«القشابية».. لباس الرجال الشتوي في الجبال التونسية

تطورت ألوانها.. وأخذت تستهوي النساء

«القشابية».. رفيقة الشتاء التونسي البارد («الشرق الأوسط»)
TT

في تونس، كما في غيرها من الدول، للشتاء لباسه وغذاؤه المميز عن باقي فصول السنة. فمعظم العائلات التونسية تنطلق في استعداداتها لاستقبال الطقس البارد بعد أشهر الصيف الساخنة فتقبل على إعداد مؤونة الشتاء ضمن ما يسمى في تونس «العولة». كذلك، ضمن الاستعدادات لهذا الفصل اللباس الخاص لفصل الشتاء المعروف، ولا سيما في المناطق الجبلية، ببرودته القارصة.

في العادة، يكون الصيف الفصل المناسب لإعداد «القشابية» و«البرنس» كملابس رجالية، في الأساس، ولكن تعدّها النساء في البيوت، قبل إرسالها إلى الخياط، أو الترزي، لإتمام «حروجها». وهذه تشمل مجموعة من المتمّمات الضرورية التي تعطي فيما بعد لهذه الملابس الكثير من الأناقة والجمال.

«القشابية» لباس جبلي بامتياز يقبل عليه سكان أعالي الشمال الغربي التونسي، وبالأخص المناطق الجبلية منه طوال الفترة الشتوية، وطالما استمر وجود البرد. ثم إن العمل الليلي غالبا ما يكون مترافقا مع وجود القشابية المصنوعة من الصوف، مما يعطي طاقة إضافية على تدفئة الأجساد. وفي الأساس، «القشابية» نسيج يدوي، ولقد تمكن طوال القرون الماضية من الصمود في وجه ملابس الموضة المختلفة الطارئة على أذواق التونسيين وحياتهم اليومية المتطورة. ولم تستطع الملابس العصرية بألوانها الزاهية وتصاميمها المتنوعة من تحقيق الانتصار على «القشابية» التي حافظت على لونها الأسود المميز.

من ناحية أخرى، إذا كان «البرنس» الرجالي بقي علامة على المرتبة الاجتماعية المرموقة ودليلا على الرفاه الاجتماعي، فإن «القشابية» ظلت لباس عامة الناس، وخاصة سكان الأرياف التونسية. وإعداد هذا النوع من الألبسة، كما سبقت الإشارة، حرفة موكولة إلى النساء، في الأصل، بيد أن الرجال «يتدخلون» في نهاية المطاف لإتمام الخياطة النهائية. وفي وقت لاحق، انتبه الرجال من الخياطين لانتشار «القشابية» في صفوف الرجال والنساء معا.. فعمدوا إلى دخول الميدان بعدما أجروا عليها الكثير من التحسينات، التي جعلتها أكثر أناقة وأجمل مظهرا.

رابح السمعلي، وهو حرفي متخصص في نسيج «القشابية»، كما أنه صاحب ورشة في القرية الحرفية بمنطقة الكاف، الواقعة على بعد 160 كلم شمال غربي العاصمة التونسية، قال لـ«الشرق الأوسط» عندما التقته: «(القشابية) الواحدة تتطلب ما لا يقل عن ثلاثة كيلوغرامات من الصوف المغزول، وما لا يقل عن 600 غرام من الشداد (الخيوط الضرورية لنسج الصوف)، وبإمكان الحرفي الماهر أن ينتهي من نسجها خلال ثلاثة أيام، تتوزع على يومين لنسجها ويوم واحد لخياطة خاصة ما يعرف بـ(الصدارة)».

ويرى السمعلي أن «القشابية» لباس «أصوله بربرية، وهو لباس جبلي بامتياز إذ إن سكان المدن لا يقبلون عليه»، مضيفا أن «القشابية التونسية تواجه اليوم مثل غيرها من المنسوجات مزاحمة قوية من بقية المنسوجات المستوردة من الخارج. وقد انتشرت خلال السنوات الأخيرة القشابية المغربية والجزائرية، إلا أن المقبل من الخارج مصنوع بالأساس من الكيان المخلوط بالوبر كالقشابية المغربية، أو أنه مصنوع من القماش الخشن المعروف لدى الحرفيين بـ(الملف)، وهذا الأمر ينطبق على القشابية الجزائرية»، ثم يقول: «في الحقيقة، تعتبر القشابية لباسا مشتركا لسكان الأطلس التلي بشمال أفريقيا، وهي الزي الغالب على مختلف مناطقها الريفية». هذا، وبالإضافة لمقاومته البرد، فإن طربوش القشابية غالبا ما يكون إلى «قفة عالية» لحمل بعض المشتريات صغيرة الحجم وجلبها للعائلة من الأسواق الأسبوعية؛ فالآباء غالبا ما كانوا يملأونه بالحلوى والتمر للأطفال واللوبان والسواك والكحل ومواد صناعة الحوقوس وإتمام زينة النساء.

ويقول المنجي الفضلاوي، الحاصل على جائزة رئاسية في المحافظة على الملابس التقليدية: «لقد امتد الإعجاب بـ(القشابية) إلى كثرة من المعجبين، وحظيت أيضا بإقبال من النساء، على الرغم من كونها أصلا لباسا رجاليا. ولكن أجريت عليها خلال السنوات الأخيرة مجموعة من التحسينات، شملت على وجه الخصوص، طول القشابية والفتحة الأمامية والألوان المميزة الجديدة، بينها الأسود المخطط بالأبيض والبني والفستقي وهي ألوان يطلبها شباب اليوم».

أما عن أسعار «القشابية»، فقد ذكر صالح الرحراح، وهو من سكان مدينة الكاف، بالشمال الغربي التونسي، أنها تتراوح ما بين 120 و150 دينارا تونسيا (ما بين نحو 80 إلى 110 دولارات أميركية)، أما بالنسبة لخياطة الصدارة (أو فتحة الصدر) وخياطة الطربوش واليدين، فإنها - كما يذكر الرحراح - تقدر بنحو 50 دينارا تونسيا (نحو 35 دولارا)، وقد تقل عن ذلك تبعا لنوعية الخيط. ويسمي الحرفيون هذه العملية بـ«العمارة» أو «العمارة لا ربع»؛ إذ إن بعض محبي القشابية يفضلون خياطتها بخيوط من الحرير، وهي تتقاسم نفس هذه المراحل مع الجبة والبرنس.