«ليلة الحناء».. فرحة العروس المصرية

تتضمن أغنيات وملابس فولكلورية وغربية ورسوما لأزهار وأغصان الزيتون

الحناء.. تقليد لا تستغني عنه العرائس («الشرق الأوسط»)
TT

«يا حنة يا حنة.. يا قطر الندى»، بهذه الأغنية الفولكلورية تبدأ «ليلة الحناء» (الحنة) التي تعد من أهم طقوس الزفاف المصرية. وهي الليلة التي تسبق يوم الزفاف، وفيها يتجمع أهل العروس، وأقاربها من الفتيات وكذلك صديقاتها، للغناء والرقص ونقش الحناء برسومها المختلفة.

قديما كانت هذه الليلة تقتصر على وضع معجون الحناء في إناء، ومن ثم تزيينه بالشموع، وتولى سيدة من أقارب العروس حمله والطواف به على جميع الحاضرات من أجل وضع الحناء في الكف والقدم. وبعد الانتهاء من وضع الحناء تستمر الأغاني الخاصة بهذه الليلة حتى الساعات الأولى من الصباح.

ولكن بمرور الوقت تنوعت أشكال الاحتفال بـ«ليلة الحناء»، وكان للفنانة السودانية ستونة السبق في نقل الحناء السودانية بطقوسها الشهيرة إلى مصر، وبعدها اختلفت تماما طقوس هذه الليلة حتى تحولت إلى يوم عرس منفرد يسبق يوم العرس الأساسي.

عن جديد ليلة الحناء، تحدثت «الشرق الأوسط» مع أميرة حسن، مساعدة الفنانة ستونة، التي تقول: «مهما اختلفت ثقافة العروس وطبقتها الاجتماعية، فإن (ليلة الحناء) ما زالت من أهم الطقوس التي لا تتنازل عنها أي فتاة. فهناك من يمكن أن ترضى بألا يقام لها عرس كبير والاكتفاء بعقد القران في المسجد، ولكن لا تنازلات في موضوع إقامة (ليلة الحناء)، فهي فرحة العروس الأصلية. لذلك راعينا أن تكون هذه الليلة مختلفة ومتنوعة، وحقا ما عادت تقتصر - كما مضى - على (تحنية) كعب العروس بالحناء الحمراء، بل تشمل عروضا وفقرات راقصة وغنائية تقدمها فرقة فتيات سودانيات مع العروس وصديقاتها. فمن المعروف أن أصل الاحتفال بـ(ليلة الحناء) يعود إلى الريف المصري، حيث يعتقد أن (تحنية) كعب العروس والعريس تبعد عنهما الشرور وتجلب لهم الذرية الصالحة. ومع الوقت، انتقلت هذه العادة إلى كل أنحاء مصر، وأصبحت الفتيات تأخذن منها روح الاحتفال بعيدا عن المعتقدات الخاطئة».

وتكمل أميرة حسن: «تتكون فرقة إحياء حفلات ليالي الحناء عادة من ثماني فتيات، منهن المسؤولة عن الموسيقى والأغنيات، وأخرى أو أخريات عن تجهيز العروس لفقرات الليلة، وثالثة موكلة بمهام التصوير، إذ كانت العروس تعاني قديما مشكلة انعدام وجود فتيات متخصصات لتسجيل هذه الليلة. وبالطبع، هناك قبل أي شيء آخر الفتاة المسؤولة عن رسم الحناء التي يراعى أن تكون حناء طبيعية وخالية من الكيماويات كي لا تضر بجلد العروس».

تبدأ أولى فقرات «ليلة الحناء» بما يعرف بـ«الزفة الدمياطي»، وهي زفة شهيرة تبدأ بأغنية «بسم الله هنبدأ الليلة». ثم ترتدي العروس طرحة وتاجا وترقص على صوت الدفوف والغناء، وبعد ذلك تبدأ الفقرة الثانية الخاصة بـ«الزفة اللبناني»، وفيها ترتدي العروس الفستان المنقوش مع عقد وخلخال ثم ترقص «الدبكة اللبنانية». وأيضا هناك فقرة الرقص الشرقي التي ترتدي فيها العروس بذلة رقص وترقص على دقات الطبول مع صديقاتها، ثم تنتقل إلى فقرة «الزفة الإسكندراني» وتؤدي فيها دور فتاة إسكندرانية ترتدي «الملاية اللف» و«البرقع»... وهكذا، وصولا إلى فقرة الملابس الريفية، وهي عبارة عن صينيات الحناء مزينة بالحلقان والإيشاربات والشخاليل وطبق فيه حناء وشمع، وترقص العروس مع أصحابها على الأغاني الخاصة بأفراح الريف. وبنهاية الفقرة تطفئ العروس شمع «ليلة الحناء» مما يعني انتهاء الليلة. وبالطبع، كل فقرة تتميز بالأغنيات الفولكلورية التي تشتهر بها محافظات مصر، وهناك عرائس تؤدين كل هذه الفقرات ومنهن من تكتفي بثلاث أو أربع فقرات.

