«الركشة».. وسيلة النقل الأكثر شعبية في السودان

صارت موضوعا لأغاني البنات

«ركشة» على أحد الطرق («الشرق الأوسط»)
TT

«الركشة» - أو «الريكشا» - وسيلة النقل الهندية الشهيرة، انتشرت بسرعة كبيرة في السودان، غير أنها بينما انتزعت حب بعض المواطنين وإعجابهم، أثارت نفور البعض الآخر وكرههم. وهكذا، غدت بين مؤيد لوجودها ورافض له، نقطة جدل بين الفريقين، بالإضافة إلى إدارات المرور المختلفة، التي زاد من أعبائها المرورية دخول «الركشة» إلى جميع المدن السودانية الكبرى، وعلى رأسها الخرطوم التي تسير على طرقاتها اليوم أكثر من 10 آلاف «ركشة».

«هذا النوع الوافد من المركبات ما عاد مجرد وسيلة نقل فقط، بل صار حالة ثقافية - اجتماعية - اقتصادية..».. هكذا قال لنا محمد الدخيري، وهو فني سيارات حديثة، متابعا: «لقد صارت الركشة موضوعا لأغاني البنات الشعبية السودانية؛ إذ إنهن يرددن اليوم (يا سائق الركشة)؛ لأن هذا السائق أصبح محطة أمل لكثير من الأسر السودانية ذات الدخل المحدود، إلى جانب أن وجود الركشة فتح باب فرص وظيفية لخريجي الجامعات العاطلين عن العمل، واستوعب قطاعها أيضا غير المتعلمين والمتقاعدين».

عادل بكري، موظف، اعتبر أن دخول «الركشة» إلى السودان «حل أزمة المواصلات في بداية ظهورها، لكنه تسبب لاحقا بأزمة مرورية شديدة بعد تزايد أعدادها وازدحام الطرقات بها». وتابع عادل: «إدارة المرور في الخرطوم ضيقت الخناق على أصحاب الركشات فمنعتهم من السير في الشوارع الرئيسية، وبالتالي، لم يعد أمامهم غير الطرق العرضية.. هذا الإجراء قلل من الحوادث المسببة للموت».

آما آمنة عبد الله، ربة منزل، فقالت: «إنه لا يوجد سوداني لم يجرب ركوب الركشة حتى لو من قبيل التنزه فقط. وحسب رأيي، ساعدت الركشة ربات البيوت كثيرا في قضاء احتياجات المنزل، بالإضافة إلى أن سهولة الحصول عليها، ورخص تعريفتها جعلاها وسيلة المواصلات الأكثر شعبية، على الرغم مما يقال عن أنها ليست آمنة». أما سائق «الركشة» محمد عثمان، خريج كلية التجارة قسم الاقتصاد، فقال إنه امتلك «ركشة» منذ 5 سنوات. وأضاف أنه لا يدري لماذا أثارت «الركشة» الجدل الكبير «مع أن السودان اعتاد على دخول عدد كبير من أنواع وسائل النقل مثل سيارات (الهايس) و(الروز) و(الجريس).. (هذه الأنواع كلها تعرف بـ«السيرفيس» في مصر) ولم تثر مثل هذا الجدل». وفي اعتقاد محمد عثمان أن «الركشة استثمار ناجح جدا، فدخلها اليومي يصل إلى 60 جنيها (20 دولارا أميركيا)، وهذا مبلغ لا أستطيع الحصول عليه لو عملت بشهادتي».

من جهته، يرفض وحيد بابكر، سائق «ركشة»، التهم التي يوجهها بعضهم لسائقي الركشات، لا سيما تلك المتعلقة بالاستهتار ومخالفة الآداب العامة وارتكاب جرائم مخلة بالآداب، موضحا: «مجتمع سائقي الركشات مثله مثل أي مجتمع، فيه الصالح والطالح، لكن سائقي الركشات من صغار السن هم الذين كانوا وراء الانطباعات السلبية في مدينة الخرطوم؛ نتيجة لتصرفاتهم الطائشة المرتبطة بصغر سنهم وقلة إلمامهم بقواعد المرور واحترام الطريق.. مما شكل تهديدا مباشرا لمستعملي الطريق من المارة».

وأكد وحيد بابكر أن «كثيرين من سائقي الركشات توصلوا إلى اقتناع بوجوب تنظيم أنفسهم ومراعاة آداب الطريق والمظهر الجيد لإزالة الانطباعات السلبية عنهم».

