«بيت الشاعر».. يعيد الشعر والثقافة إلى أجواء الحارة المصرية

يحمل عبق شارع المعز بقلب القاهرة الفاطمية

الإعلامي جمال الشاعر في شرفة «بيت الشاعر»
TT

إذا كنت من عشاق الثقافة والفن والشعر، فمن المؤكد أن «بيت الشاعر»، في العاصمة المصرية، القاهرة، هو مقصدك لتمضية وقت لا ينسى، فهنا تتلقى الثقافة من منبعها بلا وسيط. ويكفى، مثلا، أن تحضر ورشة تصوير أو رسم، أو ندوة ثقافية وأمسية شعرية تجلس خلالها على مقربة من أكبر شعراء وفناني وأدباء مصر الذين كانوا، إلى وقت قريب، يقصرون إطلالتهم على شاشات الفضائيات أو الأبراج العاجية للمراكز الثقافية المتخصصة.

ففي قلب القاهرة الفاطمية، وفي شارع المعز لدين الله الفاطمي، أحد أجمل شوارع مصر القديمة، يقع «بيت الشاعر».. أحد أهم المراكز الثقافية البارزة، ليس على مستوى مصر فحسب، بل ربما على المستويين العربي والعالمي أيضا، نظرا لأنشطته المتعددة وموقعة المتميز. وخصوصا أنه يمثل تراثا حقيقيا تشعر فيه بأجواء الحارة المصرية القديمة، ويطل على مسجد السلطان قلاوون، ويحيط به «بيت القاضي» حيث ولد الأديب الكبير نجيب محفوظ.

افتتح البيت في بداية العام الحالي، وهو ملك خاص للإعلامي والشاعر جمال الشاعر، الذي أسسه على نفقته الخاصة، وأطلق عليه هذا الاسم لأن الشعر هو أساس الخيال والتأمل في جميع إبداعات الحياة، ثم إنه اختار هذا المكان، بالتحديد، في شارع المعز لدين الله، لأنه يحمل له ذكريات خاصة. ففي هذا الشارع صور الكثير من الحلقات التلفزيونية على مدار 25 سنة، حتى صار واحدا من أهله، بالتالي، قرر أن ينشئ فيه مؤسسة ثقافية مفتوحة للجميع، وجاء فتح «البيت» بعد سنتين من التفاوض على شرائه وتأسيسه.

فكرة «بيت الشاعر» قائمة في الأساس لكي تصبح منبرا ثقافيا للشباب، بعدما كانت الثقافة لفترة قريبة تقتصر فقط على صفوة المجتمع ومثقفيه من الطبقة العليا، والبيت يتيح الثقافة والمعرفة للجماهير العادية بداية من الأطفال وحتى الشيوخ.

وحقا، تهدف مؤسسة «بيت الشاعر» إلى تنشيط الحركة الشعرية في مصر، وإطلاق خيال الشعراء، والاحتفاء بتجاربهم الجديدة، وإعادة اكتشاف رأسمال مصر الثقافي والموروث الشعبي مرة أخرى؛ فمن أهم المشاريع التي قدمها «البيت» خلال عام «مشروع الزائر العالمي»؛ دعوة شخصية عالمية مرموقة في مختلف المجالات، أدبا وعلما وفنا وفكرا، كل فترة لإلقاء محاضرة أو المشاركة في ندوة للجمهور الذي غالبا ما يكون من الشباب، وتكون الدعوة عامة للجميع.

أيضا يبرز مشروع «الورش الإبداعية»، حيث تتبنى المؤسسة هذه الفكرة للمساهمة في اكتشاف المبدعين في جميع مجالات الإبداع، وتنقسم إلى: «ورشة الكتابة» التي يحاضر فيها أساتذة جامعات وكبار المبدعين، و«ورشة الصورة»، التي تهتم بالصورة في الفن التشكيلي والسينما، وتتبنى عشرة مبدعين من الشباب أيضا من أجل صقل موهبتهم وتدريبهم على الإبداع والإنتاج.

