اللبنانيون في مجالسهم.. نكات و«قفشات» بدل السياسة و«التكشيرات»

أحدثها تناول أجهزة الرادار المنتشرة مؤخرا على الطرقات

TT

كما هو معروف في لبنان؛ إذا اجتمع اثنان فلا بد من أن يكون حديث السياسة ثالثهما. إلا أن ظاهرة تفشي النكات والطرائف عبر شاشات التلفزيون والصفحات الإلكترونية وفي جلسات الأصدقاء أحدثت تغييرا لدى اللبنانيين عامة لتحل عبارة «شو آخر نكتة سامعها؟» محل عبارة «شو.. في أخبار سياسية جديدة؟».

فاللبناني، الذي يأتي بين الشعوب الأكثر إدمانا على متابعة الأحداث السياسية، يبدو أنه مل التحليلات الطويلة والمتكررة منها، التي كانت تشكل مسك الختام لكل لقاء أو زيارة أو دعوة إلى مناسبة بما يكون فيها، وصار يفضل أن يمر عليها مرور الكرام، ويتوسع في رواية النكات التي تخفف من حدة التوتر والضغوط اليومية التي يعيشها.

ولعل تكثيف البرامج التلفزيونية المعتمدة على الطرفة، التي تغمز من قنوات السياسة وغيرها، ساهمت في تفشي هذه الظاهرة بسرعة، خاصة أنها تعرض على الشاشة الصغيرة يوميا أو أسبوعيا وبانتظام.

ويعتبر اللبنانيون الطرائف التي يتبادلونها في مجالسهم الخاصة بمثابة فسحة فكرية ينشطون بها ذاكرتهم وتفتح المجال أمامهم للتنافس على روايتها، لأن للطرفة رجالها وأربابها، ويجب أن يتمتع صاحبها بخفة دم ودماثة خلق. فكم من مرة سمعنا النكتة نفسها من شخصين مختلفين ضحكنا لأحدهما وبالكاد ابتسمنا للثاني.

وكان تلفزيون «OTV» الرائد في هذا المجال عندما بدأ في عرض برنامج خاص بالطرائف بعنوان «LOL» ومن ثم لحقت به باقي القنوات المحلية مثل «mtv» و«LBC» فكان برنامج بعنوان «الاهضم شي» على الأولى و«الكلمنجي» على الثانية.

واكتسبت الطرفة بعد ذلك حيزا لا يستهان به من قبل اللبنانيين، الأمر الذي دفع بأصحاب القنوات المحلية إلى تخصيص برامج تلفزيونية كوميدية يومية تعرض بعد نشرات الأخبار تتناول أحدث المجريات السياسية بقالب مضحك، وكذلك اسكتشات طريفة يتم خلالها تقليد شخصية معروفة؛ إنْ في المجال الإعلامي أو السياسي أو الفني. كبرنامج «قصاقيص أنتيكا» و«بلا مزح» و«أخبار ضدكم» على الـ«لا يمل» عبر الـ«future» و«شيN.N» عبر «الجديد».

ويقول المطرب نقولا نخلة سعادة إنه شخصيا يسعد بمتابعة هذا النوع من البرامج وأحيانا يدون طرفة أعجبته حتى يتمكن من تذكرها وروايتها في جلسة مع الأصدقاء. في حين نرى الممثلة رلى شامية التي تعتبر ركنا من أركان الكوميديا التلفزيونية في لبنان تحاول مشاهدة معظم هذه البرامج للوقوف على النجاح الذي يحققه بعضها، في حين تؤكد المذيعة ميراي مزرعاني أن برنامجها «أهضم شي» هو بالفعل الأهضم على الساحة التلفزيونية.

يذكر أن عودة النكات والطرائف بقوة على الساحة اللبنانية أزعجت بعض السياسيين الذين لم يترددوا في التقدم بدعاوى قضائية ضد تلك التي بالغت في انتقاده، في حين حذر بعضهم الآخر أصحاب هذه البرامج عبر اتصالات هاتفي أو إنذارات مكتوبة بتناول أخبارهم أو التطرق إلى شخصيتهم.

ويهتم بعض اللبنانيين ببرامج الطرائف إلى حد حفظها ظهرا عن قلب ليدونها في اليوم التالي لمن لم يحظ بمشاهدتها، في حين تنتقد شريحة منهم النكات التي تغمز من قناة الجنس؛ إذ يفضلون عليها تلك التي تتناول شخصيات طريفة مثل «أبو العبد وأم العبد» و«مهيبة» و«طانسة» و«مدام فوتيني وأرجيني».

ويستعين خبراء النكات وأربابها بالصفحات الإلكترونية عبر الإنترنت والمخصصة للطرائف التي تتناول الأسكوتلندي أو البلجيكي أو الحماصنة أو شخصيات بيروتية عريقة، فينتقون الأفضل منها بعد أن يترجموها أو يغيروا في جنسية أصحابها.

وفي حين كانت في الماضي النكتة «الخازنية» (نسبة لآل خازن) أو «الزحلاوية» (نسبة لمدينة زحلة البقاعية) أو «الحمصية» (نسبة لمدينة حمص السورية) هي الأكثر رواجا بين الطرائف الأخرى، فإنها اليوم بالكاد تذكر، وحلت مكانها نكات تتماشى مع عصر الانفتاح الذي نعيشه وتطل على مواضيع دقيقة كان في ما مضى يمنع التحدث عنها. وتساهم أجهزة الهواتف الجوالة في انتشار النكات أكثر فأكثر، بحيث ينتظر أصحابها كل جديد في هذا الموضوع من خلال اشتراكهم في خدمات خاصة تقدمها بعض المجموعات أو صفحات إلكترونية مقابل مبلغ بسيط هدفها رسم الابتسامة على ثغر اللبناني أينما كان وطيلة النهار متأتية على شكل رسالة «SMS» يقرأها كلما سنحت له الفرصة ويخبرها لمن بقربه؛ الأمر الذي ينسيه الضغوطات اليومية التي يعيشها ولو لثوان أو لحظات.

وتدرج العادة لدى بعض الشرائح اللبنانية على إقامة سهرات خاصة في منازلهم يدعون إليها الأصدقاء ويزينها أحد نجوم النكتة في لبنان مثل إيلي أيوب أو مارون نمنم أو جورج حريق، فيمضون ساعات طويلة وهم يضحكون فينسون مشكلاتهم والأخبار السياسية لفترة ولو قصيرة، الأمر الذي ينعكس عليهم إيجابا بقية أيام الأسبوع. ويؤكد إيلي أيوب الملقب بـ«ضاحك الليل» ويعمل في مجال المونولوج المسرحي منذ أكثر من عشرين عاما، أن النكتة اليوم توصف كحبة دواء اللبناني لتبعده عن القلق أو ألام الرأس، خاصة عن «التكشيرة» التي باتت تلازمه كخياله. ويضيف أنها حاليا تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام اللبناني عامة لأنه بأشد الحاجة إليها في زمن كثر فيه النقّ والمعاناة والطفر.

وما يقوله إيلي أيوب ترجم فعليا من خلال إعلانات ولافتات تجارية وزعت على الطرقات وحملت عبارات تحث على مشاهدة هذا البرنامج التلفزيوني الكوميدي أو ذاك لأنها تبعد الأمراض كتلك التي كتب عليها: مع «Pana L.O.L» تنام بهدوء..».

ويرمز هذا الإعلان إلى برنامج «L O L» الذي يعرض على شاشة «OTV» ويروي فيه مقدموه وضيوفه وعلى مدى ساعة كاملة الطرائف على أنواعها.

ولأن للطرائف مواسم في لبنان؛ فتزدهر في الآونة الأخيرة النكات التي يدور موضوعها حول أجهزة الرادارات التي وزعتها قوى الأمن الداخلي على الطرقات لضبط السرعة، وتناولت هذه الطرائف شكاوى المواطنين وردود وهمية من المصادر الأمنية يقول أحدها:

«سيدة أرسلت تستفسر كيف باستطاعة قوى الأمن مساعدتها خاصة أنها لا تبتسم أبدا وتظهر عابسة في صورها الفوتوغرافية وكذلك سيكون الأمر عند تجاوزها السرعة المحددة والتقاط صورة لها من قبل الرادار. فرد المصدر المختص: مدام؛ أرسلي لنا عنوان الطريق التي ستسلكينه عند ارتكاب المخالفة مع التاريخ ونحن بدورنا نرسل إليك شرطي سير ينتظرك أمام الرادار ويقول لك (Cheese)».

أما المواطن الذي سأل عن مصيره في حال سجل أعلى رقم قياسي في تجاوز السرعة وارتكاب المخالفات على رادار معين، فرد المصدر المسؤول عليه: «نسمي الرادار على اسمك إلى أن يأتي شخص آخر ويكسر رقمك القياسي».