«الهندي الأملس» يهدد مكانة بقية الفواكه في تونس

يقام له مهرجان سنوي

«الهندي الأملس».. فاكهة رائجة في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

خلال فترة وجيزة تمكن إنتاج «الهندي الأملس» (التين الشوكي - أو الصبير - الأملس) في منطقة بوعرقوب، الواقعة على بعد 50 كلم من العاصمة التونسية تونس، من فتح منافسة كبيرة مع بقية الفواكه الصيفية والخريفية، وبات الطلب على هذه النوعية من «الهندي» أكثر من واضح من قبل المارة في شوارع تونس العاصمة. ولم تفلح بقية الفواكه، على غرار العنب والرمان والسفرجل والتمور على وجه الخصوص - باعتبارها من الفواكه التي تتوافق مع «الهندي» في عمليات النضج - في الوقوف وقفة الند للند أمام «الهندي الأملس» الذي لم يكن له وجود يذكر خلال السنوات الماضية.

هذا، وانطلقت عمليات المنافسة الحادة عندما بدأ تلقيم - أو تطعيم - غراسات «الهندي» وتغيير نوعيتها من تقليدية ذات أشواك حادة ومزعجة إلى ثمر أملس لا أشواك فيه البتة. ثم إن ألوانه المتعددة الجميلة، المائلة في معظم الحالات إلى اللون البنفسجي، ضاعفت من الطلب على هذه النوعية بالذات من الفاكهة التي تكاد تذوب في الأفواه من حلاوة المذاق وطيبه.

وبطبيعة الحال، لم يستطع «الهندي الشوكي» العادي الصمود أمام زحف «الهندي الأملس»، بل إن كثيرين من الزبائن الذين اعتادوا على استهلاك «الهندي» العادي خلال فصل الصيف بعد شرائه من باعة اتخذوا من أركان العاصمة التونسية أماكن نقالة للبيع، صرفوا أنظارهم عنه وحولوها إلى النوعية الملساء، فطوى النسيان «الشوكي» وازدهر سوق «الأملس».

ثم إن بعض التونسيين باتوا يصفون «الهندي الأملس» بـ«الهندي السياحي» الموجه، بالخصوص، إلى من يتمتعون بقدرات مادية تمكنهم من شراء الثمرة الواحدة من «الهندي الأملس» بدينار تونسي (الدولار الأميركي الواحد يساوي قرابة 1.4 دينار تونسي)، في حين أن ما يطلق عليه التونسيون اسم «الهندي المحلي» يباع بالسطل الكامل، والسطل الذي قد يستوعب نحو 25 ثمرة وتباع محتوياته بدينار تونسي ونصف فقط. وهو ما يجعل الفارق بين النوعيتين من «الهندي» شاسعا، بحيث ما عادت المقارنة بينهما جائزة.

حاليا، تقدر جملة المساحات المخصصة لـ«الهندي الأملس» في مناطق بني وائل وبرج حفيظ من منطقة بوعرقوب، التي اشتهرت بهذه النوعية من «الهندي» بنحو 400 هكتار تؤمن قرابة 3200 طن من الثمار، وذلك من مجموع إنتاج تونس المقدر بنحو 3800 طن. وتستقطب الأسواق الخارجية نصيبا مهما من هذا الإنتاج، وتأتي في مقدمة البلدان المستوردة لـ«الهندي الأملس» التونسي دول الخليج العربي وليبيا وفرنسا. واليوم، ينافس «الهندي الأملس» أصنافا كثيرة من الفواكه يأتي الرمان على رأس قائمتها، ذلك أن الحاجة الأكيدة لتقشير الرمان وما تتطلبه من مجهود إضافي للاستهلاك، جعلت بعض المستهلكين يتجهون نحو الهندي الأملس اليسير الاستهلاك. ثم إن الزيادة الملحوظة على مستوى أسعار الرمان من نوع «القابسي» الشهير في تونس، وارتفاع هذه الأسعار إلى حدود الدينارين التونسيين لثلاث ثمرات منه على الأكثر أغرت المستهلك بالتوجه نحو الإقبال على شراء «الهندي».

