محمد أبو ذكري.. أصغر أستاذ في بيت العود العربي

عشقه منذ الصغر ونعست أنامله على أوتاره

أستاذ العود الشاب محمد أبو ذكري في حفل برفقة أستاذه نصير شمة («الشرق الأوسط»)
TT

سحره إيقاعه الشجي، ونعست أنامله على أوتاره وهو طفل صغير. وبدأ في سن الحادية عشرة يشاكسه ويتلمس أسراره بشكل عملي على «عود» أهداه له والده بمناسبة عيد ميلاده، تشجيعا له على ولعه بالموسيقى. وبعد سنوات كبر فضاء الهواية، وتحولت إلى الاحتراف، فحصل العازف الصغير محمد أبو ذكري في سن الخامسة عشرة على لقب «أصغر أستاذ عود» في «بيت العود العربي».

ولم يكتف محمد بهذا الإنجاز، بل ذهب إلى فرنسا لدراسة تاريخ الموسيقى في جامعة ليون، والمشاركة في المهرجانات العالمية ممثلا مصر، فكان المصري الوحيد المشارك في مهرجان الموسيقى بالمعهد العربي في باريس الذي أقيم مؤخرا.

من مدينة ليون الفرنسية، حيث يقيم محمد حاليا للدراسة، يروي لنا حكاية عشقه لآلة العود قائلا «كنت في قمة السعادة عندما نلت لقب (أصغر أستاذ في بيت العود العربي)، إلا أنني أدركت بعد ذلك أن الصغير يكبر، وكل شيء يتغير، وكل ما يبقى في النهاية هو الموسيقى».

ويذكر محمد أن الفضل في ولعه بالعود يرجع إلى عمه، الذي كان هاويا من هواة العود.. «فكان يعزف في اجتماعات العائلة ببيت جدي، ويومذاك كان عمري 10 سنوات. وبعد ذلك طلبت من والدي أن يشتري لي عودا لكي أتعلم العزف على هذه الآلة التي أصبحت عاشقا لصوتها. وبالفعل اشترى لي والدي العود هدية في عيد ميلادي الحادي عشر، ومنذ تلك اللحظة بدأت أتعلم العود بشكل أكاديمي على يد أستاذ من معهد الموسيقى العربية. واستمررت في تعلم مبادئ الآلة لعدة أشهر حتى رأيت الأستاذ نصير شمة في إحدى الفضائيات وانبهرت بطريقة عزفه، ودهشت أكثر برقي موسيقاه التي جعلتني لا أحلم غير أن أصبح طالبا يدرس على يديه ويتعلم منه فن العود».

ويتابع محمد «في التوقيت نفسه علمت بمشروع (بيت العود العربي) الذي أسسه الأستاذ نصير شمة في القاهرة.. وفي هذا البيت الجميل الثري الموجود خلف الجامع الأزهر في حي الحسين، أمضيت أجمل أيام طفولتي وشبابي. وكان ذهابي لأقدّم نفسي من أجل الدراسة فيه مفاجأة من أبي الذي أخذني ذات يوم وقال لي إن هناك حفل عود للفنان حازم شاهين. وعندما ذهبت رأيت أن الحفل كان في مسرح (بيت العود العربي)، وذهلت بحفل الأستاذ حازم شاهين - قائد فرقة (إسكندريلا) وفرقة (مسار) في القاهرة - الذي كان أيضا من خريجي (بيت العود العربي)، وكان مدرّسي المباشر هو والأستاذ نهاد السيد، وهو حاليا في سويسرا. وكان كل ذلك تحت إشراف الأستاذ نصير شمة، وأكاد أجزم أنني حتى الآن أتعلم منهم جميعا».

