«المقروض» التونسي يدخل أوروبا من دون تأشيرة

صار له مهرجانه بمدينة القيروان

TT

مدينة القيروان التونسية العريقة، احتفلت بين يومي 28 و30 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بمهرجان ليس كأي مهرجان.

إنه المهرجان المكرس للاحتفال بـ«المقروض»، أحد أشهر أنواع الحلويات التونسية، التي أصابت في صنعها مدينة القيروان شهرة واسعة. وحرصت الدورة الثالثة من المهرجان، التي حملت شعار «المقروض موروث حضاري وآلية واعدة» على التعريف بأنواع «المقروض» القيرواني، وعرض مستلزمات صنعه، سواء منها الحديثة أو القديمة، والتعرف المباشر والدقيق بمراحلها، وكيفية تنظيم هذه الحرفة المميزة في مدينة القيروان، وتطورها.

في الواقع، «المقروض» القيرواني الذي أصبح خلال السنوات الماضية يوفر قرابة 1500 فرصة عمل، وبات بالتالي إحدى ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياحية في مدينة القيروان، تمكن من اكتساب عادات تسويقية جديدة، وبات يسافر إلى كثير من البلدان الأوروبية والآسيوية. بل إنه وصل إلى حدود كندا في أميركا الشمالية. ولقد ابتهج الحرفيون في القيروان كثيرا للتوجه الجديد الهادف إلى التعريف بإحدى أعرق الصناعات التقليدية التونسية.

الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن عدد محلات بيع «المقروض» في مدينة القيروان وحدها لا يقل عن 184 محلا، ينشط فيها قرابة 784 حرفيا. ويزداد عدد العمال في المدينة بنسبة 20 في المائة خلال المناسبات، وخاصة في المناسبات والأعياد الدينية، وعلى رأسها عيد الفطر السعيد. وحقا تمكنت هذه الصناعة التقليدية الغذائية من تعليب وتصدير ما تصل قيمته إلى مليوني دينار تونسي (نحو 1.4 مليون دولار أميركي) إلى مختلف الوجهات في كل أنحاء العالم، وهو ما يعد بفتح ما تبقى من الأبواب التسويقية المغلقة أمام «المقروض» القيرواني.

عن مهرجان «المقروض» قال حمادي الجوادي، مدير الدورة الثالثة، إن «المهرجان يسعى في الأساس إلى تطوير القطاع وإخراجه من عالم الممارسة الهامشية». وأضاف «إن أحدث مسح ميداني أكد وجود قرابة ألفي ممارس لصناعة المقروض في مدينة القيروان وحدها. ومن الأمور غير الواقعية وغير المنطقية ألا يخضع ممارسو هذه المهنة لاختبار مهني، وذلك للقضاء على ظاهرة الدخلاء الذين أفسدوا هذه الصناعة بقلة التزامهم بالمقادير المعروفة في هذه الحرفة التي تعتبر إحدى أهم الصناعات التقليدية بالقيروان إلى جانب صناعة الزربية (أي صناعة السجاد)».

وتابع الجوادي كلامه قائلا «إن ثمة سعيا دؤوبا لإدراج صناعة «المقروض» في باب الصناعات التقليدية الراجع بالنظر لوزارة التجارة والصناعات التقليدية، وذلك عوضا عن إدراجها الحالي في باب الصناعات وخضوعها، بالتالي، لرقابة وزارة الصناعة... وفرض ضرائب أعلى. إذ من الممكن النزول بالنسبة المئوية للضريبة على القيمة المضافة من 18 في المائة حاليا إلى 6 في المائة فحسب، وهو أمر سيطور القطاع ويوفر إمكانيات إضافية لفائدة القطاع سيكون متيسرا استثمارها وفتح آفاق جديدة أمام هذه الحرفة القيروانية الأعرق على الإطلاق».

ويؤكد الجوادي أيضا أن هذه المهنة «في حاجة أكيدة لوجود نقابة لصانعي المقروض، وذلك للدفاع عن مصالحهم، كما يعمل الناشطون في القطاع على بعث مجلس حرفي ينبثق عنه أمين لصناعة المقروض القيرواني، وهذا إلى جانب تسجيل صناعة المقروض وإصدار «علامة قيروانية تجارية» في الغرض تراعي معايير معروفة في مجال التصنيع، ومن هنا يمكن توفير مجموعة من منافذ البيع المعتمدة لبيع المقروض بالذات تكون ملتزمة تمام الالتزام بتلك المعايير».

أما الصحبي السقني، وهو أحد أكبر مصنعي «المقروض» القيرواني، فقد ركز على أهمية المهرجان في جانب النهوض بالقطاع «إذ خلال ثلاث سنوات من إطلاقه، تغيرت وضعية الحرفيين وأصبح المقروض القيرواني مطلوبا من كثير من الوجهات الخارجية». وأردف السقني قائلا «إن عددا من الأسواق الأوروبية أصبح يستقطب كميات كبيرة من المقروض القيرواني، ومن الأمثلة البارزة أنه يسافر اليوم إلى فرنسا وبلجيكا وألمانيا من دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة دخول - كما أكد على ذلك مازحا - بل إن التأشيرة الحقيقية هي السمعة الجيدة لهذا المنتج».

ثم استطرد «إننا نتلقى الآن طلبات من بعض المطاعم اليابانية، وكذلك من كندا، كما أن سوقا واعدة قد فتحت أمام المقروض القيرواني في بريطانيا. وهو ما يعني، في نهاية المطاف، أن أمام هذه الحرفة إمكانيات كبيرة للتطور، وخاصة، عندما تراعي الأذواق الجديدة وتسعى بكل الوسائل لتلبيتها».

واختتم السقني كلامه بالتأكيد، من ناحية أخرى، على التطورات الهائلة التي عرفتها صناعة المقروض... من ذلك أن بعض المؤسسات الكبرى انتدبت مهندسين متخصصين في الصناعات الغذائية لإجراء بحوث علمية أفرزت في نهاية المطاف تسويق ما سماه «مقروض لايت»، أي إنه خال تماما من السكر، وذلك مراعاة للطلبات الأوروبية في الغرض والتي لا تُقبل على المنتجات التي تنطوي على نسب عالية من السكريات، وذلك تفاديا للمضاعفات الصحية التي يمكن أن تخلفها.