أيضا، ارتفاع أسعار العنب في ذروة إنتاجه ووصول سعر الكيلوغرام الواحد إلى حدود الثلاثة دنانير تونسية (قرابة دولارين أميركيين) جعل عائلات تونسية كثيرة تبدأ الموسم الصيفي مع «الهندي الشوكي» التقليدي وتنهي الموسم مع «الهندي الأملس».. بالطبع إذا كانت لديها القدرة المالية على شرائه.

أما في ما يخص التمور، فيباع الكيلوغرام الواحد من التمور الجيدة في تونس اليوم بنحو أربعة دنانير ونصف تونسية (قرابة 3 دولارات أميركية) وهذا سعر ما عاد بمتناول المستهلك التونسي العادي الذي يعتبره مرتفعا بالمقارنة مع أسعار بقية الفواكه، وبالتالي يتحول عنه أيضا باتجاه «الهندي» وألوانه الأخرى.

على صعيد ثان، تعتمد غراسات «الهندي الأملس» في المنطقة على تقنيات متطورة على غرار الري بطريقة «قطرة - قطرة» والمداواة والتسميد والتقليم وغيرها من التقنيات التي تتطلبها هذه النوعية من الفلاحة العصرية، وهي لا تقل أهمية - حسب المختصين – عن ما تلجأ بعض البلدان المنافسة الأخرى المنتجة لـ«الهندي الأملس» إليه من تقنيات، وبالذات إيطاليا والمكسيك وتشيلي وإسبانيا وجنوب أفريقيا، التي تعد من بين أهم الدول المنتجة لهذه الفاكهة على مستوى العالم. وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع عماد التايب، مدير مهرجان «الهندي الأملس» ببوعرقوب في دورته الثانية، التي انطلقت يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي ويختتم في نهاية الأسبوع، قال التايب إن «المنتجين البالغ عددهم في الوقت الحاضر 800 فلاح (مزارع) يشكون من ضعف الإنتاج الذي لا يصل إلى حدود خمسة أطنان في الهكتار الواحد. كذلك يشكو هؤلاء من صغر المساحات المخصصة لغراسة «الهندي الأملس»؛ إذ إن معدل المساحة للفلاح الواحد لا تزيد عن هكتارين، وهو ما جعل بعض فلاحي الكروم (العنب) يهجرونها إلى «الهندي الأملس» باعتبار أن المردود السنوي للهكتار الواحد من الكروم لا يزيد على 1200 دينار تونسي، في حين أن الهكتار الواحد من «الهندي الأملس» قد يضمن للفلاح مبلغا يتجاوز الثمانية آلاف دينار تونسي، وهو ما جعل المنافسة غير متكافئة من هذه الناحية».

أما محمود زروقة، وهو بائع «هندي أملس» في العاصمة التونسية، فقال إن «الإقبال على هذه النوعية من الفواكه ارتفع بصفة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، ولم يعد المستهلك يبالي كثيرا بالأسعار.. خاصة إذا ما اطلع على حقيقة المذاق المميز لـ(الهندي الأملس)»، وتابع زروقة قوله إن «الإنتاج يأتي للتجار من سوق الجملة للخضار والفواكه الواقعة بضواحي العاصمة، فنشتريه حسب الصندوق الذي يقدر وزنه بما بين 25 و30 كلغ ثم نبيعه حبة - حبة للمارة الذين تجذبهم ألوانه قبل أسعاره». وأردف: «النساء، بصفة خاصة، تجذبهن الألوان المميزة لثمار (الهندي الأملس).. إذ نجد اليوم له ألوانا متنوعة من قبيل الأصفر والأخضر، ولكن الأبرز هو البنفسجي»، و«هذه - قالها مازحا - ألوان لا تبتعد كثيرا عن الموضة».

بقي أن نشير إلى أن المساحات المعتمدة على الري بطريقة «قطرة - قطرة» قد تطورت من 50 هكتارا عام 2004 إلى 350 هكتارا في الوقت الحاضر. وتقدر المساحات المخصصة لزراعة «الهندي» على المستوى الوطني بحدود 5500 هكتار، وتأتي منطقتا تالة الواقعة في ولاية (محافظة) القصرين بالوسط الغربي التونسي والقيروان (160 كلم عن العاصمة التونسية) في المرتبة الأولى.