«حرب الشيشة» تشتعل على مقاهي الإسكندرية

غرامات باهظة و«ناضورجية» للإفلات من قبضة الشرطة

أصحاب المقاهي لم يستسلموا بعد لما أطلقوا عليه «حرب الشيشة»، بل بدأ كثيرون منهم يتفننون في اعتماد حيل وطرق تمويه للإفلات من حملات الشرطة («الشرق الأوسط»)
TT

بعدما انطفأت نيرانها في العاصمة المصرية القاهرة، اشتعلت مجددا «حرب الشيشة» (النارجيلة أو الأركيلة/الأرجيلة) في الإسكندرية، وذلك على أثر قرارات صارمة أصدرها محافظها اللواء عادل لبيب، «عكننت» مزاج المدخنين وأصابتهم في مقتل.

القرارات تمنع تقديم «الشيشة» في المقاهي والكافيتريات، وتفرض عقوبات مشددة على أصحابها تصل إلى 30 ألف جنيه للمقهى وألف جنيه للزبون المدخن، وذلك حرصا على مبادرة «الإسكندرية خالية من التدخين». وتشن السلطات حملات مكثفة على مختلف مقاهي المدينة، طالت حتى الآن أكثر من ألف مقهى، صودرت خلالها عشرات الآلاف من «الأراجيل» وحررت المحاضر بحق المدخنين وأصحاب المقاهي، كما أغلق عدد كبير من المقاهي وشُمعت بالشمع الأحمر، منها مقهى «المحروسة» الشهير و«الكوزموبوليتان» بوسط المدينة بعد تكرار المخالفة.

إلا أن أصحاب المقاهي لم يستسلموا بعد لما أطلقوا عليه «حرب الشيشة»، بل بدأ كثيرون منهم يتفننون في اعتماد حيل وطرق تمويه للإفلات من حملات الشرطة. وكشف أحد أصحاب المقاهي الكبرى لـ«الشرق الأوسط» أنه وظف أكثر من أربعة أفراد للمقاهي الكبرى، واثنين على الأقل للمقاهي الصغرى للعمل في وظيفة «الناضورجي» لمراقبة الطريق، حيث يتخذ كل منهم موقعا في الشوارع المحيطة بالمقهى. وعند مشاهدة سيارة الشرطة آتية، يبادر إلى الاتصال بالمقهى عبر الهاتف الجوال لتحذير صاحبه، الذي بدوره يجمع «الأراجيل» فورا ويخفيها بأحد المخازن المعدة سلفا قرب المقهى.

ومن المواقف الطريفة التي وقعت مؤخرا في منطقة الأزاريطة، بوسط المدينة، إيقاف أحد «الناضورجية» بمقهى «الصعيدي»، الذي يرتاده خاصة «الصعايدة» من جنوب مصر، لسيارة أحد زبائن المقهى بمنتصف الطريق بشارع يؤدي إلى المقهى لعرقلة تقدم الشرطة إلى المقهى لمدة عشر دقائق بحجة وجود عطب بمحركها. وتظاهر «الناضورجي» بأنه ميكانيكي وأنه يحاول إصلاح العطب، وبذا تمكن العاملون بالمقهى في هذه الأثناء من إخفاء جميع «الأراجيل» في المخزن. لكن العمال أغلقوا المخزن وبداخله عامل مستجد بالعمل. وعندها أخذ الأخير يصرخ ويستغيث.. فسمعه ضباط الشرطة، وطلبوا من صاحب المقهى فتح المخزن ليجدوا مئات «الأراجيل» التي صودرت فورا.

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» بين بعض أشهر مقاهي الإسكندرية لاستطلاع رأي مرتاديها والعاملين بها حول هذا القرار ولعبة «القط والفأر» الدائرة حاليا بين السلطات وأصحاب المقاهي.

ففي مقهى «التجارية» أحد أكبر مقاهي المثقفين بمنطقة محطة الرمل (وسط الإسكندرية)، قال الباحث الاقتصادي علاء حسب الله: «أنا ضد قرار منع تدخين الشيشة (الأرجيلة) بالمقاهي، وأرى أنه قرار ضد الحريات الشخصية ويهدد حركة السياحة بالإسكندرية!». وتابع غاضبا: «أنا كنت أدخن الشيشة والآن فرض عليّ أن أمتنع على غير رغبتي، كما لو أن المخاطبين بالقرار غير راشدين».. وأضاف: «لقد جئت لتوي من لندن، هذه المدينة المتحضرة، وبالتحديد في شارع إدجوير رود، وهو مليء بالمقاهي التي تقدم الشيشة.. فهل انتهينا من جميع مشكلاتنا بالإسكندرية؟ وهل لم يتبق لنا سوى منع الشيشة التي تمثل المتعة الوحيدة لعدد كبير من السكندريين.. وهل نحن متقدمون بيئيا عن لندن مثلا؟».

