بلال.. قصة مثيرة في مكافحة «الإيدز» ونشر التوعية به

لفت نشاطه الأمم المتحدة

TT

في حي شعبي مكتظ بالسكان، يقع في الضواحي الغربية للعاصمة التونسية تونس، كانت انطلاقة شاب تونسي مع «الصندوق العالمي للسكان». لقد تمكن هذا الشاب، واسمه بلال المزغوني، خلال فترة وجيزة من إقناع أكثر من 500 شاب تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة بالتوجه إلى مقرات الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري لإجراء الكشف المجاني عن الإصابة بالأمراض الجنسية، وخاصة مرض نقص المناعة المكتسب المعروف باسم «الإيدز».

بلال كان عاطلا عن العمل في تلك الفترة. إلا أنه قرر هجر عادة الجلوس في المقاهي وتوجه إلى أترابه وأبناء حيه، آخذا على عاتقه كـ«مثقف نظير» تطبيق خطة تثقيفية ذات شقين: الأول: البث في أوساط الشباب أهمية التوعية بمخاطر المرض. والثاني: أصول التعايش مع المصابين بالفيروس المسبب للمرض في أوساط اجتماعية ما زالت ترفض التكلم عنه أو حتى الإشارة إليه، وبالتالي، فهي غالبا ما تلجأ إلى عزل الفرد المصاب منها مما يضاعف من معاناته الاجتماعية، ولا سيما، إذا كانت الإصابة ناجمة عن وسائل أخرى غير الصلات الجنسية، كنقل الدم مثلا.

قصة بلال تبناها «الصندوق العالمي للسكان»، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وعرضها ضمن اللوحة السادسة المندرجة ضمن الهدف السادس من الأهداف الإنمائية للألفية التي رسمتها المنظمة الدولية منذ عام 2000، ووقعت عليها 189 دولة، على أمل تحقيقها بحلول عام 2015، وهي تهتم بمكافحة «الإيدز» والملاريا وغيرهما من الآفات الاجتماعية البالغ عددها ضمن الخطة 8 أهداف.

لقد اختار بلال المزغوني أداء وظيفة «المثقف النظير»، وخرج إلى أصدقائه في دوار هيشر بالعاصمة التونسية، المعروف بأحيائه الشعبية الممتدة، وراح يجوب الأزقة والمقاهي بعدما تلقى إعدادا تأهيليا في الغرض نظمته «شبكة المثقفين النظراء». وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يقول بلال: «سأحمل صورا من المعرض وكل ما يكتب عن هذا المعرض لأولاد الحومة (أصدقائه) عساهم ينجزون شيئا مماثلا وهذا هو الأهم». ثم يضيف: «لقد انتقلت من مجرد فتى يجوب الشوارع ويمضي وقته في الجلوس على كراسي المقاهي، إلى شخص يؤدي رسالة ما. إنها طبعا لرسالة قاسية وصعبة أن تتكلم في موضوع ما زالت العائلات التونسية ترتبك بمجرد سماعه، لكنني مع ذلك أقنعت كثيرين بإمكانية التكلم علنا في الموضوع وتوعية السليمين منهم كي لا يقعوا في المحظور».

ويتابع بلال كلامه مشيرا إلى أنه لعب دورا متعايشا مع فيروس «الإيدز» في مسرحية أثناء فترة الإعداد التأهيلي، وعقب عرض المسرحية طلبت منه والدته فصل ملابسه عن ملابس أخيه، كما أمره ركاب إحدى الحافلات بالنزول لأنهم لا يريدون أن يشاركهم الرحلة شخص يتعايش مع مرض «الإيدز». وهنا يقول بلال: «انحنيت إلى الأمام وبكيت، لكنني واصلت التعامل مع الأمر وتواصلت معي فصول التوعية لأترابي وأصدقائي، إلى أن تمكنت من إقناعهم بما أعرفه عن مكافحة (الإيدز)، ولكن لم تكن المسألة سهلة عند طرح موضوع محاصر بالكثير من مطبات العقلية الاجتماعية ويصنفه الجميع ضمن خانة المحظورات».

ثم يضيف: «لقد تمكنت في نهاية المطاف من إقناع مجموعة من شباب حينا من التوجه إلى المصالح الطبية وإجراء فحوص طبية مجانية وسرية للكشف عن الفيروس المسبب لـ(الإيدز)، وازداد عددنا طوال الرحلة، وبلغ في حينها 100 شاب حلوا بالمكان للاستماع لشهادة سيدة متعايشة مع المرض. في تلك المناسبة لم أعلمهم في البداية بإصابتها خوفا من أن يغادروا القاعة.. غير أن التجربة مرت بسهولة، واستوعب الشبان الوضعية، وصافحوا المتحدثة بحرارة وشكروها على المعلومات القيمة التي أمدتهم بها».

قصة بلال المزغوني، التي بلغ عمرها 4 سنوات أصبحت منذ شهر يوليو (تموز) الماضي قصة شهيرة، وذلك من خلال عرضها لأول مرة في مدينة فيينا النمساوية في معلقة تجوب العالم ضمن معرض فوتوغرافي يتبناه «الصندوق العالمي للسكان»، ومن المنتظر أن تجوب 7 دول عربية أخرى.

وعما أنجزه يقول بلال: «لم أتصور أن يصار إلى اختيار قصتي ضمن المعرض، وكل ما كنت أعرفه أنني دونت بكل صدق تفاصيل تجربتي، وكنت آمل المساهمة في الحد من انتشار فيروس (الإيدز) وتعزيز أمل الناس بحياة آمنة».

يبقى أن نشير إلى أن بلال لم يتجاوز تعليمه السنة الأولى من التعليم الثانوي، وهذا مستوى تعليمي أقل من ضعيف في تونس، كما أنه تلقى تكوينا مهنيا في مهنة النجارة ومارس رياضة رفع الأثقال لمدة 14 سنة، وهو يعمل الآن في وظيفة عون سلامة في إحدى المؤسسات الحكومية التونسية.