وتتابع أميرة: «هناك فتيات من بعض الطبقات يطلبن تجسيد شخصيات غربية في عروض ليلة الحناء، ولذلك أضفنا (الفقرة الغربية) التي تعتمد على ارتداء العروس (بذلة شاكيرا) للرقص على أغان أجنبية مع رقصة السالسا. وهناك فقرة ترتدي فيها العروس زيا إسبانيا عبارة عن بذلة ملونة بألوان كثيرة مع شابوه كبير فيه مجموعة من الفاكهة والورود، وهناك (الشو الهندي)، وفيه ترتدي العروس ثوبا هنديا مطرزا بالسيرما مع الإكسسوار الخاص بالهنود، ثم ترقص على أنغام الموسيقى الهندية. أما فقرة جزر هاواي، فترتدي خلالها العروس فستانا ملونا من قطعتين رصع كله بالزهور، وترقص العروس بعد ارتدائه على موسيقى خاصة من جزر هاواي».

على صعيد آخر، من أهم ديكورات «ليلة الحناء» الأضواء الملونة والزينات اللامعة والبخور الطيب الرائحة. وعادة تقام «ليلة الحناء» في منزل أهل العروس رغبة في الخصوصية وتوفيرا لتكاليف حجز قاعة في أحد الفنادق أو الأندية، وثمة من يفضلن الابتعاد عن المنزل واستئجار قاعة صغيرة، لكن في النهاية القرار يعتمد على ميزانية العروس.

أما عن رسوم الحناء وأحدث صيحاتها الآن، فتقول أميرة حسن: «هناك رسوم على شكل أزهار وفروع أشجار وأغصان الزيتون، ورسوم على شكل خلخال يرسم على اليد والقدم، ثم توجد رسوم خاصة بالأبراج، بالإضافة لرسم الأسماء بالحروف الصينية وهي منتشرة جدا الآن والإقبال عليها كبير، خاصة اسمي أو الحروف الأولى من اسمي العروس وزوجها. وجميع الرسوم تنجز بالحناء السوداء وتحتاج من ثلث ساعة إلى نصف ساعة لتجف، كما أن نقش الحناء لا يقتصر على العروس فقط، بل يمتد إلى صديقاتها وفتيات العائلة».

هذا، ولا ينتهي ابتكار فقرات جديدة لـ«ليلة الحناء». وأحدث فكرة لهذه الليلة تسمى «البنياتا» وتكون على شكل عروسة مصنوعة من «الفوم» شعرها أصفر، مجوفة من الداخل، وبداخلها علبة من الورق المقوى «الكارتون» تملأ بالهدايا والحلوى، ثم تعلق في مكان عال. وفي نهاية «ليلة الحناء» تفتحها العروس فجأة لتتهاوى منها الهدايا والحلوى على الحضور من أقارب العروس وصديقاتها.

أما عن كيفية إقامة العروس لحفل حناء بأقل التكاليف، فتقول أميرة: «أنصح كل عروس، أولا، بتحديد ميزانيتها لهذا اليوم ثم تحديد عدد المدعوات. وبعد ذلك اختيار عدد الفقرات الملائم لميزانيتها المادية، مع تفادي المبالغة في الزينات وأنواع الحلوى، فالفقرات والعروض الراقصة هي ما يلفت الانتباه في النهاية. كذلك من المستحسن أن تقيم العروس الحفل قبل الفرح بيومين لكي يتبقى لها الوقت الكافي للراحة والنوم بعد إرهاق الحفل واستعداداته، وهكذا تحظى في النهاية بليلة مميزة تظل في ذاكرتها إلى الأبد».