يشعر محمد بالامتنان في كل هذا لوالديه، حيث يقول «دور والدي ووالدتي كان من أهم العوامل التي جعلتني أجد نفسي في الموسيقى وأشعر بالنجاح والثقة في نفسي. لقد دعماني أيضا في الاستقلال والدراسة بالخارج. فعلى الرغم من شعوري بالضغط النفسي للغربة في الأشهر الأولى فإنهما دائما كانا يشجعانني، حتى عندما كنت أتعرض للضغوط في ظل انشغالي عن الدراسة وسفري الكثير الذي تعارض ذات مرة مع امتحانات الثانوية العامة.. لكنني اجتزتها بتفوق بفضل وقوفهما بجانبي».

ويتذكر محمد أسعد وأصعب لحظات حياته عندما عزف في أول حفلاته خلف قدوته وأستاذه نصير شمة على مسرح واحد في أوركسترا «بيت العود العربي»، أما اليوم الذي لا يمكن أن ينساه فيوم حفل تخرجه عام 2007 بامتياز وحصوله على لقب «أصغر أستاذ مصري» في «بيت العود العربي».

ويستطرد «بعد سفري إلى فرنسا أقمت أول حفل لفرقتي بعنوان (محمد أبو ذكري وحجازي في فرنسا)، وهي الفرقة التي سأطلق معها ألبومي الأول منتصف العام المقبل، وأتمنى أن أتمكن من توزيعه في مصر بلدي الأم. ومن أهم الحفلات أيضا مشاركتي كمصري في مهرجان معهد العالم العربي بباريس. ومن أهم المقطوعات التي عزفتها في المسابقة وحظيت بإعجاب الحاضرين، وبخاصة لجنة التحكيم التي تكونت من الموسيقار هاني مهنا وعازف الكمان سعد محمد، مقطوعة خاصة من تأليفي، ولحن (توتة) للفنان فريد الأطرش، بالإضافة إلى بعض موسيقى نصير شمة. كذلك شاركت أثناء دراستي في (بيت العود العربي) في عدد من المهرجانات العربية والدولية، في قرطاج وأبوظبي وقطر، بالإضافة لتقديمي عدة حفلات في ساقية الصاوي والمركز الثقافي الفرنسي وغيرهما من المراكز الثقافية الأجنبية في مصر».

ويلفت محمد إلى أن كونه مدرسا ومعيدا في «بيت العود العربي» منحه ثقة كبيرة جعلته على قدر كبير من المسؤولية التي تعطيه دائما دفعة للأمام، لذلك بذل مجهودا ضخما لتحقيق المركز الأول في المسابقة الدولية للعود لأنه يستحيل أن يكون أستاذا فاشلا.

محمد أستاذ العود الشاب لا يزيد عمره على 19 سنة، وكما سبق، يدرس حاليا تاريخ الموسيقى بجامعة ليون الفرنسية. وهو يوضح سبب اختياره فرنسا للدراسة قائلا «رأيت أن التحاقي بالدراسة في معهد الموسيقى العربية لن يضيف إلي جديدا في عالم العود، خاصة أنني بالفعل درست على يد أساتذة من المعهد، واخترت فرنسا لأنها بلد العلم، وتحملت ضغوط الغربة والسفر خلال الأشهر الأولى.. وما زلت أتذكر ارتعاش رجلي في أول حفلاتي الذي كان مقدمة لسعادة وثقة بعد إعجاب الناس بعزفي. وأذكر أنني أصبت لفترة بالإحباط بعد سفري إلى فرنسا وابتعادي عن الحفلات لمدة شهرين، وعندها ذهبت إلى إحدى المكتبات المواجهة للجامعة في ليون، وعرضت عليم إقامة حفل مجاني، وافقوا بالفعل، وكان الإقبال كبيرا، فاندفعت في عزف ألحاني، مما كان له أثر طيب في نفس الحضور، وبالتالي استعدت ثقتي بنفسي».

أما أمنية محمد الدائمة فتتلخص في أن يكون دائما «صادقا في موسيقاه»، في «زمن انعدم فيه الفن الأصيل»، على حد قوله.. وأن يستمر بدافع من هذا الصدق في توصيل رسالته الموسيقية عبر بعض النوتات البسيطة التي يؤلفها.