تهاني العيد.. بين التكنولوجيا المتقدمة والوسائل التقليدية

مليارا رسالة إلكترونية تداولها السعوديون في العيد الماضي

تعد وسائل الإعلام الحديثة طريقة جديدة بالنسبة لتهاني المسلمين بالأعياد («الشرق الأوسط»)
TT

بينما يشرع المسلمون في شتى بقاع الأرض على تبادل التهاني بعيد الأضحى المبارك، كشف لـ«الشرق الأوسط» مسؤول في شركة للاتصالات في السعودية، عن رصد ملياري رسالة معايدة، تداولها السعوديون خلال العيد الماضي في خمسة أيام. وقال محمد الفرج، مدير الشؤون الإعلامية في شركة الاتصالات السعودية، إن الرصد يمثل يوم العيد، ويومين قبله ويومين بعده.

يأتي ذلك وسط تزايد في سبل إيصال التهنئة، تجديدا للمحبة والإخاء الاجتماعي التي تتسم بها المجتمعات الإسلامية والعربية وقت الأعياد.

وعلى الرغم من أن التقنية المتقدمة تمثل لدى البعض راحة ويسرا في تسجيل الحضور لدى الآخرين، فإنها، في المقابل، تمثل تراجعا في ما فضلت أخصائية اجتماعية تسميته بـ«القيمة المعنوية للعيد»، الذي يفضل المسلمون تسميته بـ«العيد الكبير»، واصفة الوسائل المتقدمة بـ«عديمة الطعم واللون والرائحة» لتهاني للعيد.

وتقول نعيمة العوفي، وهي أخصائية اجتماعية تعمل في جهة حكومية في الطائف (غرب السعودية): «كان العيد يلم الأحباب والأصحاب، مرسخا معاني جميلة، والأصل فيه التهنئة والزيارة الشخصية». وتضيف: «استمتعنا بدخول تقنية الهواتف الجوالة، ثم الرسائل النصية، ولم يستخدمها في البداية إلا الموجودون في مدن أو بلدان أخرى، وليس بالكم والكيف الحاصلين في الوقت الحالي.. ربما لو اقتصرنا على الهاتف كوسيلة بديلة معقولة، إذ يستمع الشخص مباشرة للحديث ويدعو ويبارك».

مقابل امتعاض الأخصائية الاجتماعية، يعتبر الشاب سلطان القنيعان، وهو متخصص يعمل في القطاع الصحي في مدينة جدة، وسائل التقنية الحديثة، «تغني عن الوسائل التقليدية». ويقول: «إن المعنى يكمن في التهنئة، سواء جاءت عبر زيارة أو عبر (الفيس بوك) (...) هي في النهاية تهنئة للعيد». يضيف القنيعان (29 عاما): «أسكن بعيدا عن عائلتي القاطنة شمال البلاد، الوسيلة الوحيدة للتهنئة هي الرسائل النصية ومتعددة الوسائط، إلى جانب رسائل الإيميل و(الفيس بوك) و(تويتر)، لن يغضب أحدهم لأنني لم أتحدث معه هاتفيا».

وتعد وسائل الإعلام الجديدة، طريقة جديدة بالنسبة لتهاني المسلمين بالأعياد، وقد لا يهتم بها سوى الشبان والفتيات المرحبين بـ«الإعلام الاجتماعي»، ويعتبرون وجودهم وتواصلهم داخل أروقته أمرا «جديا»، بعكس الطرف الآخر، الذي يرى أنه من الكماليات أو من باب «تسجيل الحضور» فقط. يأتي ذلك في وقت بينت فيه دراسة صدرت مؤخرا عن شركة علاقات عامة مقرها دبي، إن عدد مستخدمي «الفيس بوك» في العالم العربي يتجاوز 15 مليون شخص.

بدوره، يمزج مشعل المرزوقي، وهو طالب سعودي يدرس ماجستير إدارة الأعمال في جامعة جياو تونغ في بكين، بين الوسيلة التقليدية والعصرية، حيث يحرص على الاتصال بوالديه وإخوته وأفراد العائلة المقربين والأصدقاء، بينما يراسل زملاء الدراسة السابقين والأصدقاء الذين وصف علاقته بهم بـ«السطحية»، أو «غير الموطدة».

