دمشق: غسل السيارات أمام المنازل والمكاتب.. غدا مهنة من لا مهنة له

أدخلها إلى المدن السورية الكبيرة قبل خمس سنوات عمال عائدون من لبنان

منظف سيارات جوال يعمل في أحد شوارع دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

انتشرت خلال السنوات الخمس الماضية في عدد من المدن السورية الكبيرة، مثل دمشق وحلب وحمص واللاذقية، مهنة جديدة بين الشباب السوري الباحث عن عمل يدر عليه دخلا مقبولا... هي مهنة غسل السيارات أمام المنازل والمكاتب.

هذه «المهنة» كما يقول عماد حمود، أحد العاملين فيها منذ انطلاقتها، يزاولها اليوم أكثر من ألف شاب، «شعارهم» الموجه إلى أصحاب السيارات هو «نحن نأتي إليك ولا ضرورة لأن تأتي إلى مغسل السيارات وتعاني الانتظار... كما أن أجرنا أقل!».

دخلت مهنة منظف السيارات الجوال إلى سورية حديثا، وجلبها عدد من العمال السوريين الذين كانوا يعملون بها في لبنان، وغادروا بعد عام 2005. ومنذ ذلك الحين، نشروها في مختلف المدن الكبرى في البلاد، ونسج على منوالهم عدد كبير من الشبان العاطلين عن العمل، بعدما اكتشفوا أنها مربحة... وتلقى رواجا كبيرا بين الزبائن السوريين.

وفي لقائه لـ«الشرق الأوسط» قال عماد حمود: «هناك ثلاثة أسباب أساسية وراء الانتشار السريع وإقبال الزبائن علينا، هي: الأول، تزايد عدد مالكي السيارات من السوريين، إذ تضاعف العدد ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الماضية، ففي العاصمة دمشق وحدها هناك اليوم 400 ألف سيارة، والسبب الثاني، أنها تحقق خدمة مريحة لصاحب السيارة ومقابلا ماديا مغريا قياسا بما يدفعه لمغاسل السيارات، والسبب الثالث أنها مهنة من لا مهنة له... فهي لا تحتاج إلى دورات تدريبية كي يتقنها العامل بها ولا تحتاج لمستلزمات كثيرة وثمينة ولا لدكان وتبعاته من أجور مالية وضرائب وثمن مياه وكهرباء وخدمات... فكل ما يحتاج إليه من يعمل بهذه المهنة العضلات القوية وسطل (جردل) ماء مع صابون ومنظف سائل وقطعة من الجلد خاصة بتنظيف السيارات... بالإضافة إلى دراجة هوائية يركبها ويضع عليها المستلزمات ويتجول بها من منطقته إلى الحارات والأسواق والشوارع، حيث يوجد الزبائن من مالكي السيارات». ثم استدرك عماد فيضيف: «... طبعا، لا بد قبل أي شيء آخر من توافر الضمير الحي، والالتزام بالمواعيد، والأمانة. فنحن ننظف السيارة من الداخل بغياب صاحبها الذي يأتمنا عليها بعد أن يسلمنا مفاتيحها، وبالتالي علينا واجب المحافظة على موجوداتها وتحاشي العبث بها أو إتلافها».

وشرح نوري الخلف (33 سنة) لـ«الشرق الأوسط» كيفية مزاولة هذه «المهنة» الجديدة وأدبياتها، قائلا: «أنا أعمل بمهنة غسل السيارات أمام البيوت والمكاتب منذ سنة تقريبا، وصرنا أنا وزملائي معروفين عند كثيرين من الناس، الذين يشيرون إلينا ليتعاقدوا معنا على تنظيف سياراتهم من مجرد مشاهدتنا ونحن على (البسكليت) (الدراجة الهوائية) ومعنا سطل الماء... نتجول في الشوارع والأسواق». وأردف «من أدبيات مهنتنا، التي غدت لها قواعد وأعراف متفق عليها بين العاملين بها، هي أننا نتعاقد مع الزبون شفهيا... طبعا وليس كتابة»، ثم تابع متبسما: «لساننا هو الرابط لعقدنا وكلامنا عقد صادق مع الزبون. والعقد هو أن نتعهد بغسل سيارته المركونة أمام منزله أو مكتبه مرة في اليوم، أو ثلاث مرات في الأسبوع، حسب رغبة الزبون. ولكل خدمة تسعيرتها الخاصة... فإذا ما رغب في أن نغسلها ثلاث مرات في الأسبوع نأخذ منه أجرة شهرية هي 500 ليرة سورية (ما يعادل 10 دولارات أميركية) وهي لتنظيف السيارة من الخارج مع تلميعها بشكل جيد، ونزيد عليه مائة ليرة في حال رغب في أن تكون عملية التنظيف من الخارج والداخل. وفي حال فضل أن تكون الخدمة يوميا، فإن له عرضا مخفضا لتشجيعه على الغسل اليومي لأنه أفضل لنا من الناحية المادية، وإذ ذاك نأخذ من الزبون 800 ليرة سورية فقط... وليس ألف ليرة، على الرغم من أننا نغسل سيارته عدد مرات مضاعف عن خدمة الثلاث مرات في الأسبوع».

