها، وكلما انتقلت إلى رف ما ازداد تقطيبها لحاجبيها، ثم تبدأ بالصراخ على العامل في المتجر، محملة إياه مسؤولية الغلاء. إنها تحسب تكلفة صحن «التبولة» أو «اللوبياء بزيت»، والنتيجة قرابة العشرة آلاف ليرة لبنانية، لأن الطبقين يحتاجان إلى البندورة (الطماطم)، التي لامست أسعار الكيلو الواحد منها الخمسة آلاف ليرة، أي ما يزيد عن 3 دولارات أميركية.

وفي وقت تستعر السجالات السياسية حول موضوع المحكمة الدولية وملف «شهود الزور»، وسواهما من الملفات الملتهبة بين أيدي المسؤولين الرسميين في لبنان، يكتوي المواطن اللبناني بلهيب أسعار الخضار والفاكهة واللحوم، التي شهدت خلال الأسبوع الأخير «ارتفاعا جنونيا غير مبرر»، وفق رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان، الدكتور زهير برو.

وزارة الاقتصاد المعنية مباشرة بمراقبة الأسعار وضبطها عبر أجهزتها الخاصة، لا سيما مصلحة حماية المستهلك، ذكرت أمس بالبلاغ الذي يقضي بوجوب تقيد تجار اللحوم والخضار والفاكهة بتنفيذ أحكام المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 73 بتاريخ 9/9/1983 التي تلزم كل بائع في كل الأعمال والصفقات التجارية بالجملة ونصف الجملة بأن يعطي كل مشتر قائمة «فاتورة» بالسلع والمواد والحاصلات المباعة.

ودعت المشترين، من تجار الجملة أو نصف الجملة، إلى عدم قبول البضاعة إلا بعد الاستحصال على هذه القائمة (الفاتورة) والاحتفاظ بها، «لضرورة تبرير السعر»، مذكرة بأن «كل من يخالف نص المادة المذكورة أعلاه، يتعرض للملاحقة القانونية».

وكان وزير الاقتصاد، محمد الصفدي، قد أطلع مجلس الوزراء على الوضع القائم وأسباب الغلاء والخطوات التي ستتخذها الوزارة.

وأوضحت مصادر الوزارة لـ«الشرق الأوسط» أنه «جارٍ العمل على إعداد دراسة شاملة عن أسباب الغلاء ونسبته، على أن يبنى عليها اتخاذ إجراءات لضبط الأسعار قدر المستطاع».

في المقلب الآخر، انتقد رئيس جمعية حماية المستهلك، الدكتور زهير برو، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، الحكومة ووزارة الاقتصاد، واصفا إياهما بـ«المستقيلتين من مهامهما»، وقال: «الحكومة غارقة في الصراعات السياسية، وهو ما يفسح المجال للارتفاع غير المبرر للأسعار والمرشح للازدياد، في ظل غياب آليات التدخل الحكومي وتركها الأمور بين أيدي التجار لتحقيق أقصى الأرباح».

ورأى أن «لبنان لم يشهد في تاريخه هذه الموجة من الارتفاع الجنوني للأسعار إلا في فترات الحروب والأزمات الكبرى». وأوضح أن ثمة أسبابا خارجية وراء ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة واللحوم، لكنها لا تبرر مستوى الارتفاع المحلي الحاصل.

ولفت إلى أن ارتفاع سعر البندورة مرتبط بموجة الحرارة التي قتلت شتول المزارعين من جهة، وبظهور دودة «حفارة الأنفاق» التي ضربت قسما كبيرا من الإنتاج، لا سيما في الأردن، من جهة ثانية، إلا أنه استغرب: «كيف يمكن أن تقفز بعض الأسعار بين 100 و500 في المائة، خلال أقل من أسبوعين»، لافتا إلى أن المزارع اللبناني على الرغم من كل العوامل السابقة يبيع كيلو البندورة بسعر يتراوح بين 1000 و1500 ليرة لبنانية إلى التاجر الذي يعيد بيعه بسعر يتراوح بين 3000 و5000 ليرة لبنانية، أي بزيادة تبلغ نسبتها 150 في المائة، وفق برو، الذي انتقد أن «تجار الجملة يحققون الربح الأساسي على حساب المزارع والمستهلكين».

وكشف رئيس جمعية حماية المستهلك أن «ارتفاع اللحوم الحمراء الفجائي وغير المبرر على الإطلاق ناتج عن سعي التجار إلى تحقيق أرباح ظرفية، عبر إعادة تصديرها إلى الخارج، وربما إلى الضغط على وزارة الزراعة للتراجع عن قراراتها الخاصة بتعزيز سلامة الغذاء»، معتبرا أنه «في كلتا الحالتين يدفع المستهلك اللبناني الثمن، وهو يرفض هذه الممارسات المنفلتة من أي توازن، والمخالفة لقانون حماية المستهلك».

ودعا الحكومة اللبنانية للعودة إلى تطبيق «قرار تحديد هوامش الأرباح في السلع الأساسية، الذي جمد في عام 2006»، مشددا على أن «تحديد هوامش الأرباح هو الأساس، في ظل الانفلات الحاصل، وفي ظل غياب قانون المنافسة والحد من الاحتكار».

وفي انتظار الإجراءات التي ستتخذها وزارة الاقتصاد للجم موجة الغلاء التي تطال المواطن اللبناني في لقمته اليومية، وسط ارتفاع حدة السجال السياسي، أكدت أم جهاد لبائع الخضار قرارها بالإحجام عن شراء البندورة ريثما تعود إلى سعرها الطبيعي، على أن تستعيض عنها بعبوات «رُب البندورة» في أطباقها اليومية.