«جمهورية الحمص».. موقع إخباري ساخر لواقع لبناني مأساوي

لأن «صحنها» هو الجامع الوحيد بين اللبنانيين و«السلاح» الذي تفوقوا به على إسرائيل

أكبر صحن حمص دخل فيه لبنان مجموعة غينيس للأرقام القياسية («الشرق الأوسط»)
TT

«من المأساة تولد الضحكة».

هذا هو باختصار «الخط السياسي» المتبع في موقع وكالة أنباء «جمهورية الحمص» الإخباري الساخر في لبنان. الجمهورية هي الدولة اللبنانية، أما الحمّص فهو «صحن الحمّص» الذي وضع مكان الأرزة الخضراء ليتوسط علم لبنان.

ينظر بعض اللبنانيين إلى الحمص على أنه «السلاح الفتاك» الذي تغلب به اللبنانيون على إسرائيل، عندما تفوقوا عليها بصناعة أكبر صحن حمص في العالم، محطمين بذلك الرقم القياسي في «موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية». غير أن صاحب الموقع، وهو شاب للبناني مهاجر يعمل في مجال الإعلانات وأطلق على نفسه اسم «وليد القرن» - معتبرا أنه لا لزوم ليفصح عن هويته الحقيقية - قال لـ«الشرق الأوسط» عندما التقته «إنه الشيء الوحيد الذي لا طائفة له في لبنان ويتفق عليه كل الشعب اللبناني والسياسيون». وتابع: «أنا لا أبغي الشهرة من الموقع. الأهم بالنسبة لي هو عملي، والمقالات والأفكار التي أنشرها. ثم إنني لا أريد أن يصار إلى التركيز على هويتي أو أن ينسب الموقع إلى حزب أو تيار سياسي أو طائفة معينة...».

في الواقع، أنه وسط الأزمة السياسية التي يتخبط فيها لبنان راهنا، وما يرافقها من مشكلات اجتماعية واقتصادية وحروب كلامية من كل الأطراف، جاء هذا الموقع بأبوابه المتنوعة بين الأمن والسياسة والاقتصاد والأخبار العاجلة...، ليعبر عن الواقع اللبناني كما هو، بعيدا عن الأسلوب الذي تعتمده وسائل الإعلام العادية لتصوير هذه المأساة انطلاقا من الخلفية السياسية التي تحركها.

هنا، الأخبار «مضحكة فكاهية»، بالتأكيد، لكنها أيضا واقعية، تصور المشكلة على حقيقتها. فمثلا، لا يختلف اثنان في لبنان على أن المحللين والسياسيين على اختلاف انتماءاتهم يملأون الشاشات ليلا ونهارا، محاضرين بـ«العفة السياسية»، وملصقين بخصومهم شتى أنواع الاتهامات. ومن ثم جاء الإعلان المبوب في «جمهورية الحمص» ليصور هذا الواقع من خلال طلب وظيفة لـ«نائب حالي يتمتع بلسان طوله مترين ونصف المتر ولباقة نيو - بورجوازية، يبحث عن برنامج تلفزيوني سياسي يؤويه إلى حين صدور القرار الظني - أو الاتهامي - (في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري)، لأنه أولا لا عمل له في كتلته النيابية، وثانيا ليملأ وقت فراغه». أما مميزات النائب المذكور فهي امتلاكه بعض الشعارات الرنانة التي لم يتسن له استعمالها في حملته الانتخابية عام 2009. كما أنه متخصص بالتنظير عن كل شيء، ومتمرس في فن تحقير الطوائف الأخرى بشكل دبلوماسي ومشوق...».

ولموقع «ويكيليكس»، حصته اللبنانية أيضا، فالجديد هنا تمثل في «تسريب معلومات وصلت إلى العدو الغاشم من عملاء حول المقادير التي استعملت في تسجيل رقم قياسي لأكبر صحن حمص، مما قد يعرض المقاومة الوطنية المطبخية للخطر، ويهدد هذا الإنجاز القومي والوطني الكبير».

وأخيرا وليس آخرا، كانت مستجدات العاصفة المناخية القاسية التي ضربت لبنان مؤخرا محور اهتمام «وليد القرن»، الذي يقود هذا الموقع ويعتبره الأقرب إلى الحقيقة اللبنانية، فإذا به يتولى إصدار بيان باسم مكتب الإعلام في وزارة الداخلية اللبنانية يطلب فيه من الأجهزة التابعة لها «الاستنفار الكامل لمواجهة أي أضرار قد تسببها العاصفة القوية التي ستضرب كل الأراضي في جمهورية الحمص. وجاء في البيان «يرجى من كل موظفي الإدارات التابعة للوزارة الحضور إلى أماكن عملهم، ويطلب منهم تخفيف مدة التسكع في تلك الإدارات لمدة ثلاث ساعات بدلا من الساعات الست المتعارف عليها. كما سيجهز كل شرطي سير بـ(دولاب كميون) (عجلة شاحنة) ليبقى عائما في حال غرق في سبات عميق أثناء وجوده على تقاطع الطرقات أثناء زحمة السير الخانقة التي ستسببها الفيضانات. كما يمنع منعا باتا على المواطنين التأفف بسبب هطول الأمطار، وذلك تحت طائلة الضرب المبرح. وفي هذا الوضع سيسمح للمواطنين الذين يملكون زوارق باستعمالها على الطرقات، شرط التوقف على الإشارات الحمراء والتقيد بقوانين السير في الأنهر والبحيرات».

وردا على سؤال عما إذا كان الاعتماد على السخرية كوسيلة أساسية في لغة «جهورية الحمص» هو من باب اليأس من الوضع اللبناني، رد وليد «أنا لست يائسا، فقد تخلصت من اليأس بمجرد خروجي من لبنان. لكن السخرية هي الوسيلة الوحيدة لإيصال خبر أو فكرة معينة قد تسبب انتحارا جماعيا إذا ما كتبت بالطريقة المألوفة».

وفي ما يتعلق بردود فعل السياسيين والمواطنين على ما يقرأونه في هذا الموقع، أجاب: «لم أتلق أي ردود فعل من أي سياسي. ولا أدري إذا كان أحدهم يتصفح الموقع بشكل دائم. أما الشباب، فكانت ردود فعلهم جيدة. وهم يشجعونني دائما على كتابة المزيد». ويبدو أن «جمهورية الحمص» هذه تحظى بردود فعل ايجابية، لا سيما، أنها تمثل لسان حال معظم اللبنانيين، لكن ثمة من جاء ليسرق من مبتكرها هذا الجهد، وذلك من خلال سرقة مواضيعه في برامج تلفزيونية لبنانية من دون أي إذن منه أو حتى إشارة إلى المصدر، وعن هذا الموضوع قال وليد: «إنه لأمر يدعو إلى الاشمئزاز، خاصة أن كل تلك البرامج تضع علامات حماية حقوق النشر لبرامجها، لكنها لا تحترم أعمال الآخرين. أمضي كل يوم ساعات عدة لكتابة مقال ثم اكتشف بعد أيام معدودة أن أحد العباقرة قرر أن ينسب الفكرة إلى نفسه. والمحزن أن نصيحة المحامين لي كانت ألا أهدر وقتي ومالي لأنني لن أصل إلى أي نتيجة».

وعن ما يمكن تطويره في «جمهورية الحمص» أو تقديم أي جديد، يلفت إلى «أن هناك طبخة على النار... ولكن لا أستطيع أن أدخل في التفاصيل في الوقت الحاضر».