في المقابل، يرفض السائق الشاب آدم كبر توجيه اللوم لصغار السن، بل يلقي اللوم على من يصفه بـ«السائق الأجنبي»، مضيفا: «أكثر من 70% منهم لا يحملون رخصا لقيادة الركشة، وهذه النسبة، حسب حديث معتمد الخرطوم المنشور في الجرائد المحلية، وبالتالي، فإن وجود هؤلاء سبب فوضى عارمة وزاد من الأعباء المرورية على رجل المرور فأخذ الصالح بالطالح».

على صعيد آخر، وعن التعليقات والأسماء الطريفة والمميزة - كأسماء الساسة ولاعبي الكرة والمسلسلات التلفزيونية.. إلخ - التي تكتب على مؤخرة الركشة، قال السائق محمد الشيخ: «إن هذه التعليقات تميز الركشة وتلفت نظر المارة إليها.. ثم إنها تشكل أيضا علامة لمستخدميها من الركاب، فإذا فقد أحدهم أي شيء يمكنه الرجوع إلى السائقين والسؤال عن صاحب الركشة مشيرا إلى التعليق الموجود في الخلف».

مما يذكر أن أول دخول لـ«الركشة» إلى السودان كان عام 1998، ويومذاك استوردت من الهند، وكانت من صنع شركة «باجاج» الهندية عن طريق وكيل معتمد لها في السودان. وبداية كان الغرض منها أن تصبح وسيلة نقل، بل كشاحنة خفيفة للبضائع، لكنها سرعان ما غدت وسيلة نقل للناس بعد إعطاء الترخيص لها على الرغم من الرفض الأولي لها من قبل إدارات المرور بحجة عجزها عن ضمان سلامة الراكب، أو الأمان على الطريق بسبب تركيبها الفني الذي لا يساعد السائق على التحكم بها عند الحوادث.

وفي عام 2004 أصدر وزير التجارة الخارجية قرارا بحظر استيراد أو تخليص «الركشات» لكثرة أعدادها في الخرطوم وظهور بعض الآثار السلبية، ثم أصدرت الوزارة استثناءات لعدد من الهيئات والمنظمات، إلى أن رخص استيرادها مجددا عام 2007 بعد تشكيل لجنة خاصة لضبط استيرادها وترخيصها لمدن أخرى داخل السودان مع استثناء الخرطوم. لكن ما حدث كان عكس التوقعات؛ إذ تسربت أعداد كبيرة منها للعمل داخل العاصمة، ومن ثم منع استيرادها من جديد إلا إذا كانت موديل السنة.

واليوم، على الرغم من الترخيص لـ«الركشة» بالعمل كوسيلة نقل للناس، فإن قانون المرور السوداني يعاملها معاملة الدراجة النارية لا السيارة. وحسب دراسة محلية نشرتها الصحف المحلية مؤخرا، تبين أن متوسط عدد مخالفات «الركشات» المرورية 30 مخالفة، وبعكس ما كان متوقعا أظهرت الدراسة أن «الركشة» تأتي في المرتبة الثالثة بعد الحافلات و«الهايس» (السيرفيس) في التسبب بالحوادث المميتة داخل الخرطوم.

على صعيد آخر، ارتفع ثمن «الركشة» بعد منع استيرادها والترخيص لها - خاصة المستعملة منها - إلى 13 ألف جنيه من 10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 3 جنيهات). وللعلم، يفضل السودانيون شراء «الركشة» الملونة بالأحمر أو الأزرق، إلا أن الشركة المنتجة تنتج عددا محدود منها، وبالتالي يرتفع ثمنها عن «الركشة» سوداء اللون. ومن أشهر طرز «الركشات» ما يطلق عليها «ربيكا» وهو اسم زوجة الزعيم الجنوبي الراحل جون قرنق. والسبب أن هذا النوع كان مرخصا له بالعمل في جنوب السودان، لكن جرى تسريبه إلى الخرطوم.

ومن اللافت حاليا أن بعض الجامعات السودانية تميل لاستخدام «الركشة» كوسيلة نقل داخل الجامعة لكبر مساحتها مثل جامعة أم درمان الإسلامية، بالإضافة إلى اعتماد طلاب المدارس عليها في الذهاب إلى المدرسة بشكل يومي.