فلسطيني يحول الأطباق اللاقطة إلى طباخات شمسية

قال لـ«الشرق الأوسط»: شكرا للحصار والفقر.. فعلا الحاجة أم الاختراع

زرع حماد في قلب الطبق 1200 مرآة كروية تنتج ما يعادل 3 كيلوواط حرارة («الشرق الأوسط»)
TT

يتكدر مزاج حسن حماد كلما حجبت الغيوم في كبد السماء ضوء الشمس الساطع عن معمله الصغير في بيت لحم، فهذا يعرقل كثيرا من المشاريع والابتكارات التي ينكب على إنجازها منذ ساعات الصباح الأولى وحتى مغيب الشمس.

ويوميا، يحاول حماد، الذي يعمل مدربا في معهد قلنديا التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين لأنظمة الحقن والاشتعال الإلكتروني، أن يستفيد من كل دقيقة شمس. يسعى لتسخير هذه الطاقة الطبيعية في خدمة الفقراء كما يقول، وقد نجح قبل ذلك في إضاءة بيوت لفقراء عبر الطاقة الشمسية بأقل تكاليف ممكنة، أما اليوم فإنه صنع طباخا شمسيا من لا شيء.

زرته بينما كان يحرك طبقا لاقطا زرعه بعواكس (قطع مرايا) صغيرة مهمتها رد أشعة الشمس الساقطة على الطبق وتركيزها في مساحة محدودة أعلى الطبق، وهذه المساحة التي تتلقى كل هذه الحرارة الرهيبة هي في الحقيقة مثل «رأس (منصب) غاز» يوضع فوقها طناجر الطبخ أو أباريق الشاي والقهوة أو عجين الخبز.

ونضجت الفكرة عند حماد عندما شاهد مرة تقريرا تلفزيونيا عن نقص الوقود في قطاع غزة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أشاهد تقريرا يسلط الضوء على معاناة الناس في قطاع غزة بسبب قلة الوقود.. تحدثت النساء عن معاناتهن بسبب ذلك. جاءت واحدة وقالت إنها لم تطبخ منذ فترة وشرحت كيف ينام أولادها من دون طعام، وقالت أخرى إنها تجمع الحطب لتوقد النار. مشاهد كانت مؤثرة جدا، والأكثر تأثيرا أن الجميع يتفرج، لم يقدم أحد أي شيء أكثر من مناشدة إسرائيل بأن تسمح بإدخال الوقود، فقررت أن أقدم شيئا».

وأضاف: «فكرت كيف يمكن مساعدة المحاصرين ولماذا يجب أن نظل تابعين لإسرائيل، كيف يمكن أن نستقل بأدوات بسيطة؟ فقررت أن أصنع طباخا شمسيا.. قلت سأقدم شيئا للمحاصرين يساعدهم في حياتهم اليومية من دون الحاجة إلى الانتظار، من دون وقود، من دون استجداء إسرائيل، ومن دون بكاء».

وأردف: «هذا أيضا يساعد كل الفقراء أينما تواجدوا، هذا جزء من متطلبات الحياة اليومية ولا ينتظر اتفاقات سياسية».

كان حماد يتحدث وهو يقلب طعاما يطهوه على طباخه الشمسي، وقال: «بالإضافة إلى أن هذا الطباخ المتواضع يساعدك على الطبخ من دون تكاليف، فهو ينجز عمله أسرع من أي غاز آخر في العالم». ويباهي حماد بأن طباخه، غير المكلف والسريع، يستطيع إنتاج طاقة جديدة إذا لزم الأمر ويكرر التلوث.

أنجز طبخته، ووضع بعض العجين الذي سرعان ما تحول إلى خبز، وقال مبتهجا: «شكرا للحصار، فعلا الحاجة أم الاختراع». جلسنا لتناول بعض الطعام الذي أنجزته الطبيعة، كان مذاقه مختلفا، وقبلنا كان زاره أفارقة وأميركيون وألمان ويهود ليروا اختراعه الجديد، وجميعهم تذوق الطعام المختلف تحت أشعة الشمس. وبعض هؤلاء يتبعون جمعيات تعنى بالحد من التلوث البيئي وتعهدوا بتقديم دعم مالي لصناعة المزيد من هذه الأطباق التي تحولت من لاقطة إلى طباخات شمسية.

وزرع حماد في قلب الطبق 1200 مرآة كروية، وجميعها موجهة عبر الليزر لضبط وتوزيع الحرارة إلى نقطة واحدة، وجميعها تنتج ما يعادل 3 كيلوواط حرارة، كما قال حماد.

ويكلف الطباخ الواحد ما بين 350 إلى 500 دولار، حسب حجمه المطلوب، وقال حماد: «هذا يساعد على الحد من التلوث ويزيد الوعي البيئي ويقلل المصاريف».

ويفكر حماد في صناعة المزيد، ويدرس الفكرة جديا مع مهندسين بلا حدود، الذين اشتروا منه 3 طباخات لتوزيعها على فقراء وتجربة الفكرة.

ولا يقف طموح حماد عند هذا، لكن مشروعه الأكبر هو إنتاج طاقة بديلة في فلسطين. وقال حماد: «هناك 100 تجمع فلسطيني من دون كهرباء بسبب تقسيمات (أ) و(ب) و(ج)، فهل يبقى الناس من دون كهرباء؟».

ويستخدم حماد في إنتاج الطاقة البديلة، ألواح الطاقة الزجاجية، والتوربينات (المراوح)، وجرب قبل ذلك إضاءة عدة منازل. ويتذكر حماد كيف أنقذت هذه الفكرة عربيا يسكن قرب مستوطنة «جيلو» (جنوب القدس) الإسرائيلية. وقال: «طلبوا منه مبالغ طائلة من أجل وصل بيته بالكهرباء، كانوا يتحدثون عن ربع مليون شيكل (الدولار 3.60 شيكل) مع الترخيص، فقرر أن يلجأ إلى الطاقة البديلة».

وأضاف: «مددناه بالكهرباء عبر الطاقة البديلة، كلفه ذلك 20 ألف شيكل فقط، وما صنعناه ينتج 1000 واط كل ساعة، قادرة على تغطية ما مساحته 150 مترا، وهذا كله مع ضمانة 25 سنة». لكن حماد يريد ضوءا أخضر من الدولة لتوسيع هذا المشروع، وقال: «الدولة يجب أن تشجع إقامة محطات طاقة، هذا يحتاج إلى دراسات دقيقة وإحصائية، إن ذلك سيمكنهم من التخلص من تبعية الاحتلال في كثير من المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال».