أربيل تمتد أفقيا وعموديا.. وشبابها يشكون من البطالة وأزمة السكن

عاصمة إقليم كردستان تتحرر من تحفظها وتنفتح للاستثمار.. والآسيويون يغزون سوق العمل

الحركة في أحد شوارع أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

بدت مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، من خلال نافذة الطائرة أكثر اتساعا عما كانت عليه قبل عام واحد، فهذه المدينة تمتد أفقيا وعموديا من خلال مشاريع سكنية كثيرة وأخرى سياحية، أبرزها فنادق حديثة ذات 5 نجوم، ومجمعات تجارية ضخمة. أبنية ملونة في شتى الاتجاهات تقوم على حساب انحسار المساحات الخضراء التي من الصعب رصدها وسط الكتل الخرسانية وشوارع الأسفلت المزدحمة بأحدث أنواع السيارات.

وبينما تهبط الطائرة على مدرج مطار أربيل الدولي الجديد، يوضح جاري في المقعد المجاور لي أن «هذا المدرج يعد واحدا من أكبر ثلاثة مدارج في منطقة الشرق الأوسط»، موضحا أن «هذا المطار تم إنجازه في عهد نجيرفان بارزاني، الرئيس السابق لحكومة إقليم كردستان»، ومستدركا «الحمد لله أن رئيس الحكومة الحالي، الدكتور برهم صالح، لم يبتعد في خططه لبناء وتعمير مدن الإقليم».

بناية المطار مصممة على شكل بلورة يعكس زجاجها أشعة الشمس، نهارا، وألوان الأضواء المبهرة ليلا. كل ما في المطار يهيئ المسافر إلى أنه يدخل مدينة حديثة تسعى لمواكبة تطورات المدن الحديثة. ضابط الجوازات الكردي يتحدث العربية والإنجليزية بسلاسة، يرحب بالقادمين بابتسامة وكلمات تنم عن كرم أهل المدينة، مثل «بخير بين» أي أهلا وسهلا، وما إن يختم الجواز وتشكره حتى يرد عليك بكلمة كردية محببة «سرجاو»، التي تعني «من عيني».

لم يسأل ضابط الجوازات عن سبب الزيارة إلى أربيل أو إقليم كردستان، ولا عن الكفيل الذي سيضمن إقامة القادمين إلى المدن الكردية، مثلما يشاع في بعض وسائل الإعلام، فالعملية لم تستغرق سوى دقيقتين ليأخذ طريقه إلى بوابة الخروج، حيث تنتظر هناك سيارات أجرة حديثة، أو حافلات لنقل القادمين إلى بوابة المطار الخارجية، حيث يكون مستقبلوهم في انتظارهم.

وإذ يعطي هذا الاستهلال انطباعا إيجابيا لأي زائر لعاصمة الإقليم الكردي في شمال العراق، فإن هافال، سائق سيارة الأجرة يلخص جانبا مجتزأ من المشهد الحياتي للمدينة، فهو شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، أنهى دراسته الجامعية ولم يجد فرصة عمل في الحكومة، فقرر أن يكون سائق سيارة أجرة ضمن شركة متخصصة في نقل المسافرين من وإلى المطار، ولها مقر في فندق أربيل إنترناشيونال، وتتقاضى هذه الشركة أجورها بالدولار الأميركي أو ما يعادل قيمته بالدينار العراقي.

كنا نجتاز مشاريع سكنية كبيرة، بعضها تم إنجازه منذ سنوات والبعض الآخر أنجز توا بينما هناك بعض المشاريع التي هي قيد الإنجاز، قرى إنجليزية وأميركية وإيطالية، علق هافال وهو يتطلع إلى المجمعات السكنية «كل هذه المجمعات ونحن نعاني من أزمة سكن مستعصية، فهذه هي أبرز مشكلة يعاني منها الشباب في كردستان، إضافة إلى انحسار فرص التعيين فإذا لم يتم ترشيح الخريج أو غيره من قبل أحد الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، فمن الصعب أن نجد فرصة تعيين في الحكومة»، منوها بأن «هناك المئات من خريجي الجامعات أو غير الخريجين الذين يعانون من البطالة».

لكن سياسة حكومة إقليم كردستان، وحسب إيضاح رئيسها الدكتور برهم صالح لـ«الشرق الأوسط»، تقوم على أساس «تشجيع القطاع الخاص، ومنح شركات الاستثمار فرص وامتيازات لتشغيل الآلاف من هؤلاء الشباب، فليس هناك أي حكومة في العالم باستطاعتها استيعاب كل أعداد خريجي الجامعات»، منبها إلى أن «هذا لا يمنع من أن نشجع ونطور التعليم العالي من أجل أن يتحسن مستوى التعليم الجامعي وأن تتطور قابلية الدارسين، ولهذا فإنه ستكون هناك 11 جامعة في إقليم كردستان، كما خصصنا مائة مليون دولار في ميزانيتنا للبعثات ولإرسال المتفوقين لإكمال دراساتهم العليا في أوروبا والولايات المتحدة».

