فصل آخر من حكاية مدينة نابل التونسية مع «عرائس السكر»

مستقبلة بها العام الهجري الجديد

«عرائس السكر».. بهجة ومذاق في احتفال الأطفال بالعام الهجري الجديد بنابل التونسية («الشرق الأوسط»)
TT

عرائس من السكر جميلة الأشكال والألوان، لا تكاد تفرق بين واحدة وأخرى إلا وقد أرجعتك إلى سنوات الصبا فتود لو تلتهمها جميعا دفعة واحدة.

هذه العرائس عرضت خلال الدورة السادسة لـ«مهرجان عرائس السكر» في مدينة نابل، بشمال تونس. والجدير بالذكر، أن هذه المدينة اعتمدت تقليدا متوارثا جيلا بعد جيل ضمن تقاليدها الشعبية السنوية، لاستقبال العام الهجري الجديد. وهذا العام استمر المهرجان لمدة ثلاثة أيام من 3 إلى 6 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

ما يستحق الإشارة هو أن «عروسة السكر» تعد حقا ظاهرة اجتماعية وثقافية ترتبط خصوصا بالتقاليد المميزة للاحتفال بقدوم العام الهجري، وهي من أبرز العادات الطريفة في مدينة نابل وبقية المناطق المجاورة التي تقاسمها العادات ذاتها، ومنها مدن دار شعبان الفهري وبني خيار وقربة والحمامات. ويتوجه الاعتماد على «عرائس السكر» في الأساس، وبصفة خاصة، إلى الأطفال، ذلك أن هذه «العرائس» غالبا ما تتوسط الفواكه الجافة والمكسرات المختلفة. كذلك من عادات أهل مدينة نابل أن تكسر «عروسة السكر» يوم عاشوراء، فتؤكل أو يحلى بها الشاي.

محمد صفية، وهو أحد سكان مدينة نابل، يقول شارحا: «صحيح أنه صار هناك نوع من التلازم بين الاحتفال بقدوم العام الجديد و(مهرجان عرائس السكر) فقط منذ عام 1997، لكن في حقيقة الأمر تعود الصلة إلى عهود سابقة بعيدة، وعملية إحياء مثل هذه التقاليد الاحتفالية ولدت فعلا حركية تجارية وثقافية مميزة في المدينة والمدن المجاورة، حيث أصبح بعض زوار نابل في شوق لرؤية (عروسة السكر) النابلية المميزة». ثم أردف «هذه الصناعة التي كادت، في فترة ما، تندثر، أصبح لها الآن مريدوها، وتشجع الحرفيون وأصحاب ورش صب قوالب السكر ونشطوا في التعريف بخصوصيات صنع عرائس السكر».

هذا العام، «مهرجان عرائس السكر» في دورته السادسة أقام في نابل معرضا لـ«عرائس السكر» الأصيلة والأصلية في المدينة، وقد نافستها على اجتذاب اهتمام الزوار والمهتمين، «عرائس سكر» مستقدمة من مدينة باليرمو، قاعدة جزيرة صقلية الإيطالية. والطريف أنه قدمت خلال المهرجان دراسة مقارنة بين «عرائس» المدينتين في محاضرة لافتة، ألقتها الباحثة الإيطالية جياكومينا كراوزو. ومما قالته كراوزو أن ثمة توافقا كبيرا، سواء من حيث طبيعة الزينة وفنيات التصميم بين «عرائس» المدينتين. وتابعت قولها: «إن عرائس السكر في كل البلدان التي تصنعها جميلة، غير أن استعمالات العرائس تختلف بين مدينة وأخرى، لا سيما أنها مفعمة بالكثير من المعاني والرموز الثقافية». وعرضت جياكومينا كراوزو خلال محاضرتها، شريطا وثائقيا حول تقليد صنع العرائس في باليرمو، اتضح من خلاله أن طرق الصناعة بين تونس وإيطاليا، وهما بلدان متجاوران، لا تختلف كثيرا. فالحلوى تحافظ على حلاوتها في كل مكان.

على صعيد آخر، اشترط في «عرائس السكر» المشاركة في مهرجان نابل هذا العام أن تكون مصنوعة من مادة السكر المصبوب والألوان الغذائية للزينة فحسب. ومن جهته، استغل الباحث جابر الدنقيز، الفرصة لتقديم مداخلة علمية حول «الأغذية والسمنة» على اعتبار أن السكريات تأتي على رأس قائمة الأغذية المتهمة بآفة السمنة، إلى جانب عدد كبير من الأمراض الأخرى. لكن الدنقيز بذل جهده لتبرئة ساحة «عرائس السكر» من المساهمة المباشرة في مرض السمنة، مؤكدا على «ضرورة الحركة والنشاطات الرياضية للتخلص من السكريات وتخفيف الوزن».

أخيرا، من الجدير بالذكر، أن مدينة نابل وبقية المدن التونسية، تعد لاستقبال قدوم العام الهجري الجديد، خصوصا، بطبخ أكلة الملوخية وذلك تيمنا بلونها الأخضر، وهذا إلى جانب طبخ الكسكسي بالقديد والعصبان السائح المزين بالبيض المسلوق والحمص والسكر والحلوى والفواكه الجافة.