مصر: شباب في الإسكندرية يرسمون السعادة في عيون الناس

صور فوتوغرافية تضيئها موهبتهم وفي خلفيتها عمل الخير

لقطة جامعة يظهر فيها مصورون مع من صوروهم («الشرق الأوسط»)
TT

في واحدة من التجارب الشبابية التي تسعى لاستغلال الفن والموهبة في العمل الخيري وخدمة المجتمع وإسعاد الآخرين، جاء مشروع «help–portrait» أو «المساعدة بالتصوير الشخصي»، وهو تجربة عالمية لها وجود في عدد من دول العالم، وقد غدا لها أخيرا وجود في مصر من خلال مجموعة من الشباب المهتمين بالتصوير الفوتوغرافي والعمل الخيري.

فكرة المشروع تعتمد على استغلال مجموعة من المصورين موهبتهم في تصوير الناس وإسعادهم، أو جمع حصيلة مادية من تصوير بعض الأفراد ثم توجيهها إلى عمل خيري. وقد انطلقت الفكرة في مدينة الإسكندرية على أيدي فريق من الموهوبين، ثم توسعت وأسست لها وجودا ونشاطا في القاهرة، حيث ازداد عدد المشاركين فيها والمتعاملين معها يوما بعد يوم.

أيمن جمال، أحد القائمين على المشروع، أوضح أن الفكرة أطلقها مصور أميركي في نهاية عام 2009، لكنه نفذها في استوديوهات وبمعدات ضخمة جدا، ويقول «وهنا في مصر أخذنا الفكرة و(مصّرناها) كي تلائم طبيعة المجتمع المصري، وباشرنا بتنفيذها في ضاحيتي المكس وكوم الدكة الشعبيتين في الإسكندرية، فنزلنا لتصوير الناس البسطاء في هذه الأماكن. وفي الأسبوع التالي نظمنا معرضا لما صورناه بشكل بسيط جدا في الشارع، ومن ثم أهدينا الناس صورهم التي بلغت نحو 633 صورة. وقد كان الهدف من اختيار هاتين المنطقتين بالذات لأنهما تجتذبان محبي الفنون بشكل عام، فطلاب كليات الفنون الجميلة كثيرا ما يذهبون إليهما للرسم والتصوير. ومن جانب آخر، فالتصوير ليس من أولويات سكانهما البسطاء، ولا أحد منهم يهتم بفكرة أن تكون له أو لأسرته صورة جميلة، وبالتالي فإن ما نفعله يسعدهم كثيرا».

وفي محاولة أخرى، اتجهت الفكرة إلى الأندية الكبيرة والمراكز التجارية، حيث يصار إلى تصوير روادها لقاء مقابل، وهذا المقابل يذهب لعمل خدمي. وفي فترة وجود أعضاء الفريق في أحد الأندية نجحوا في جمع مبلغ 20 ألف جنيه مصري (نحو 3500 دولار) خلال 10 أيام، وذهب هذا المبلغ إلى بناء أسقف لمنازل منطقة «الهويس» في ضاحية العامرية، نظرا لما تحتاج إليه من دعم في بنيتها.

أفراد فريق «help–portrait» من شبان وفتيات يقدرون قيمة الصورة ويؤمنون بأنهم عبر فنهم يستطيعون تحقيق الكثير، ثم إن جميعهم يقدرون العمل الخيري، وفي الوقت ذاته فهم يحاولون زيادة خبراتهم في مجال التصوير الشخصي (البورتريه) وهو من أصعب أنواع التصوير.

ويضيف أيمن «لقد نفذنا أيضا فكرة مع الأطفال الأيتام بعنوان (اجعل حلمك حقيقة)، نعتمد فيها على أن نصور الطفل مع الحلم الذي يتمناه. إذ كنا نسأل الطفل عن أحلامه وماذا يتمنى، فإذا كشف لنا أمنيته أن يصبح طبيبا مثلا نبادر إلى تصويره في زي الطبيب وكتابة اسمه على الصورة، وهكذا مع كل طفل. وحقا أدخل هذا المشروع سعادة بالغة على قلوب 4251 طفلا يتيما. وهذا في حد ذاته إنجاز وفخر كبير لفريقنا، ذلك أن نظرة السعادة في عيونهم هي المكافأة التي نحصل عليها بعد المجهود المبذول. لقد كنا نقسم أنفسنا إلى ثلاث مجموعات، كل منها تتكون من ثلاثة مصورين بجانب اثنين لتنظيم الأعداد الكبيرة من الأطفال».

ومن مبادئ الفريق إنجاز التنفيذ بسرعة وجودة عاليتين، في كل مراحله، ابتداء من التصوير ثم وضع الصور على الكومبيوتر ومعالجتها وطباعتها، وهو ما يساعد المصور على اكتساب خبرة كبيرة في الأداء، وكذلك الكثير من الخبرة على صعيد التعامل مع الآخرين على مختلف المستويات. ثم إنه لا بد من أن يكون المصور قريبا من الشخص الذي يصوره حتى تنعكس روحه وشخصيته في الصورة، فلا تكون مجرد صورة آلية صماء، بل صورة حية مفعمة بالإحساس.

ويكمل أيمن «نحن لا نفرض شيئا على المصورين المشاركين معنا، وشرطنا الوحيد أن يتمتع بالموهبة ويمتلك كاميرا مناسبة. فكثرة من المصورين معنا ليس التصوير حرفتهم أو مهنتهم الأساسية، وعدد لا بأس به منهم يعمل في مهن لا علاقة لها بالتصوير، لكنه في المقابل يتمتع بموهبة ويسعى لتنميتها والاستفادة بها وإفادة الآخرين. وعن المنظمين فإن دورهم لا يقل أهمية عن المصورين، خاصة في الأحداث التي يوجد فيها عدد كبير من الناس، والجميع يعمل من أجل إسعاد الآخرين».

وعن المواقف المؤثرة أو الطريفة التي تصادفهم، يقول أيمن «كثيرا ما نصادف أشخاصا يقولون إنهم لا يرون أنفسهم بشكل جميل في الصور، وهو ما نرفضه تماما، لأن كل إنسان له جمال يختلف عن الآخر، ولا يوجد إنسان قبيح بالمطلق. وأذكر شخصيا أنني في إحدى المرات صورت طفلة مصابة بمرض السرطان وكانت ترفض تماما فكرة التصوير، ثم وافقت على مضض، لكنها بكت من الفرحة عندما شاهدت نفسها جميلة في الصور. إن إحساس الناس وفرحتهم بالصور شعور لا يوصف. وبعض الناس يفتقدون أن يهتم بهم أحد أو يسأل عنهم، فقط تكون صورهم هي مصدر سعادتهم».

ويوضح أيمن أن تنظيم الفعاليات يقوم عليه نادي التصوير في الجمعية المصرية لدارسي العلوم الصحية (EMSA) ونادي «روتراكت المنتزه» في الإسكندرية. ويضيف «..يسعدنا أن ننظم هذا الحدث لأي أفراد أو جهة، وفي أي مكان، فيكون دورنا وقتها إشرافيا وتنظيميا، ونمد هذه الجهة بالمصورين، وننفذ كل الإجراءات اللازمة انطلاقا من إيماننا بالفكرة ورغبتنا في نشرها على نطاق واسع، لأن هذا يعود في المقام الأول بالنفع على المجتمع المصري».

ولا يخفي أيمن أمنيته أن تنتشر الفكرة لتصل إلى كل الناس، وأن تظهر ردود الفعل التي يراها أعضاء الفريق في عيون الأشخاص البسطاء والأطفال، وكذلك تقدير فكرة النشاط الخيري ونشره بأشكال وصور مختلفة وبشكل فعال يصب في مصلحة الأشخاص والمجتمع.