الشيخ جمعة.. ظاهرة إذاعية و40 عاما في مديح القرآن

يطوف على مساجد القرى والمدن خلف المقرئين

طاف الشيخ جمعة مع إذاعة القرآن الكريم على جميع القرى والمدن والمحافظات المصرية («الشرق الأوسط»)
TT

على مدار أربعين عاما متتالية، يلازم هذا الرجل الستيني إذاعة القرآن الكريم المصرية أينما حلت، في احتفالاتها المختلفة، وأمسياتها من داخل المساجد، وفي بثها الخارجي اليومي للصلوات، خاصة صلاة الفجر، فعبر موجات الأثير ارتبط صوته بعمالقة تلاوة القرآن الكريم في مصر، حيث ينطلق صوته بالتهليل والمديح؛ سواء للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، أم لأهل بيته.

جمعة حسن الكومي (63) عاما، ليس مبتهلا أو منشدا، وعلى الرغم من ذلك، يطلق عليه من حوله لقب «الشيخ»، لشهرته بينهم بملازمة القراء وزيارة المساجد وارتباطه بها وبأصحابها، خاصة مسجد السيدة زينب، كما أنه صاحب جملة مديح أصبحت «لازمة» يعرفها الملايين من مستمعي إذاعة القرآن الكريم، هي: «علشان خاطر الرئيسة المشيرة الكريمة ستنا السيدة زينب»، فهذا المديح يعد مألوفا لدى المستمعين المصريين، حيث يتردد على أسماعهم بين حين وآخر، خاصة مع قرآن الفجر بشكل يومي، وفي شهر رمضان المبارك، ومع ذلك فهوية صاحب الصوت مجهولة لديهم.

نشأ الشيخ جمعة في قرية الجرايدة مركز بيلا بمحافظة كفر الشيخ (200 كلم شمال القاهرة)، وارتبط منذ سنوات عمره الأولى بسماع القرآن الكريم بأصوات كبار القراء والشيوخ، أمثال محمود علي البنا، ومصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد. وكان دائما ما يسمع من أهل القرية؛ سواء الرجال والنساء عن مساجد القاهرة ومآذنها التي تعلو في السماء، وكيف أنها قبلة هؤلاء القراء وكبار المشايخ، مما جعله يتمنى أن يزور هذه المساجد، يقول: «كان بداخلي إحساس يدعوني إلى ذلك، خاصة زيارة الأزهر الشريف ومساجد أهل بيت النبي، مثل مساجد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة سكينة».

جاء الشاب جمعة إلى القاهرة وهو ابن 17 عاما، بحثا عن عمل، وبالطبع كانت فرصته لتحقيق أمنيته، يقول: «عندما زرت هذه المساجد وقع حبها في قلبي، وقررت السكن بجوارها لأتمكن من زيارتها والتردد عليها، وحتى أكون على مقربة من مشاهير قراء القرآن الكريم، كما تعودت صلاة الجمعة في مسجد سيدنا الحسين، وفي إحدى المرات كنت أحضر درسا للشيخ الأزهري، صالح الجعفري، فسمعته يقول إن أكثر ما يشرح صدر الإنسان هو زيارة أهل بيت رسول الله، وهذا ما زاد من تعلقي بالمساجد وزيارتها».

كان مسجد السيدة زينب أكثر المساجد التي أحبها الشيخ جمعة، فيقول: «أحسست بكلام الشيخ الجعفري في هذا المسجد دون غيره، مما جعلني دائم التردد عليه، خاصة أن المسجد يقصده كثير من قراء القرآن الكريم في مصر بما يمكنني من الاستماع إليهم مباشرة وجها لوجه».

ومن هذا المسجد، بدأ الشيخ جمعه رحلته مع القراء وإذاعة القرآن الكريم التي تنقل شعائر صلاة الجمعة والفجر في الغالب منه.

يقول: «في إحدى المرات ومع نقل صلاة الفجر، وجدت شيئا ما يدفعني ناحية (ميكروفون) الإذاعة وأقول بالقرب منه مديحا للسيدة زينب، هو: (علشان خاطر الرئيسة المشيرة الكريمة ستنا السيدة زينب)، وأحسست براحة كبيرة وعلو الإيمان، خاصة أنه نال رضا المصلين، بل القائمين على الإذاعة».

كرر الشيخ جمعة ذلك المديح مرات ومرات بصوت تلقائي في مواضع معينة من التلاوة في كل مرة تكون فيها الإذاعة في مسجد السيدة زينب، مما جعله يشتهر بهذا المديح، ثم قرر الانتقال معها في كل مسجد تنقل منه شعائر الجمعة والصلوات، يتابع: «وجدت في ذلك وسيلة لأنشر حبي للمساجد والقرآن»، بل إن مسؤولي الإذاعة كانوا يطلبون منه تكرار هذا المديح مرات كثيرة.

عندما تتحدث مع الشيخ جمعة تلمس أنه يعيش على الفطرة، وبسبب ذلك يخرج مديحه صادقا ومعبرا عن حبه الخاص للمساجد والقرآن، كما يعتبر نفسه صديقا مقربا من المقرئين، الذين تعودوا على جملته الشهيرة التي تكون تعبيرا عن إعجابه بتلاوتهم. ومن أكثر القراء الذين يخشع من أصواتهم، القارئ الشيخ راغب مصطفى غلوش، الذي يحرص على تتبع قراءاته في أي مسجد يذهب إليه.

طاف الشيخ جمعة مع إذاعة القرآن الكريم على جميع القرى والمدن والمحافظات المصرية، بل لشهرته بهذا المديح أصبح بعض أهالي القرى يدعونه بصفة شخصية ليشاركهم الاحتفالات الدينية التي ينظمونها قي المساجد، ويخبرونه بأنه «رجل بركة»، وعن ذلك يقول: «يخبرني الكثير بأن المديح الذي أقوله يعمل على وجود سكينة في قلوبهم، بل هناك من أصبح يردد جملتي، فهذا الكلام لا يفهمه إلا أصحاب التفكر والروحانيات».

ومنذ سبعينات القرن الماضي، وحتى اليوم، وعلى مدى أكثر من 40 عاما، يواصل الشيخ جمعة رحلته اليومية مع إذاعة القرآن الكريم في مساجد القاهرة المختلفة خلف القراء، ويصل صوته بمديحه الشهير إلى كل مستمعيها، الذين ينتظرون صوته بعدما أصبح ضيفا دائما عليهم.