شيخ الجزارين بجنوب القاهرة: نحر الذبائح فن وذوق

«المعلم داش» يقول إنها ليست مهنة فقط

«شيخ الجزارين» في جنوب القاهرة أمام محله في منطقة السيدة زينب («الشرق الأوسط»)
TT

شخصية «الجزار» - أو اللحام أو القصاب، كما يعرف في مناطق مختلفة من العالم العربي - من أكثر الشخصيات حضورا في عيد الأضحى المبارك.

وفي مصر بالذات جرت العادة على أن يقبل المصريون على حجز «الجزار» قبل أيام عيد الأضحى بوقت طويل، وذلك لكي يخصص لهم جزءا من وقته خلال أيام العيد لذبح الأضحية. ويعد داش محمد أحمد عاشور، «شيخ الجزارين» بحي السيدة زينب جنوب القاهرة، من أشهر العاملين في هذه المهنة التي توارثها أبا عن جد في عائلته التي عملت بمهنة الجزارة منذ نحو مائة سنة.

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال داش: «إن الجزارة فن وذوق، وهي مهنة لا يمكن الاستهانة بها، ثم إن الجزار الماهر يعرف من سحبة سكينته على رقبة العجل أو الخروف». وأردف «وفي عائلتنا كان جدي الأكبر متعهدا في مجال توزيع اللحوم خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر، منذ أكثر من مائة سنة».

وأضاف داش، الذي يبلغ اليوم من العمر 68 سنة، خلال حواره، إن عائلته حرصت على ضرورة حصول أبنائها على شهادات جامعية، وأضاف أن أولاده يدرسون في مدارس فرنسية، مشيرا إلى أن «الجزار أصبح الآن يرتدي البدلة والقميص، ولم يعد يرتدي الجلباب الأبيض الملطخ بالدماء، كما اعتادت تصويره الأعمال الدرامية المصرية».

وتابع داش: «إن تعلم مهنة الجزارة يحتاج إلى وقت طويل، وليس لبضعة أسابيع فقط كما يحدث في الوقت الحالي، إذ يأتي شخص ما للعمل في الجزارة، وبعد شهرين يطلقون عليه لقب معلم. المفروض على الجزار أن يحب المهنة، ويفهم طريقة التعامل مع اللحوم وأنواعها، ويستطيع أن يفرق بين الجيد والسيئ، وأن يدرك من نظرة واحدة ما يحتاجه الزبون حقا». على حد تعبيره.

وعن لقب «شيخ الجزارين» الذي أطلق عليه، قال داش مبتسما: «إنه لقب لا يأتي من فراغ، ولكن من السمعة الطيبة، والقدرة على حل جميع مشاكل الجزارين داخل المدبح (السلخانة أو المسلخ) وخارجه، وكذلك متابعة حركات البيع والشراء». ومن ناحية أخرى، أبدى داش تعاطفا مع رجل الشارع البسيط «الذي ما عاد بمقدوره شراء اللحوم نظرا لارتفاع ثمنها»، وأردف معلقا: «عندما تكون اللحوم رخيصة السعر، تجد الفرحة على وجوه الناس، ولكن عندما ترتفع أسعارها... فإنك سرعان ما تجد الحسرة في عيونهم»، ومن ثم أكد أنه يحاول بشتى الطرق محاربة التجار الذين يتسببون في رفع الأسعار إبان فترات الأعياد والمناسبات العامة.

وعن المظاهر التي تسبق عيد الأضحى المبارك، أوضح «شيخ الجزارين» أن «الجميع في المدبح يعملون بشكل متواصل، ربما لأكثر من 16 ساعة في اليوم الواحد، خلال الأيام العشرة التي تسبق عيد الأضحى من كل عام. وينتهي هذا العمل مع غروب شمس يوم وقفة عرفات، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة صباح يوم العيد». وتابع «... أما عن عملي شخصيا، فإنني لم أعد أقوم بذبح الأضاحي بنفسي، لأنني أصبحت معلما، ويوجد تحت يدي اليوم أكثر من 12 جزارا شابا يتولون هذه المهمة تحت إشرافي».

وهنا انتقد داش ما وصفه بـ«تسلل بعض الدخلاء» إلى مهنة «الجزارة»، فقال: «هناك بعض الناس ممن يعملون في مهن مختلفة يظهرون في المواسم والمناسبات فقط، فيجوبون الشوارع والحارات، ويصيحون بأصواتهم: جزار نظيف. ويرتدون جلبابا أبيض ملطخا بالدماء، وكأنه مشهد من الفيلم المصري «بوحة» الذي منه جاءت هذه العبارة على لسان بطل الفيلم الممثل محمد سعد».

وأخيرا، سألنا المعلم داش أن يذكر لنا أحد المواقف الطريفة التي تعرض لها خلال حياته المهنية ولا سيما في الأعياد، ذكر أنه ذات يوم وجد «عجلا» قد سقط من على سطح أحد المباني، فبادر إلى ذبحه قبل أن يفارق الحياة، وذلك بعدما تعالت صيحات الناس للمطالبة بإنقاذه، وحدث ذلك قبل عيد الأضحى بيومين، و..«بالفعل قمت بذبحه، وأضاع علي أصحابه نيل ثواب الأضحية، لكن الخسارة لم تكن كبيرة».