موسم أعياد الميلاد ورأس السنة في لبنان.. «حركة بلا بركة» وزينة من دون تسوق

في ظل ارتفاع الأسعار والعجز عن تلبية المتطلبات اللازمة

الخطاب والوضع السياسيان إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية لدى اللبناني ساهمت في افتقار الأسواق إلى الحركة («الشرق الأوسط»)
TT

التحضيرات اكتملت والزينة رفعت والأسواق فتحت ذراعيها معلنة بدء موسم الميلاد ورأس السنة الجديدة في لبنان. لكن حركة هذه الفترة من السنة التي ينتظرها التجار والمواطنون على حد سواء، تفتقر هذا العام إلى «البَرَكة» في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة التي تنغص على اللبنانيين فرحتهم.

ومن سيجد نفسه تحت الأمر الواقع، مضطرا للقيام بواجباته العائلية والاجتماعية، فهو بدوره لن يقدم على خطوة التسوق إلا في الأيام الأخيرة من الشهر الحالي كي يكون على الأقل قد قبض راتبه الذي يتم دفعه في لبنان في بداية الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر (كانون الأول) أي قبل عيد الميلاد بيومين.

أما ليلة رأس السنة فيبقى الاحتفال بها خارج المنزل في الفنادق والمطاعم، حكرا على الأغنياء، وعلى السياح العرب، وذلك بعدما وصل الحد الأدنى لكلفة السهرة للشخص الواحد إلى 100 دولار في المطاعم العادية وإلى 250 دولارا أميركيا في الفنادق، وتعدى الحد الأقصى الـ 1000 دولار».

في الواقع، منذ عام 2005 و«أعياد» اللبنانيين تتأرجح هبوطا وصعودا بفعل الأوضاع السياسية التي تتربص بهم وتتحكم بمسيرة حياتهم وتفاصيل يومياتهم، ففي حين كانت بداية عام 2010 مزدهرة وسجلت حركة ملحوظة وارتياحا اجتماعيا واقتصاديا إلى حد ما، ها هو ذا العام يقفل على أزمة سياسية واقتصادية تشل الوضع اللبناني وتمنع على أبنائه التنعم والاحتفال بأعيادهم بعدما وصلت نسبة ارتفاع الأسعار إلى 50 في المائة وأكثر فيما يتعلق ببعض السلع.

ومن يجول في المناطق، يلمس مدى انعكاس هذا الوضع على الأسواق، فزحمة السير الخانقة السنوية التي تسيطر على الطرقات اللبنانية لا تعكس بالضرورة زحمة في الشراء. والمتجول في أحد المجمعات التجارية التي اعتادت مواقف السيارات التابعة له أن تضيق بزبائنها، يلاحظ التفاوت الملحوظ مثلا بين زحمة الناس في المحلات التي استبقت شهر التسوق وأعلنت بدء التخفيضات علها تستقطب من يبحث عن التوفير بأي وسيلة، وبين المحلات التي لا تزال متمسكة بأسعارها المرتفعة. ففي الأولى سباق حاد بين الزبائن الذين يبحثون عن البضائع المناسبة، فيما حركة الثانية خجولة ولا يزيد زبائنها على عدد أصابع اليد.

في هذا الإطار، يؤكد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس لـ«الشرق الأوسط» أن الخطاب والوضع السياسيين، إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني، عوامل أسهمت في افتقار الأسواق إلى الحركة التي يفترض أن تكون في هذا الموسم وتراجعها عن العام الماضي بنسبة 20 في المائة». وفي حين يلفت إلى أن العام 2010 قد بدأ جيدا في الفصلين الأولين وانتهى سيئا، يقول «إن الأعياد هذه السنة حركة بلا بركة وعيد من دون فرحة وزينة من دون تسوق». ويضيف «لاحظنا تبدلا إيجابيا في اليومين الأخيرين بفضل انخفاض حدة الخطاب السياسي، لكن هذا لا يكفي أو يعوض عما فات التجار الذي كانوا معولين على هذا الموسم بعدما مر أيضا موسم عيد الأضحى بحركة خجولة ونسبة وافدين أقل». ويرى شماس أن لجوء المحلات التجارية إلى خفض الأسعار وللمرة الأولى، بنسبة وصلت إلى 50 في المائة قبل الأعياد، هذا دليل واضح على وضع السوق وعلى الكساد الذي يعاني منه التجار في لبنان.

من جهتها، تقول ماجدة، وهي أم لثلاثة أولاد، «الغلاء الفاحش الذي تشهده الأسواق هذا العام جعلنا نعدل في لائحة المشتريات والهدايا، مع العلم أن هذا التعديل طرأ على نوعية الهدية من دون أن يعني ذلك تعديلا في الكلفة، وذلك نظرا إلى ارتفاع الأسعار». أما فيما يتعلق بسهرة رأس السنة فيقول عدنان مازحا «حجوزاتنا منذ سنوات عدة مثبتة في مكان واحد نرفض أن نستبدل به أي مكان آخر. البيت هو المكان الأفضل بالنسبة إلينا، على الأقل نتمكن من متابعة أهم الحفلات والفنانين على شاشة التلفزيون في الوقت عينه». ثم يضيف «بالكاد نستطيع شراء متطلبات هذه السهرة في المنزل فكيف بإمكاننا أن ندفع مئات الدولارات للاحتفال بها في الفندق أو المطعم؟».

وكذلك تقول وفاء «لا غنى لنا عن البيت في ليلة رأس السنة، لا سيما أن كل المطاعم والفنادق قد ضاعفت تكلفة سهراتها مقارنة مع السنوات الماضية، ففي المطعم الذي سهرنا فيه السنة الماضية بكلفة 100 دولار صارت اليوم على الأقل 150 دولارا، كذلك فإن قضاء ليلتين في شاليهات إحدى مناطق التزلج ترتفع من 200 أو 300 دولار في الأيام العادية إلى ألف دولار في موسم الأعياد؟».

ولأن الوضع الاقتصادي والسياسي اللبناني يتحول إلى المحرك الأساسي للسياحة وللحركة العامة على امتداد العام بشكل عام وفي مواسم الأعياد بشكل خاص، فهذا الوضع المتردي انعكس بدوره على عدد السياح والمغتربين الذين اعتادوا التوجه إلى لبنان في هذه الفترة من السنة، وفي هذا الإطار يقول نقيب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ«الشرق الأوسط» شارحا «نعمل في لبنان بما لا يزيد على 50 في المائة من مقومات هذا البلد وقدراته، وفي حين قد تصل نسبة تشغيل الفنادق في مناطق التزلج والعاصمة بيروت إلى 90 في المائة في هذا الموسم، فإنها لا تزال متدنية في المناطق الأخرى التي اعتادت أن تستقطب سياحا ومغتربين يتوجهون إلى لبنان لاستقبال العام الجديد، لكن الوضع السياسي هذا العام الذي سبق هذا الموسم أسهم في تغيير وجهة هؤلاء إلى دول أخرى».