وأضاف نوري شارحا: «في مجال التعامل مع الزبون، فإن أهم شيء نحرص عليه الدقة في المواعيد. فحتى إذا اضطر أحدنا إلى التغيب عن المنطقة التي يعمل فيها لسبب ما أكان مرضا أو سفرا أو عملا اضطراريا... فإنه يكلف زميلا له تنظيف السيارات المتعاقد مع أصحابها، إضافة إلى ما يقوم به هو من عمل... وهكذا نعمل وفق مبدأ الخدمة المتبادلة... أو «دَيْن ووفا»، فقد يحتاج زميله أيضا لخدماته يوما ما، وبالتالي لن يقصر في أداء المهمة بدلا منه... تماما كما فعل هو معه».

أما على صعيد أصحاب السيارات، فالظاهر أن «المهنة» الجديدة حازت قبولا واسعا في أوساطهم. وقال أحدهم «أبو علاء» الجزائري (55 سنة) إنها وفرت عليه المال والجهد، إذ كان يضطر إلى أخذ سيارته مرتين في الأسبوع ولمسافة تبلغ نحو كيلومترين إلى أقرب مغسل جيد من منطقة سكنه. وهناك يضطر لأن ينتظر ساعة من الزمن، أحيانا، قبل أن يأتي «دور» غسيل سيارته، ثم هناك نصف ساعة أخرى من الانتظار حتى تنتهي عملية الغسل في المغسل. ولقاء كل هذا يدفع 150 ليرة.

وتابع «أبو علاء» معلقا: «هكذا، بعملية حسابية بسيطة كنت أدفع للمغسل كل شهر نحو 1200 ليرة تكلفة الذهاب إليه كثمن بنزين... في حين أنني أدفع حاليا نصف المبلغ فقط والسيارة لا تتحرك من أمام منزلي، بل منظف السيارة هو الذي يأتي إلي لتنظيفها. إنها خدمة رائعة وحضارية!».

ولكن إذا كان «أبو علاء» وأمثاله من مالكي السيارات ينظرون إلى هذه «المهنة» بإيجابية، وكذلك يفعل العاملون بها لما تدره عليهم من دخل، ولا سيما، أن الواحد منهم يتعاقد شهريا بمعدل وسطي مع 30 مالك سيارة، فإنها في طرف المعادلة الآخر لا تلقى الرضا أبدا.

المقصودون هنا هم أصحاب مغاسل السيارات.

بعض من سألناهم من أصحاب المغاسل قالوا إن تأثير منافسة المنظفين الجوالين ما زال محدودا... «ولكن من غير المعروف كيف سيكون عليه الحال في المستقبل القريب. فأعداد السيارات في المدن السورية تزداد باطراد، وكذالك الوافدون على هذه المهنة يزدادون يوما بعد يوم. ثم إن الشوارع المزدحمة بالسيارات خاصة في دمشق، قد تشجع أصحابها فعلا على التعاقد مع هؤلاء العمال».

إلا أن أصحاب مغاسل آخرين قالوا ما معناه إن التنظيف المتقن الذي تلقاه السيارة في المغسل من مراحل متعددة، ومن داخلها وخارجها، وبواسطة أدوات متطورة كالمكنسة الكهربائية ورشاشات المياه القوية، وسوائل التنظيف الفعالة، فضلا عن الأيدي الفنية التي تعمل بشكل متقن في المغسل وغير ذلك... ميزات لا تتوافر لدى المنظفين الجوالين. وبناء عليه، يرى هؤلاء أن زبون مغاسل السيارات الثابتة لن يتخلى عنها لصالح من يصفهم أصحاب المغاسل بـ«الدخلاء» على المهنة.