السودان: بلدة نوري تحتفل بمولد ترهاقا مع محبي الآثار الفرعونية

بعيدا عن هموم السياسة

أهرام نوري («الشرق الأوسط»)
TT

بعيدا عن هموم السياسة بدأ السودان يجتذب اهتمام الوفود الثقافية والسياحية الأجنبية إليه عبر بوابة الآثار الفرعونية الموجودة في الولاية الشمالية بالبلاد. وتستضيف قرية نوري في الولاية الشمالية، المتاخمة لمصر، مجموعات من هواة الآثار ودارسيها من الأوروبيين والأميركيين في يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام يأتون إليها للاحتفال بذكرى مولد الفرعون ترهاقا.

الجدير بالإشارة، أن هذه القرية النوبية كانت قد لفتت الأنظار إليها وأخذت تجتذب السيّاح الأجانب، ولو بأعداد منذ زمن بعيد. غير أن اكتشاف مومياوات فرعونية فيها زاد من اهتمام السياح المغرمين بالآثار الفرعونية وشغفهم بزيارتها للاطلاع على ما تحويه أرضها. ومن ثم غدت محطة اهتمام هذه الشريحة من السياح، وبمرور الوقت، أخذت الوفود السياحية تأتي إلى نوري بصورة منتظمة أفواجا أفواجا، من مختلف الجنسيات.

من هؤلاء إليزابيث، السائحة الأميركية، حضرت إلى شمال السودان من ولاية كاليفورنيا خصيصا لحضور غروب الشمس في منطقة الأهرام بقرية نوري، «لأن لحظة غروب الشمس كانت اللحظة التي ولد فيها الفرعون ترهاقا»، كما تقول. لذلك صمت الجميع حتى انتهاء لحظة الغروب، وبعدها انخرط الجميع في التصفيق الحار والتقاط الصور التذكارية للمكان ولسكان القرية.. الذين صاروا يألفون رؤية ضيوفهم من ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر، وكذلك رؤية الضيوف الآسيويين الذين ساهموا في بناء سد مروي الذي لا يبعد كثيرا عن الأهرام.

أما عن نوري، فيكفي القول إنها قرية وادعة هادئة تتميز بجمال طبيعي فطري، وتمتلك أجمل ضفاف نيلية لم تمتد إليها يد الإنسان. وينتمي معظم سكان نوري إلى قبيلة الشايقية، التي هي من أعرق القبائل السودانية في الولاية الشمالية، وللشايقية الكثير من الحكايات حول أهرام منطقتهم التي تسمى «الطرابيل»، نسبة إلى «الطربول» - أو «الطربوش» - ذلك أن شكل أهرام شمال السودان يشبه إلى حد ما «الطربوش» أو حتى «الطنطور». ثم إن كثيرات هن الجدات اللواتي يحكين عن وجود زورق داخل الهرم الأكبر، ووجود كمية من الذهب، لكن السكان في تلك الفترة لم يقتربوا من داخل الهرم خوفا من اللعنة التي قد يصبها عليهم. ومما يجدر ذكره هنا، أن عددا لا بأس به من الأهرام الموجودة في نوري، والبالغ عددها 19 هرما، تعرضت غير مرة للسرقة من قبل لصوص الآثار الأجانب، إلى أن تنبه المسؤولون لضرورة حماية هذه الآثار عبر تعيين حراس على مدار اليوم. ولكن هذا الحل لم يكن ناجعا تماما، إذ إن ثمة خطرا آخر يتهدد هذه التحف والأوابد التاريخية العريقة، ويتمثل هذا الخطر على الآثار بالإهمال في مقاومة زحف رمال الصحراء الذي أدى حتى الآن إلى سد البوابات الرئيسية لمدخل أبرز الأهرام في القرية.

ويقول أبو زيد الماحي، أحد سكان نوري، لـ«الشرق الأوسط» إن «فيضانات عام 1988 ساهمت بشكل كبير في فتح أبواب هرم ترهاقا، وبفضل الفيضانات أمكن اكتشاف خنادق هي عبارة عن ممرات تربط بين الأهرام القريبة أحدها من الآخر. ويفسر أبو زيد خوف السكان من الدخول إلى داخل الهرم بوجود أعداد كبيرة من «أبو الرقيع»، وهذا هو الاسم المحلي للخفاش - أو الوطواط - التي تمنع كثيرين من التقدم نحو البركة الموجودة داخل الهرم، حسب الرواية المعهودة لكبار السن من سكان القرية.

على صعيد آخر، من الواضح أن الجاذبية السياحية لقرية نوري وآثارها نبهت لفيفا من رجال الأعمال السودانيين وحفزت على تأسيس شركات للترويج السياحي داخليا وخارجيا، وبناء نزُل سياحية صغيرة استخدمت في بنائها مواد محلية زادت من تميز نوعية هذه النزُل. ولقد لعب تصريح مدير هيئة الآثار والمتاحف السودانية، الذي أعلن فيه عن اكتشاف معبد أثري كبير لعبادة آمون في موقع الضانقيل، قرب مدينة بربر في شمال السودان، يعود تاريخه للقرن الأول، بالإضافة إلى اكتشاف ما يقرب من مائتي ألف قطعة أثرية مصنوعة من الفخار هي عبارة عن قوالب لصنع القرابين وبعض مقتنيات الفرعون التي تدفن معه لمساعدته في حياته الجديدة، حسب المعتقدات الأسطورية الفرعونية القديمة. والمعروف عن هذا الموقع أنه يحتوي على مدينة ملكية تعود إلى مملكة كوش، ووجود «قدس الأقداس»، الذي من شأنه أن يزيد من القيمة الأثرية للمنطقة وتعزيز مكانتها في مجال الاستثمار السياحي وتطوير بنيتها التحتية.