يقول المرزوقي (25 عاما): «تمثل التقنية الحديثة رابطا جديدا يساعدني في الحفاظ على جميع العلاقات التي تربطني بالآخرين بمختلف متانتها، وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن أستعيض عن سماع صوت والدتي في الهاتف وتلقي دعواتها ومباركتها، وكذلك والدي وإخوتي».

ويقول محمد الفرج، مدير الشؤون الإعلامية في شركة الاتصالات السعودية: «يُنظر إلى تقنيات الاتصالات حاليا على أنها أسلوب حياة أكثر من كونها خدمة تلبي احتياجات معينة، ويتزايد الإقبال على هذه التقنية أثناء المناسبات، نظرا لمرونتها في توصيل المعايدة في أي وقت، وأي مكان». ويلفت إلى استخدام واسع من قبل مستخدمي الهواتف الجوالة للمواقع الاجتماعية.

ويصف مراقبون، تنافس شركات الاتصال في السعودية بإغراء العملاء عبر تمكينهم بتصفح المواقع الاجتماعية دون مقابل، عاملا مترجما لاهتمام شرائح واسعة بهذا النوع من المواقع.

وباتجاه التقنية، ولكن في مجال الهواتف الذكية، يجد مستخدمو «بلاك بيري» فرصة لتبادل التهاني عبر برامج المحادثة الخاصة بالهاتف الذكي، ويمضون ثاني أعيادهم - في السعودية - منذ انطلاق الخدمة وانتشارها، «فهي تختصر وتؤدي الواجب»، كما يقول أحمد عبد المنعم، وهو شاب مصري يعمل في القطاع الخاص في مدينة جدة. ويضيف عبد المنعم (33 عاما): «كل أموري أنهيها عبر الهاتف، حتى والدتي أبعث إليها برسالة إلكترونية أكتبها في هاتفي، وألحقها بمقطع صوتي». وأضاف مازحا بلهجة مصرية: «بعدها، عداني العيب».

يشار إلى أن إحصائية سعودية قدرت، خلال الصيف الماضي، انخراط نحو 700 ألف مستخدم في السعودية في خدمة «البلاك بيري» التي تقدمها ثلاث شركات للاتصال.

إلى ذلك، لا تختلف العادات والتقاليد الخليجية والعربية عن نظيراتها في العالم الإسلامي، أو لدى الأقليات المسلمة في العالم، فها هي خولة بنت إبراهيم، وهي طالبة مغربية تدرس الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط، تصنف أجواء التهنئة لديها بحسب قرب الشخص والظروف المكانية المواتية للمناسبة، وتقول: «لا بد من الزيارة الشخصية، وإذا حالت الظروف، لا بد من الاتصال والتحدث». وتضيف خولة (20 عاما): «لا أفضل استخدام الرسائل النصية، وأشعر أنها لا توصل المشاعر للشخص العزيز».

وكتبت لـ«الشرق الأوسط» إلكترونيا، لميس صالح، وهي فتاة أميركية الجنسية تدرس الطب وتسكن في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، قائلة: «تبدأ طقوس التهاني لدينا بالاتصال بالأقارب من خلال الهاتف، خصوصا في ليلة العيد، التي توافق صباح العيد لدى الأقارب في السعودية ومصر، ونحرص على مهاتفة الجميع، نظرا لابتعادنا عنهم طوال فترة العيش في أميركا».

وتكمل الفتاة التي تبلغ من العمر 24 عاما: «بعيدا عن التقنية، لا تكتمل فرحة العيد والتهنئة إلا بالزيارات وقضاء الأوقات الممتعة في الأجواء الإسلامية الروحانية، التي نفتقدها في مدننا». وتستبعد استخدام «الفيس بوك» في التهنئة بالعيد، «باستثناء الأصدقاء الذين تعرفت إليهم عن طريق الشبكة العنكبوتية، سواء في برامج المحادثات أو المواقع الاجتماعية».