سوريون يعيدون إحياء فن الخيط العربي التقليدي كديكور

يستخدمونه للمكاتب والمنازل والفنادق بدلا من ورق الجدران

الخيط العربي منذ انتشاره كزخرفة وفن استخدم على الخشب كما يمكن استخدامه على الرخام («الشرق الأوسط»)
TT

المتجول في الكثير من الأسواق والورش اليدوية والمهنية في المدن السورية سيشاهد عشرات الشباب السوريين منهمكين في العمل على قطع من الخشب أو الرخام وحتى على الزجاجيات يرسمون عليها بكثير من الصبر وطول البال والحرفية العالية زخارف وأشكال هندسية متنوعة يطلق عليها الخيط العربي. هؤلاء الشباب هم في ملتقى دائم، حيث قرروا خوض العمل الأصعب المعتمد على اليد والعقل والخيال بنفس الوقت. ومن هذه الأعمال تحضير ديكورات لمكاتب ومنازل وأماكن عامة بالاعتماد على التراث الشرقي وبشكل خاص على فن زخرفي يستخدم في الخط العربي، وكذلك الرسم اليدوي على الأواني الزجاجية لتضاف إلى ديكورات هذه الأماكن ولتتناغم مع أشكال الخيط العربي الهندسية.

ومن هؤلاء الشباب حمدي ريحاوي، (30 عاما)، والذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تعلمت حرفة الخيط العربي لدى حرفيين كبار في السن في سوق الحرف اليدوية (التكية السليمانية) بدمشق، وهذه الحرفة هي فن قائم بحد ذاته، حيث يعطي جماليات خاصة من خلال تقنيات نستخدمها».

وتتلخص هذه بأن يأتون بالخشب، وهي المادة الأولية الأساسية، ويزخرفونه مستخدمين الجبص والغراء، ومن ثم يمزجون المواد بالألوان الرئيسية، وبعد ذلك يحددون المستلزمات الجمالية للوحة وهي خطوط نافرة ذهبية، وبعدها تتم المرحلة النهائية للوحة وهي تجميلها وبخها بطبقة من اللكر لتظل محافظة على ألوانها وجمالياتها وزخارفها لأطول فترة زمنية ممكنة.

وحول سبب تسمية هذا النوع من الزخارف الفنية بالخيط العربي، يوضح حمدي قائلا: «سبب التسمية لأنه عبارة عن قضبان رفيعة تشبه الخيوط العادية وتكون متداخلة بعضها ببعض بحيث تعطي شكلا هندسيا جميلا بنماذج متنوعة، منها المعينات والمربعات والمستطيلات والمثمنات، واللوحات التي ننجزها تستخدم عادة في ديكورات المنازل والبيوت التقليدية والمطاعم ودور العبادة بحيث تعطي لهذه الأماكن منظرا جماليا تراثيا شرقيا».

والخيط العربي منذ انتشاره كزخرفة وفن استخدم على الخشب، ولكن من الممكن استخدامه على الرخام بأسلوب آخر وهو رسم أشكال هندسية تشبه الخيط العربي من حيث المبدأ مع اختلاف الأدوات المستخدمة في هذه الحالة.

وحول ما أضاف الجيل السوري الشاب إلى هذا النوع من الفن الزخرفي، قال حمدي: «هناك تطوير حصل به من خلال ابتكار أشكال ونماذج جديدة منه، حيث استخدم الجيل الشاب مخيلته وما يختزنه من أشكال في خياله ووضعها في هذه الأعمال، كذلك يمكن أن يحصل تطوير به من خلال استخدام ألوان جديدة لم تكن مستخدمة من قبل، مما يعطي العمل ميزة الإبهار البصري والجمال اللوني».

ويؤكد حمدي أنه والكثير من زملائه العاملين في هذا النوع من الفن الزخرفي يشاركون في معارض حرف يدوية داخل وخارج سورية، ومنها اشتراكه قبل عدة أشهر في معرض بالكويت عرض فيه ما أنجزه من أعمال. ولكن حاليا، يضيف حمدي، ومع وجود معاهد الرسم والفنون التطبيقية فصار الوضع أسهل لمن يريد خوض هذا العمل، لأنه من الضروري على الشاب هنا أن يجيد فنون وتقنيات الرسم المختلفة من الزيتي وحتى الحفر وغيرها. «وكذلك عليه أن يطلق العنان لخياله ولا يكون مستعجلا في العمل، فإنجاز لوحة واحدة قد يستغرق منه ساعات وساعات، حيث تحتاج في البداية لتخطيطها بقلم الرصاص ومن ثم المباشرة في تركيب الألوان وتهيئة المستلزمات والمواد، وبعد ذلك سينتج معه عملا إبداعيا غير تقليدي».

ويبرر حمدي إقبال الشباب على هذا العمل اليدوي بأن الكثير من الشباب السوريين يرغبون في العمل بأشياء مختلفة، فليس بالضرورة أن يعمل الجميع في التجارة والبيع والشراء أو في وظائف الدولة والقطاع الخاص وغيرها، ولذلك وجدوا في إحياء مثل هذه الأعمال مجالا جديدا لخوض تجاربهم وكذلك فهي تدر عليهم دخلا جيدا، كما وجدوا الإقبال الجيد من الناس على اقتناء مثل هذه الأعمال الفنية.

وبالفعل ولأهمية هذا النوع من الديكورات، فإنه بات مطلوبا من الكثيرين الباحثين عن فن مختلف وديكور مميز يبتعد عن الأشكال الجامدة والمستوردة. ولذلك، ازداد الطلب عليه في السنوات الخمس الماضية حتى من أصحاب الفعاليات والمكاتب العصرية، وهذا ما أكده سامر كسواني الذي يمتلك مكتبا عقاريا في أحد شوارع دمشق. وكما قال لـ«الشرق الأوسط»: «عندما قررت قبل عام تجديد ديكور مكتبي والذي كان يعتمد على ورق الجدران بمناظر طبيعية قررت استبدالها بالخشب مع الخط العربي، فهو فن تراثي جميل جذاب ورشيق ويريحني كثيرا عندما أجلس لساعات في مكتبي وحتى يريح ضيوفي وزبائني، على الرغم من أنه مكلف أكثر من الديكورات العادية التقليدية التي تستخدم مواد البلاستيك أو المعدن مع رسومات وصور منسوخة لأعمال فنية معروفة».