أما سمير عبد الله، مدير مقهى «التجارية»، فقال: «ها أنت الآن ترى أن المقاهي أصبحت خاوية على عروشها، بعدما كانت تضيق بمرتاديها، وذلك بسبب قرار منع تقديم الشيشة». وتابع قائلا: «معظم مرتادي المقاهي ينزلون من منازلهم من أجل الشيشة، لأن المشروبات كالشاي والقهوة من السهل تناولها في المنزل، أما الشيشة فلا تقدم عادة إلا في المقاهي، كما أن الزبون يرتاد مقهى بعينه، لأن الأمر به صنعة ونكهة تختلف من مقهى لآخر. أما الآن فالزبون قد آثر الجلوس في منزله ليشرب الشاي والقهوة من يد زوجته.. فالشيشة كانت الفيصل في اتخاذه قرار مغادرة المنزل». ثم قال: «لقد أضر هذا القرار بالمقاهي وخفض دخلها بنسب غير مسبوقة.. انظر هنا، لا يوجد في المقهى أكثر من عشرة زبائن، على أحسن تقدير، بينما كنا من قبل لا نجد مقاعد للزبائن من كثرة العدد».

وبعكس الرأي السابق يقول المهندس أحمد سعد، أحد مرتادي مقهى «الوطنية» بوسط المدينة: «أنا مؤيد لقرار منع تقديم الشيشة من الناحية الصحية، فقد كنت أعاني في السابق من التدخين السلبي لأنني غير مدخن في الأساس. وأعتقد أن المقاهي ستكتسب نوعيات جديدة من الزبائن في ظل هذا القرار من غير المدخنين.. لقد أصبح بمقدور العائلات الآن، وبشكل جماعي، ارتياد المقاهي دون خشية التأثر بدخان الشيشة وإضراره بهم أو بأطفالهم».

وفي مقهى «الكريستال»، بكورنيش الإسكندرية، وجدنا سائق تاكسي أوقف سيارته أمام المقهى ودلف منها ليجلس على أحد مقاعد المقهى الخارجية المواجهة للبحر ليسأل النادل عن الشيشة. فأجابه: «خلاص بقى كان زمان!». وعندما سألناه عن رأيه في قرار منع تقديم الشيشة قال السائق، واسمه محمد علي: «لن أقول سوى أن هذا القرار مؤامرة على مزاج الشعب من الحكومة»! وأما محمود عبد السلام، موظف بالمعاش ومن رواد مقهى «الكريستال»، فلفت إلى أن قرار منع تقديم الشيشة طبق بصرامة وبشكل مكثف على المقاهي الشهيرة بوسط المدينة، في حين ما زالت عشرات المقاهي في المناطق النائية والشوارع الجانبية تقدم الشيشة لزبائنها وإن كان بأسعار مرتفعة.. وتابع: «عجيب أمر هذه الدنيا، فقد باتت الآن المقاهي الصغرى هي التي تعج بالزبائن، لأن حملات المحليات والشرطة لم تتمكن من الوصول إليها بعد، في حين عزف الناس عن ارتياد المقاهي الكبرى والأكثر شهرة، لأن عين الحكومة مفتحة عليها».

أما اللواء عادل لبيب، صاحب القرار ومحافظ الإسكندرية، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا تراجع نهائيا عن قرار منع تقديم الشيشة بمقاهي المدينة، لأنه يأتي في إطار مبادرة اتخذتها المحافظة مع وزارة الصحة المصرية بإعلان المدينة خالية من التدخين تماما». وأشار لبيب إلى أن «المحافظة كانت قد أمهلت أصحاب المقاهي خمسة أشهر كاملة قبل تنفيذ القرار»، وهي مدة قال «إنها كافية تماما للتأقلم على الالتزام به». وأكد لبيب أن الفترة المقبلة ستشهد تفعيلا جديدا في إطار قرارات منع التدخين، تنفيذا لمبادرة إعلان المدينة خالية من التدخين، مشيرا إلى أن تدخين السجائر سيمنع في الشوارع والمصالح الحكومية والأماكن العامة والمواصلات... وبصورة تدريجية.

يذكر أن الإسكندرية الساحلية تضم ما لا يقل عن 6 آلاف مقهى، بالإضافة إلى مقاهي وسط المدينة التي يرتادها المثقفون السكندريون، وهي تعتمد، بحسب حسين السيد، مدير مقهى «الفنانين» بكامب شيزار، في 70 في المائة من دخلها، على تقديم الشيشة بأنواعها ونكهاتها المختلفة والمميزة.