«متحف دمشق الوطني» يجدّد شبابه

ينتظر أن تنتهي أعمال ترميمه في مطلع العام المقبل

مدخل «متحف دمشق الوطني» («الشرق الأوسط»)
TT

يشهد «متحف دمشق الوطني»، أكبر المتاحف السورية، حاليا أعمال تجديد وتطوير وصلت، كما ذكرت مديرته الدكتورة هبة السخل لـ«الشرق الأوسط»، إلى مراحلها الأخيرة.

تتضمن أعمال التجديد والتطوير تطوير قسم الآثار الكلاسيكية، الذي يعدّ من أكبر أقسام المتحف، بالتعاون مع الحكومة الإيطالية. ويحتل هذا القسم طابقا كاملا - تضاف إليه قاعة الجواهر التابعة له والموجودة في طابق آخر - وتبلغ مساحته نحو 1000 متر مربع من كامل مساحة المتحف البالغة 4000 متر مربع. ومن المقرر أن يفتتح القسم بعد اكتمال الأعمال التطويرية في يناير (كانون الثاني) المقبل. ولقد جرى تجديد القسم بالكامل، وسيلاحظ الزائر تغييرا جذريا فيه، لا سيما في نوافذ العرض بعد اعتماد طرق عرض حديثة متطورة تتيح للزائر والسائح معرفة كل ما يريد معرفته عن الموجودات والاستماع إلى المعلومات التي يحتاج إليها عن المقتنيات المعروضة في القسم. وستتغيّر طريقة سيناريو العرض، إذ لن يُكتفى بالمشاهدة فقط، بل سيكون هناك سيناريو لكل قطعة أثرية موجودة بحيث تتكلم عن نفسها وأين كانت موجودة وتاريخها وأهميتها الأثرية... وكل هذا مرفق بشاشات عرض ولوحات دلالة وشرح مفصل يتناسب ومستوى الزوار الثقافي والتعليمي والعمري، بمن فيهم الأطفال واليافعون. وسيصار أيضا إلى عرض مقتنيات مكتشفة حديثا من حفريات أثرية نقب عنها في الفترة الأخيرة. وتبلغ تكلفة مشروع التطوير في هذا القسم نحو 800 ألف يورو.

على صعيد آخر، في ما يتعلّق بمبنى المتحف، قاربت الأعمال الإنشائية التطويرية على الاكتمال هي أيضا بعد إنجاز أعمال تدعيم أساسات المبنى بالكامل، التي تعود لعام 1936، وهو تاريخ بناء المتحف. وستؤدي هذا الأعمال إلى حماية المبنى إنشائيا لفترة مقبلة تصل إلى خمسين سنة من اليوم. كذلك طورت وحدّثت مختبرات المتحف. ومما يجدر ذكره هنا أن «متحف دمشق الوطني» هو الأقدم والأضخم والأغنى من حيث المقتنيات في سورية، والذي ينظر الباحثون والدارسون العرب والأجانب إليه على أنه مرجع توثيقي وتاريخي وحضاري مهم جدا، ليس على مستوى منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل على المستوى العالمي أيضا.

تعود قصة تأسيس المتحف، في الحقيقة، إلى عام 1919م. وكان مقره في بداية الأمر في مبنى المدرسة العادلية الأثري بـ«المدينة القديمة» قرب سوق الحميدية. إلا أنه تقرر بعد ذلك بناء مقر خاص به. وبالفعل شيّد له مبناه الخاص الضخم والواسع على ضفة نهر بردى على طريق بيروت، في غرب دمشق، وأنجز تشييد المبنى الجديد عام 1936م، وضم خمسة أقسام، كل منها عبارة عن متحف قائم بذاته، وهي:

القسم الأول، الذي خصص لعصور ما قبل التاريخ ويحوي آثارا تعود إلى نحو مليون سنة قبل الميلاد وحتى ظهور الكتابة. ويشاهَد في هذا القسم هيكل عظمي يعود إلى عصر «إنسان نياندرتال» (نحو 120 ألف سنة قبل الميلاد). وهناك معروضات لأدوات الإنسان البدائية التي استخدمها في تطويع الأحجار ومنها المطرقة والمثقب وغير ذلك، بجانب جماجم عمرها تسعة آلاف سنة وبقايا عظام حيوانات ونماذج لبدايات صناعة الفخار في سورية قبل تسعة آلاف سنة.

أما القسم الثاني فهو قسم الآثار السورية الشرقية القديمة، ويضم آثارا تعود إلى الفترة منذ بداية ظهور الكتابة وحتى مجيء الإسكندر المقدوني إلى الشام. ومن مقتنياته روائع آثار الحضارة الكنعانية القديمة والمكتشفة في أوغاريت، وأهمها الأبجدية الشهيرة التي تعتبر أول أبجدية عرفتها البشرية بعدما كان الإنسان يكتب بواسطة الصور. وهذه الأبجدية محفوظة برقيم طيني في هذا القسم. ومن معروضات هذا القسم أيضا الآثار العاجية، وسيف يعود إلى فرعون مصر رمسيس الثاني، وآثار أمورية مكتشفة في مدينة ماري على نهر الفرات، ونصوص ورُقم طينية وآثار آرامية ونصب فرعوني.

ثم يأتي القسم الثالث، الذي هو قسم الآثار الكلاسيكية، وفيه منحوتات وتماثيل تدمرية لرجال ونساء مزينات بالحلي، وبقايا المنسوجات الكتانية والحريرية والصوفية التي اكتشفت في مدينة تدمر. كما يوجد فيه تماثيل من البازلت مكتشفة في السويداء، وروائع الموزاييك من شهبا، أبرزها لوحة الموزاييك الشهيرة التي تتعلق بأسطورة بداية الألعاب الأولمبية، وهي ذات قيمة فنية ووثائقية وحضارية هائلة. وفي هذا القسم أيضا جناح للحلي الذهبية وآخر لنقود تعود لمختلف العهود، وجناح للفن البيزنطي ومنه السرُج والمباخر المسيحية والزجاج والرسوم الجدارية.

أما القسم الرابع فهو قسم الفن العربي الإسلامي، وهو غني جدا بالمقتنيات، التي يعود بعضها إلى عهد الخلفاء الأمويين، ومنها واجهة قصر الحير الغربي التي أعيد بناؤها في المتحف، وخزف الرقة التي كانت عاصمة لهارون الرشيد، وآثار حجرية ومنحوتة جميلة تعود إلى العصر المملوكي تمثل طبيبا يحمل أدوية وفي الأعلى كتب «كل من الله العافية». ثم على صعيد المقتنيات توجد في هذا القسم أصناف متعددة من المقتنيات كالنقود الإسلامية والسيوف بالإضافة إلى «قاعة البيت الشامي». وعلى صعيد المخطوطات يضم هذا القسم مخطوطات شهيرة لابن سينا والزهراوي وغيرهما.

ونصل أخيرا إلى القسم الخامس، وهو قسم الفن الحديث، ويعرض فيه أجمل ما أبدعه الفنانون السوريون المعاصرون من لوحات ومنحوتات.