وبمواجهة مشكلة البطالة التي يشكو منها الشباب الأكراد نجد هناك العشرات من الشباب البنغلاديشيين أو السيرلانكيين الذين يعملون في قطاع التنظيف في شوارع مدن الإقليم، بينما تعمل الإندونيسيات والإثيوبيات والسيرلانكيات كخادمات في منازل العائلات الكردية، فالشاب الكردي، وعلى حد إيضاح شالاو كوسرت، وهو أصغر قيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، فإنه «(الشاب الكردي) يجد أن العمل في قطاع التنظيف لا يتناسب مع وضعه الاجتماعي، لكن هذا الشاب ذاته لا يهمه أن يعمل منظفا في أوروبا، وهذه مشكلة كبيرة يعاني منها المسؤول الحكومي الكردي الذي يتحمل ضغوطا من أجل أن يخصص غالبية ميزانية وزارته مثلا كرواتب للموظفين».

وفي الإطار ذاته يشكو وزير الثقافة والشباب في حكومة الإقليم، كاوه شاكر، من التضخم الوظيفي في وزارته، ويقول «قررنا مثلا في مجلس الوزراء تعيين ثمانية آلاف موظف على أساس الكفاءة، وذلك من خلال نشر إعلانات عن تخصيص درجات وظيفية، لكننا فوجئنا بتعيين أكثر من هذا العدد من أجل التخفيف من مشكلة البطالة، وبالتالي فإن هناك الآلاف من الموظفين في دوائر حكومة الإقليم، الذين لا يتمتعون بكفاءات كافية لأشغال وظائفهم»، ومسؤول كبير مثل وزير الثقافة والشباب لا يريد أن يفصح عن حقيقة أن هناك موظفين يتم فرضهم على الوزارات، وهذه مشكلة يعاني منها حتى رئيس الحكومة ذاته الذي يخوض حربا لا هوادة فيها ضد الفساد الإداري، وهذه «الحرب بحاجة إلى المزيد من الوقت والصبر كي تأتي بنتائجها الإيجابية»، على حد قول الدكتور صالح.

الوجه الآخر لمدينة أربيل أكثر إشراقا من شكاوى أو تبرم الناس، الشباب خاصة، يكشف عن بذخ حياتي ينم عن ارتفاع القدرة الشرائية للمواطن، سيارات حديثة فارهة، غالبيتها ذات الدفع الرباعي، ومجمعات تسويقية (مولات) ضخمة، تعرض محلاتها ماركات متميزة من الألبسة النسائية والرجالية والعطور والساعات، وغيرها من الكماليات، أسواق خاصة للأجهزة الإلكترونية والكومبيوترات المتطورة، وأسواق للذهب والمجوهرات، وأخرى للأثاث المستورد، وفنادق ومطاعم مترفة تزدحم بالزبائن. وهناك من يقرن هذا الترف الظاهر بالوجود الكبير للعراقيين العرب الذين يستثمرون أو يقيمون في أربيل وبقية مدن الإقليم لينعموا بالأمن والاستقرار. لكن في الاقتراب أكثر من واقع الحال سنجد أن غالبية زبائن هذه الأسواق والفنادق والمطاعم هم من الأكراد، من أبناء الإقليم، وأن غالبية رواد السهرات الليلية الغنائية التي انتعشت في مطاعم الفنادق الكبرى، هم من أبناء كردستان، وظاهرة السهرات الغنائية الليلة تنتشر بشكل كبير في مدينة كانت تعرف بأنها محافظة، وتجتذب وجودا عائليا مرموقا، وغالبية هذه السهرات يتم إحياؤها في مطاعم ناحية عين كاوة المسيحية التي تحفل شوارعها بإعلانات عن أسماء مطربين عراقيين ولبنانيين وأجانب يحيون حفلات أسبوعية في مطاعم المدينة.

يوضح رجل الأعمال عادل بابان، المشرف على فندق أربيل إنترناشيونال، أن «هناك ما لا يقل عن خمسة فنادق كبرى أخرى سيتم افتتاحها في مدينة أربيل، وسنبقى بحاجة إلى المزيد لأن عاصمة الإقليم تشهد قفزات مدنية وحضارية، فهناك شركات استثمار عراقية وعربية وغربية بدأت تتخذ من هذه المدينة مركزا لانطلاق أعمالها»، مشيرا إلى أن «هذه الاستثمارات أغنت القوة الشرائية للمواطن العراقي في إقليم كردستان، وهذا يبشر بالخير المقبل».