«المجالس العربية».. صناعة بديعة تزدهر في سيناء

تجمع بين الأصالة وروح العصر الحديث

TT

داخل ورشته الصغيرة بسوق الخميس بمدينة العريش المصرية كاد محمد الشوربجي أن يتمم حياكة مسند للجلوس استمر في إعداده لمدة جاوزت الأسبوع.

«مسطرة» ومشرط ومنشار، هي الأدوات التي تناثرت على طاولته، يستخدمها ببراعة ليستكمل صناعة جميع قطع المجلس البديعة المكسوة بالأقمشة ذات الألوان الزاهية.

بين بدائية التنفيذ وعصرية التصميم، جمع هذا الشاب مهاراته وصمم رسوما وأشكالا لصناعة المجالس العربية التي انتشرت بين أبناء البادية بسيناء، وبدأت تنتشر بين سكان الحضر، خاصة في الصعيد جنوب مصر ومناطق الوجه البحري. استعان بجهاز كومبيوتر لعرض التصميمات التي يتفنن في ابتكارها على الزبائن من الشباب الذين يترددون على متجره.

يقول محمد الشوربجي: «معظم أهل سيناء، سواء في الصحراء أو الحضر، يفضلون المجالس العربية التي كانت قديما عبارة عن مساند فقط مصنوعة من الإسفنج المضغوط، وتغطى بكسوة جميلة، وتوضع لراحة ظهر الضيف».

لقد انتقل تحديث وتطوير شكل المجالس العربية وإضافة خامات لها، تدريجيا في الآونة الأخيرة من دول الخليج إلى بادية سيناء، حيث وُجدت لها سوق رائجة نظرا لطبيعة الحياة البدوية التي تستلزم وجود المجالس بها بصفة طبيعية بجوار كل بيت.

ويقول الشوربجي: «قديما كان معظم زبائن المجالس العربية من أثرياء أهل البادية، الذين كانوا يتنافسون في شراء فرش المقاعد والدواوين البدوية الخاصة بالقبيلة».

ويتابع: «كنا نستخدم شعر الأغنام وأصوافها كخامات أساسية في صناعة المجالس وتزيينها بشعر الماعز ووبر الإبل وجلود الخراف. لكن الآن تطورت الصناعة واختلفت تماما، حيث نستخدم الأقمشة المستوردة، وخاصة التركية ذات الألوان الجذابة والزاهية».

ويضيف الشوربجي الذي يمارس صنعته لأكثر من 15 عاما مضت أنه يراعي في تصميم المجالس الحديثة توفير مكان للتلفزيون وأجهزة الاستقبال الفضائي والكاسيت وموقد النار، وأيضا تمت إضافة تصميمات لـ«دفايات» داخل القاعات التي يتم فرشها بالمجالس العربية.

وأهم المعدات المستخدمة في هذه الصناعة ماكينة الخياطة وماكينة «السرفلة»، ومنشار «الأركت»، وهو آلة خاصة تستخدم لقص الأركان والطاولات الخشب، وجهاز لفك وربط مسامير الستائر، وتجميع الأخشاب بالمسامير، وجهاز لرش الغراء للإسفنج على أساس تجميعه ولصقه.

يعمد الحرفي الماهر إلى إعادة تشكيل هذه الأخشاب المنتشرة هنا وهناك بصور مختلفة بتسوية أطرافها، ثم يبطن كل واحدة منها بالإسفنج المضغوط.

ويقول باسم خالد، أحد الصناع المعروفين في هذه المهنة داخل العريش: «إن صناعة مجلس عربي واحد تحتاج إلى أربع مراتب إسفنج يتم تقطيعها حسب المقاسات المطلوبة، كما يستخدم الخشب الكونتر في صناعة المجالس، نظرا لمتانته وتحمله الشديد». ويضيف أن أسعار هذه المجالس تبدأ من ألف جنيه وتصل إلى أربعة آلاف جنيه للمجلس، طبقا للمساحة واتساع المكان.

ويقبل أصحاب الفنادق والقرى السياحية والمنتجعات المفتوحة على تجهيز بعض القاعات والأماكن بهذه المجالس لاستقبال زبائنهم من رواد السياحة البيئية، وخاصة العرب، الذين يفضلونها بأشكالها المختلفة في الجلوس. ولأنها تعبر عن البيئة البدوية.

ويتابع باسم أن المجلس عادة ما يكون مرتفعا ارتفاعا طفيفا عن مستوى الأرض، ولا يتعدى هذا الارتفاع السنتيمترات العشرين. ويتم هذا عن طريق الخشب الذي يُكسى بالمراتب الإسفنجية المغلفة بالأقمشة المزخرفة والملونة، ومنها المجالس الأرضية التي تُغطى بالمراتب والمساند الإسفنجية التي تعطي راحة في الجلوس أرضا، وتزيد من إحساس الزائر بوجود الطابع البدوي في المكان.

وفي العريش الآن ما يقرب من 15 ورشة، تعمل في هذه الحرفة التراثية التي لاقت سوقا رائجة لها بين المصريين في صعيد مصر، حيث يقبل أهل الصعيد على شراء هذه المجالس التي تناسب حياتهم أيضا، إضافة إلى زبائن من معظم المحافظات الصحراوية الموجودة في مصر.

وفي أشهر الصيف يتزايد إقبال السكان على شراء هذا النوع البديع من المجالس، وخاصة المقبلين على الزواج، لا سيما بعد التطوير واستحداث الأشكال التي تتناسب مع روح الحياة العصرية.