اللبناني وليد مزنر يصمم المجوهرات.. ويتفنن في تحضير المأكولات

اختار أن يقدم كتابه لأحفاده ليتمسكوا بتقاليد بلدهم وتراثه ومأكولاته

أحد أطباقه («الشرق الأوسط»)
TT

الصائغ اللبناني وليد مزنّر، أحد أبناء الجيل الخامس من عائلة مزنّر المعروفة في لبنان بتاريخها الطويل في عالم المجوهرات، لديه فلسفته في موضوع الفن، والتي تقوم على أساس أن «الفن لا يتجزأ»، وبالتالي «لأن تصميم المجوهرات وصناعتها، مثل تحضير الطعام واحتراف تقديم الأطباق، يحتاجان إلى الباع الطويل والذوق الرفيع والنظرة الثاقبة والخبرة» - على حد تعبيره - فإنه نجح في الجمع بين الاثنين معا. وطبق عمليا المثل القائل «من يحترف تحضير الأطباق الشهية يتفوق في حياته العملية».

وثمة قاسم مشترك آخر، إذ إن وليد مزنر اكتسب خبرة صياغة المجوهرات بالوراثة، وكذلك شغف بهواية الطبخ إلى حد احتراف ممارستها أيضا بعدما استهوته أجواء العائلة التي كانت موائدها تزخر بكل ما لذ وطاب.

وليد يصفه أصدقاؤه بأنه «ذواقة من الدرجة الأولى»، ويقول عن نفسه «لا أرضى بأي شيء كان، بل أحرص على أن تكون المائدة غنية.. حتى إذا كان الطبق الرئيسي هو صحن اللبنة أو المجدرة». غير أن هذا التطلب أسهم في احترافه صناعة أطيب المأكولات على أنواعها، لا سيما العربية منها والإيطالية والفرنسية. ومن ثم، لتوثيق معلوماته وخبرته في «هوايته الاحترافية» هذه، اختار أن يجمع تفاصيلها في كتاب أهداه إلى أحفاده. وأراد له أن يكون شاملا ويغدو بمثابة الذاكرة اللبنانية التي تجمع تاريخ لبنان التراثي من جوانبه كافة، لا سيما الحياة الاجتماعية في بيروت وأحيائها، والعلاقات بين أبنائها، والمهن القديمة، وعادات الأعياد، فضلا عن إعطائه مساحة واسعة للأطباق والمأكولات التراثية اللبنانية التي يهوى تحضيرها.

يتكلم وليد مزنر عن كتابه «روايات ووصفات»، الذي صدر عن دار «لوريان لو جور» باللغة الفرنسية، بحماسة شديدة، وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، قال «الهدف الأساسي من هذا الكتاب هو التركيز على التراث اللبناني وعاداتنا التي تكاد تندثر، وجعله وثيقة في أيدي أبناء الجيل الجديد كي يتمسكوا بتاريخهم. وليست المأكولات حقا إلا جزءا من هذا التاريخ الذي عليهم التمسك به والابتعاد عن المأكولات الجاهزة». وأضاف «أعتبر مجرد بيع ما يزيد على 1100 نسخة من الكتاب، وما أتلقاه من آراء مشجعة من جيل الشباب وأبناء جيلي، دليلا على نجاح الهدف المرجو.. بعيدا عن أي أهداف مالية. لأن مردود الكتاب المادي يذهب هبة للأيتام وأحد المستشفيات. مع العلم بأنه وفي الوقت عينه، استفاد أصدقائي ممن اعتادوا تذوق أطباقي من هذه الوصفات التي لطالما كانوا يطالبونني بجمعها في كتاب خاص». وعند سؤاله عن مصدر هذه الهواية أو السبب الذي يقف خلفها، أجاب «كانت المائدة في بيت العائلة دائما غنية بالمأكولات على أنواعها. وعندما تزوجت اكتشفت أن زوجتي لا تتقن الطبخ كثيرا، فقررت مساعدتها، إلى أن توليت المهمة بدلا عنها».

وفي حين يلفت وليد مزنر إلى أن ثمة سيدة تعمل لديه في المنزل وتحضّر الأطباق اليومية، فإنه سرعان ما يستدرك ليوضح «..لكن في الدعوات والمناسبات أتولى المهمة بنفسي، وأحضّر أشهى الأطباق وأصعبها، وأبرزها الـ(باييلا) والـ(بويابيس) و(القوزي) اللبنانية، والأطباق الدسمة والكبة وكل أنواع اليخنة مع الأرز، بالإضافة إلى التبولة البيضاء التي تختلف عن التبولة المعروفة بإضافة الملفوف (الكرنب) المفروم فرما ناعما إليها». أما في مجال أصناف الحلويات التي يتمتع بتحضيرها وتذوقها أيضا، فتتربع على عرش هوايته حلوى الـ«تيراميسو» والمُغلي والقمحية، كما أنه يتفنن في صنع حلوى خاصة من الخبز المحمص الذي يضيف إليه القشدة والفستق.

من ناحية ثانية، في حين يرى مزنر أن تحضير الطعام يحتاج إلى «النفس الغني»، فإنه يشير إلى أن كل طبق أيا كان نوعه يكون لذيذ الطعم إذا أعد بالطريقة الصحيحة و«على الأصول».. متابعا بابتسامة «ومن يحب بطنه يعرف كيف يستذوق الطعام». وهنا، ردا على سؤال عن علاقته بالمأكولات الصحية، لا سيما الخفيفة التي تناسب الحمية، قال «بصراحة أنا لا أحب المأكولات الخفيفة على الرغم من أنني أعاني من الوزن الزائد، لكن حتى خلال خضوعي للحمية، أتفنن أيضا في تحضير الطعام، وأركز على الإكثار من أنواع المطيبات».

بالمناسبة، فإن نشاطات مزنر «المطبخية» لا تقتصر فقط على دعوة الأصدقاء وتحضير الأطباق لأفراد عائلته وحصوله في عام 2001 على جائزة «أفضل طباخ» في إحدى المسابقات اللبنانية، بل إنها توسعت لتصل إلى العالمية من خلال توليه منصب الأمين العام لـ«الأكاديمية اللبنانية لمتذوقي الطعام» التي تأسست عام 1998، والتي ينتسب إليها نحو 60 عضوا لبنانيا كلهم رجال أعمال من هواة الطبخ. وهي تهدف إلى التعريف بالمطبخ اللبناني في كل أنحاء العالم عبر نشاطات، مثل «الأسبوع السياحي» الذي نظمه الأعضاء خلال الصيف الماضي في لبنان، وشارك فيه أعضاء في الجمعية نفسها من بلدان مختلفة، هذا بجانب تنظيم مسابقة سنوية لمتخرجين شباب في المجال الفندقي.

أخيرا، عن النصيحة التي يقدمها مزنر لهواة الطبخ، فإنه يقول «على من يحب الطعام أن يعطي الوقت الكافي لتحضيره وأكله، والأهم من ذلك تحاشي خلط النكهات المتناقضة إحداها مع الأخرى، لا سيما القوية منها». ويختتم قائلا «من المعروف أن الأبناء لا يجدون دائما أطيب من المأكولات التي تحضّرها أمهاتهم، أما أولادي فلا يجدون أطيب من الأطباق التي يحترف صنعها أبوهم».