ثم هناك مشروع «شهادة ميلاد» الذي يسهم في نشر إنتاج المبدعين الشباب ودعمهم في بداية الطريق، من خلال طباعة العمل الأول، سواء في الشعر أو الرواية أو القصة القصيرة أو أفلام الديجيتال، ومشروع «مركز الدراسات والتوثيق» الذي سيكون بنك معلومات يسعى «البيت» لتأسيسه، ويتضمن كل الوثائق والمؤلفات والإبداعات التي كتبت عن منطقة القاهرة الفاطمية.

ومن بين المشاريع الجديدة التي يخطط «بيت الشاعر» لإطلاقها خلال العام المقبل «برنامج المستشرقين»، الذي يتجسد بتنظيم مؤتمر سنوي يُدعى إليه بعض كبار المستشرقين في العالم، للتعرف إلى تصوراتهم للحوار بين الشرق والغرب. وقسم مخصّص في ورشة الفنانين للأطفال، حيث يحضرون للمشاركة بالرسم بأنفسهم لتنمية مواهبهم وميولهم للثقافة منذ الصغر، بالإضافة لورش التصوير الفوتوغرافي التي ينظمها الشباب، وورش الحلي التي تشرف عليها الدكتورة وهاد سمير، أستاذة الحُلي والمجوهرات بالمعهد العالي للفنون التطبيقية، والمشرفة على قسم الحلي بوزارة الثقافة، التي تنظّم أيضا ورشا مجانية لتعليم الشباب كيفية الاستفادة من «الخردة» أو الأدوات غير المستخدمة في عمل حلي، وأدوات أخرى مفيدة ومبتكرة.

في نهاية كل أسبوع، وتحديدا يوم الجمعة، يكون زائر «البيت» على موعد مع احتفال كبير يقيمه «بيت الشاعر» في طرقات شارع المعز، يبدأ منذ الظهيرة بصحبة فرق موسيقية وفنانين يرسمون على البلاط أو على اللوحات، مثل الفنان التشكيلي طه قرني. وفي الساعة الخامسة تقام ندوة مع أديب أو مفكر أو شاعر أو فنان، كما يشتمل اليوم على عروض لفرق المزمار والتحطيب والإنشاد الديني والتنورة.. بجانب فرق غنائية شبابية، وحفلات توقيع الكتب الشبابية وكتب كبار الأدباء أيضا. وخلال الأسابيع الماضية شهد «بيت الشاعر» الكثير من الأنشطة الثقافية، منها احتفال ضخم بالفنان التشكيلي والناقد كمال الجويلي بمناسبة بلوغه سن التسعين، واستضاف «البيت» الممثل محمد صبحي، الذي أشاد بالتجربة، وتمنى أن يصبح هناك مكان مثله في «مدينة سُنبل للفنون» التي يمتلكها.

ومن الأحداث المهمة التي لاقت نسبة حضور كبيرة من جانب الشباب، معرض «حبل غسيل»، الذي يعدّ تجربة فنية شبابية فريدة من نوعها قامت فكرتها على نشر لوحات التصوير الفوتوغرافي والشعر وأشياء أخرى على «حبل» في شارع المعز أمام «بيت الشاعر» في حارة جامع طاهر بجوار مجمع قلاوون.

كذلك أطلق صاحب المؤسسة، جمال الشاعر، في الشهر الماضي فرقة مسرحية لكي تمثل «البيت» في المسابقات والمهرجانات الفنية، الهدف منها العودة بالمسرح إلى الشارع مرة أخرى، وكسر ما يسمى بـ«الحائط الرابع»، بتقديم عروض يتفاعل معها الجمهور، وأيضا التغلب على مشكلات الإنتاج، ورفض التسليم بأن هناك ما يعيق المبدع عن تقديم رسالته. ومن المقرر أن يكون العرض الأول للفرقة المسرحية في بداية عام 2011، وستقدم عرضا مسرحيا كل شهر، بعد ذلك، أبطاله شباب موهوبون في التمثيل والتأليف والغناء.