العم أبو مازن الجولوجي.. أقدم حلاقي العاصمة السورية

يعمل في المهنة منذ 70 سنة.. ولا يعجبه الجيل الجديد

العم أبو مازن وزبونه الشاب («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من انتشار مئات صالونات الحلاقة والتزيين الرجالي في دمشق والمدن السورية الأخرى التي أدخلت كل ما هو جديد في هذا المجال من حمام الزيت وتشذيب الذقن وتنظيف البشرة وبالطبع مجففات الشعر الحديثة ومعها موديلات متنوعة من قصات الشعر العالمية والمحلية المعروفة التي استقطبت الجيل السوري الشاب بشكل خاص، فإن ثمة جيلا من الحلاقين السوريين لا يعترفون بكل هذه الصالونات، وهؤلاء الذين ما زالوا مصرين على استخدام الأدوات اليدوية في الحلاقة بكل مفرداتها، ينظرون لهذه الصالونات الحديثة على أنها نشاز وأن العاملين فيها لا يفهمون أصول الحلاقة وتقاليدها.

محمد عدنان الجولوجي (أبو مازن)، 80 عاما، واحد من أقدم حلاقي دمشق، وما زال يعمل في صالونه بإحدى حارات دمشق القديمة منذ 70عاما حيث ورث المهنة عن والده.

في صالون العم أبو مازن كل شيء يشعرك بأنك لست تعيش القرن الواحد والعشرين وبما أنتجه من تقنيات كهربائية وإلكترونية. يبتسم أبو مازن وهو يستقبلنا في صالونه العتيد طالبا منا الجلوس على المقعد الخشبي العتيق الذي تجاوز عمره المائة عام وما زال يستقبل الزبائن والزوار من جيران أبو مازن وذلك ريثما ينتهي من حلاقة ذقن زبون.

يلاحظ أبو مازن ومعه الزبون زيادة شعور الدهشة لدينا حيث يدركان سبب دهشتنا بالفطرة، فالزبون الذي كنا نتخيل أنه كبير في السن قبل دخولنا لم يكن سوى شاب دمشقي لا يتجاوز الخمسة والثلاثين عاما، وريثما ينهي أبو مازن عمله، ندردش مع هذا الزبون الشاب.. يعرفنا على نفسه بأنه إياد الكردي.

يقول إياد: «تركت كل حلاقي بلدتي، ومعظمهم من الجيل الجديد، واخترت أبو مازن حلاقي منذ ست سنوات، قد تستغرب اختياري، ولكن أقول لك بصدق إنني أشعر بالأمان وأنا أسلم رأس وذقني لحلاق مخضرم كأبو مازن. فهو وعلى الرغم من أنه لا يعرف القصات الحديثة والموضة، ولكنه يحلق بكل إتقان وجدارة». «تصور» - يقول إياد - «لم أتعرض لجرح ولو (نكشة صغيرة)، وذقني تظل طرية، ولم أشعر أن شعرة واحدة أطول من الأخرى في رأسي بعد حلاقة شعري عنده طيلة السنوات الست الماضية، في حين حصلت معي عدة إشكالات مع حلاقي الجيل الجديد، الذين غيرتهم أكثر من مرة».

وفي حين كان أبو مازن ينهي التشطيبات الأخيرة على ذقن زبونه الشاب، يتابع إياد قائلا إنه شاهد كثيرا من الأجانب السياح والمقيمين في دمشق يأتون لصالون أبو مازن يحلقون شعرهم لديه. يلتفت أبو مازن إلى زبونه منهيا عمله بكلمة «نعيما» ليتفرغ للحديث معنا منطلقا من جملة زبونه الأخيرة، مؤكدا وجود كثير من الأشخاص الأجانب الذين صاروا زبائن دائمين لديه. «فهؤلاء يا أخي - يبتسم العم أبو مازن - لديهم هوس بكل ما هو قديم في دمشق، ولذلك ينظرون لصالوني على أنه (أنتيكا).. ولكنهم يشعرون بالراحة والإعجاب وهم يسلمونني رأسهم لأصفف شعورهم، بل ويقومون بالتقاط الصور لي وأنا أصفف شعرهم ويعطوني نسخة منها. ألا ترى بعضها انظر إلى المرايا والجدران لقد علقتها عليها للذكرى كما كانت رغبتهم».

