ورشة تحول مناظر المواقع السورية إلى أعمال فنية ثلاثية الأبعاد

انطلقت قبل 5 سنوات ويعمل بها نحو 60 شابا ينحتون الأماكن التاريخية والأثرية والسياحية

رضوان الطويل مع بعض الأعمال الجديدة للمواقع السورية التاريخية والسياحية («الشرق الأوسط»)
TT

عبر سنوات القرن العشرين الماضي، وخاصة في الربع الأخير منه، انتشر تبادل بطاقات التهنئة والمعايدة والبطاقات التذكارية التي تباع للسياح والزوار في المكتبات السورية وفي مراكز الاستقبال في كل موقع أثري وسياحي سوري وداخل الفنادق الكبرى وحتى على بسطات الأرصفة.

ومن ثم برزت ظاهرة التصوير الملون للأماكن التاريخية والأثرية والسياحية السورية، وتخصص بها مصورون محترفون كانوا يصممون وينفذون بطاقات أنيقة من الورق المقوى (الكرتون)، خاصة بكل منظر للمواقع التي تزخر بها المدن السورية مع وضع اسم الموقع ومكانه. والواقع، أن هذه البطاقات نافست الصور العالمية ومشاهد الطبيعة وأعمال الفنانين العالميين الكبار التي كانت تطبع على بطاقات للإهداء بين الأصدقاء في المناسبات السعيدة، وانتشرت على شكل مجموعات وألبومات وغير ذلك.

ولكن خلال السنوات الخمس الماضية، بدأت هذه الظاهرة تتلاشى وتأفل، لتحل مكانها اللوحات الحجرية، خفيفة الوزن، التي صممها ونفذها حرفيون سوريون شباب باستخدام الكومبيوتر وبطرق فنية متميزة، ومن مواد خاصة تمكن المقتني من الاحتفاظ بها لسنوات طويلة دون أن تتلف بعكس البطاقات الكرتون. كذلك تتميز هذه اللوحات التذكارية الجديدة بوجود ما يسمى بـ«البعد الثالث» في كل عمل منها، إذ غدا العمل نافرا ومجسما، بجانب إمكانية تصميمها بأحجام مختلفة ووضعها في أطر متنوعة يمكن عبرها لمقتنيها عرضها على جدار صالونه أو وضعها على طاولة مكتبه.

وبالفعل، لاقت هذه الأعمال الفنية «التذكارية» التي تباع بأسعار مقبولة لا تزيد كثيرا على أسعار البطاقات الكرتونية انتشارا واسعا خاصة بين السياح في المدن السورية وهواة جمع الصور التذكارية.

وفي هذا المجال، يقول الحرفي السوري رضوان الطويل، المتخصص ببيع هذه الأعمال الفنية الجديدة لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه: «لقد جاءت هذه الأعمال بديلا عن الأعمال الكرتونية القديمة مع المحافظة، بالطبع، على مضمون العمل وما يحتويه من مشاهد. وهي تضم بشكل خاص مناظر من سورية القديمة والمواقع السياحية والتاريخية، ومنها مثلا نواعير حماة وقلاع حلب والحصن وصلاح الدين وتدمر والجامع الأموي وغيرها من عشرات الأماكن السورية المهمة سياحيا وأثريا».

وأضاف: «هذا أسلوب جديد في إظهار هذه المواقع أمام السياح والزوار، مع إمكانية طبع أي صورة أخرى يرغب الزبون في أن نصممها له بالطريقة الجديدة. فما عليه إلا أن يعطينا صورة فوتوغرافية لما يريد... ونحن من خلال ورش خاصة تعمل في هذا المجال نحولها إلى عمل حجري ثلاثي الأبعاد نافر وجميل».