وبالفعل صور لأبو مازن وسياح أجانب معظمهم من الجيل الشاب أيضا تعلق إلى جانب مقتنيات الحلاقة القديمة في صالون أبو مازن، التي يعود عمر بعضها لمائة عام وما زال يستخدمها في عمله. ويتحدث عنها بكل اهتمام وكأنها جزء من أسرته: «هذا الكرسي التي يجلس عليه الزبون عمره 50 عاما، ولدي اثنان منه، حيث يعمل معي ابني أيضا على الكرسي الثاني، وهي كراس معدنية دوارة، وكنا نستخدم قبلها كراسي خشبية تقليدية». الموس مع الجلد يسن عليه حتى يبقى حادا، ولكن بنعومة لكي لا يعرض الزبون لأي جرح، والماكينات اليدوية التي يحركها أبو مازن ببراعة بساعديه وأسنانه متحديا الجيل الجديد من الحلاقين أن يستخدمها لأكثر من دقيقة لأن أصابعهم ستتعب فورا. حتى المقص له طريقة خاصة في الاستخدام من قبل الحلاق: «اسمع طقطقته حتى هذه لها معنى لدينا نحن الحلاقين القدماء. انظر إلى المرآتين الكبيرتين عمرهما 150 سنة، وهما من صنع بلجيكا، بينما إطارهما الخشبي من صنع حرفي يدوي دمشقي، وما زالتا نقيتين جدا، ولكن واحدة منهما تشققت من أحد أطرافها - كما ترى - والسبب ليس جودتها، بل بسبب حرارة قنديل الكاز القوية، ويتذكر أبو مازن كيف كان يعمل مع والده في الصالون قبل أكثر من نصف قرن، حيث لم يكن يقتصر عملهما على الحلاقة، بل كانا يصفان الأدوية العشبية للمرضى من يستشيرهم من زبائنهم أو من أهل الحارة. يفتح أبو مازن خزانة صغيرة قديمة في صالونه ويرينا قطعة معدنية (أنتيكا)، سائلا: «هل تعرف ما هذه القطعة؟! إنها (الكلبة)، هكذا تسميتها المحلية، كنا نقلع بها الأضراس لمن يأتينا من الناس وهو يعاني من آلام في أضراسه».

وللعم أبو مازن آراء سلبية كثيرة في الجيل الشاب الجديد من ناحية ذقونهم ورؤوسهم، فيصف شكل رؤوس بعضهم بـ«الطاووس» من خلال رفع الغرة لأعلى وتوقيفها بواسطة المواد الصناعية كالجيل وغيره، كما يصف تصفيف ذقونهم بالغريبة، وسوالفهم، وكأنها قرون بازلاء. يضحك أبو مازن قائلا: «خلينا واضحين في ذلك! لم يكن في السابق قبل عشرات السنين مثل هذه النماذج الغريبة، ولكن الحلاقين الجدد هم من يصممون لهم هذه التسريحات».

وأسأل العم أبو مازن عن تاريخ وسبب اعتماد يوم الاثنين العطلة الأسبوعية للحلاقين من قبل الجهات الرسمية وليس يوما آخر، فيجيب: «هذا اليوم محدد منذ سنين طويلة، وأذكر أن والدي كان يقول إنه حدد منذ أيام وجود العثمانيين في بلاد الشام واستمر حتى قبل نحو 15 سنة حيث سمح للحلاقين بفتح صالوناتهم طيلة أيام الأسبوع، ولكن مع ذلك فكثيرون ما زالوا يعتمدون يوم الاثنين عطلة أسبوعية، والسبب أنه لا يمكن إعطاء يوم الجمعة، وهو يوم العطلة الأسبوعية لكثيرين، وفي أيام العطل يكثر زبائن الحلاقين كما هو معروف».

ويروي العم أبو مازن بعض الطرائف التي حدثت معه؛ ومنها أنه في أحد الأيام اشترى خروفا وربطه بجانب صالونه ريثما يذبحه كنذر، وبينما كان يحلق شعر زبون، فلت الخروف وهرب، «تركت رأس الزبون» - يقول أبو مازن - و«ركضت للإمساك بالخروف وإعادته واستغرق المر نحو الربع ساعة، وعندما عدت لاحظت تململ الزبون وامتعاضه قائلا لي: (أخرتني يا أخي.. أهكذا تفعل بي)، فضحكت وقلت له: ما رأيك، هل أترك رأسا ثمنه ليرة وربع يهرب مني مقابل رأس بعشرة قروش. فضحك الزبون قائلا: (معك حق».