ويشرح الطويل كيفية تنفيذ العمل الجديد ومراحله، فيقول: «بعد اعتماد الصورة المطلوبة وتنسيقها بشكل فني عن طريق الكومبيوتر، يصار إلى حفر قالب معدني خاص بها أو قالب من مادة الكاوتشوك. ومن ثم تهيأ المادة الأساسية في تحضير العمل والمؤلفة من (الريزين) (الراتنج أو المستحلبات) ومادة نفطية خاصة تدعى الكاروسيل، ويجري من ثم خلط المادتين لتشكلا مظهرا لينا. ولاحقا، يوضع القالب المصمم يدويا أو المعد بواسطة الكومبيوتر - بالذات برنامج (الأونتوغراف) - في هذه المادة الطرية».

ويتابع الطويل شرحه: «... وعادة، تمر عملية الطبع النهائي للمنظر بمراحل مختلفة حسب شكل المشهد والمنظر، فمنها ما لا يحتاج سوى لمرحلة واحدة فقط وهي التي تكون شبه مسطحة وقليلة التنافر، في حين كلما زاد التباين والتنافر في المنظر الواحد... ازدادت مراحل طباعته حتى تبلغ بعضها الأربع مراحل للمشهد المجسم، بكل مفرداته وجزئياته الصغيرة والكبيرة، كما هو حال - مثلا – مع تنفيذ مشهد لسوق الحميدية أو للجامع الأموي بقبته ومآذنه بحيث يظهر في نهاية العمل وكأنه مشهد واقعي من خلال التجسيم النافر. ثم إن العمل الناتج يقدم مشهدا من الحجر الطبيعي المكحل».

عادة من ينفذون هذه الأعمال حرفيون هواة ومحترفون يسعون دائما لتطوير أعمالهم وتنويع المشاهد، خاصة، بعدما لاقت رواجا واهتماما واسعا من قبل الناس. ويقدر أن عدد هؤلاء اليوم نحو 60 شابا سوريا، والعدد في تزايد، كون هذا العمل في وقت واحد هواية جميلة ومهنة تدر دخلا ماليا مقبولا على من يعمل بها.

ثم، ومن منطلق أن هذه الأعمال الجديدة وجدت لكي تتبادل بين الناس كهدايا تذكارية، لم يغفل الحرفيون السوريون موضوع تغليفها بشكل جميل جذاب. وهنا يشرح رضوان الطويل، مدى «ضرورة الاهتمام والجدية بطرق تغليف وعرض مثل هذه الأعمال النافرة، ومنها وضعها في إطار خشبي مزخرف يتناسب وروعة المنظر وأهميته. كذلك هناك أعمال صغيرة نوعا ما زودت بقطعة مغناطيسية من الخلف بحيث يسهل تعليقها على أي سطح معدني في المنازل والمكاتب كحال القطع التزيينية التي تعلق على برادات (ثلاجات) المطابخ والجمادات، وهذه لا يزيد سعر الواحدة منها على المائة ليرة سورية (نحو دولارين أميركيين)، في حين يرتفع سعر العمل الأكبر إلى أضعاف ويتزايد صعودا تبعا لحجم العمل والوقت المستغرق في تنفيذه والجهد المبذول فيه... ويصل أحيانا لألف ليرة سورية (20 دولارا أميركيا). ويتابع الطويل قائلا: «كل عمل يحتاج إلى نصف ساعة على الأقل أثناء صبه في القالب ولنحو الساعتين حتى يجف، ومن ثم يخرج المنظر من القالب ويؤطر بالشكل الفني بحيث تعد له حوامل من البلاستيك والكرتون والخشب وبشكل معبر جميل لإرضاء رغبات مختلف الزبائن وأذواقهم. كما أن هناك أعمالا يجري تلوينها بواسطة أدوات التلوين فتظهر مختلفة عن لون الحجر الطبيعي، ولكن لا بد من الحرص على التماشي مع ألوان الموقع التاريخي والسياحي ما أمكن، فالناعورة مثلا على النهر تلون بألوان قريبة جدا من الواقع، لذلك تجد فيها اللون البني الخشبي والأسود المعدني ولون مياه النهر وكذلك لون الحجر المتباين بين الأصفر والأسود المسمى (الأبلق) في عمل قلعة دمشق، وفي قلاع أخرى يظهر لون الحجر البازلتي المائل للسواد، حيث إن عمارة هذه القلاع هي من هذا الحجر».