لبنان: الأسواق الشعبية ملتقى الفقراء والميسورين

أبرز روادها الجاليات السريلانكية والفلبينية والإثيوبية

تعتبر سوق الأحد أو سوق البرغوت كما يسمونها في بيروت الأوسع شهرة نظرا لوجودها في العاصمة («الشرق الأوسط»)
TT

تتعدد الأسواق الشعبية في لبنان بحيث أصبحت رمزا من رموز عدد من المناطق اللبنانية أبرزها سوق الأحد في بيروت وتتبعها سوق الجمعة في بلدة تبنين الجنوبية وكذلك سوق الأحد الطرابلسية.

وتعتبر سوق الأحد أو سوق البرغوت كما يسمونها في بيروت الأوسع شهرة نظرا لوجودها في العاصمة ولاكتظاظها بزوار يبلغ عددهم الـ35000 ألف شخص في اليوم الواحد. وهي تقع ما بين منطقة سن الفيل جسر الواطي ونهر بيروت. وتمتد على طول كيلومتر واحد.

ومن يقصد هذه السوق لا بد أن تستوقفه البسطات والعربات الموزعة هنا وهناك والتي تحمل كل ما يخطر على البال من أغراض وأدوات وثياب بعضها قديم وبعضها الآخر جديد إلا أن أسعارها منخفضة مقارنة بالأسعار السائدة في الأسواق التجارية المعروفة في بيروت.

ويقول محمد النجد أحد الباعة الأولين الذين واكبوا هذه السوق منذ تأسيسها في عام 1996 إن السوق هي نافذة تجارية تؤمن له لقمة العيش الإضافية التي هو بحاجة إليها لأنه يعمل كسائق تاكسي في باقي أيام الأسبوع. وهو يبيع الأدوات الإلكترونية على أنواعها ويعتبرها أفضل تجارة رائجة حاليا في السوق. وإذا تجولت في هذه السوق التي تعتبر غالبية زوارها من الجاليات الآسيوية العاملة في لبنان كالإثيوبيين والسريلانكيين والفلبينيين يلفتك فيها وجود بعض المثقفين والميسورين الذين يقصدونها سعيا لشراء تحفة قديمة أو كتابا نادرا. ويقول رفيق مرهج وهو طالب في إحدى الجامعات اللبنانية إن أكثر ما يستهويه في هذه السوق هو أغراض الأنتيكا القديمة التي يجمعها في منزله بعد أن يعيد ترميمها أو تلوينها كلوحة رسم أو آلة عزف وما شابه وإنه أحيانا يبقيها على حالها فيما لو كانت مقبولة. أما أحدث ما اشتراه من السوق فهو «فونوغراف». ويحتار نظرك وهو يتنقل ما بين بسطة وأخرى فهذه تحوي كتبا قانونية وتلك شتولا وطيورا منوعة وأخرى ملابس وأحذية وشلحات حرير ملونة تجذب في الدرجة الأولى الجالية الآسيوية التي تختار منها هدايا السفر.

ومن يرغب في اقتناء الحيوانات الأليفة فما عليه سوى أن يقصد الحاج حسن الذي اتخذ من مدخل السوق مركزا له يبيع فيه كل ما يخطر على البال من أنواع الطيور والسمك وأحيانا الهررة وجراء الكلاب والببغاء. وسوق الأحد التي لا يزيد عرضها على المائة متر ولدت مشكلة حقيقية ما بين أصحابها وبلدية سن الفيل التي تؤكد أن عقارها يتبع لمنطقتها وليس للدولة اللبنانية كما تدعي. فوزير الطاقة الراحل إيلي حبيقة اعتبره من ممتلكات الوزارة لأنه يقع على مجرى نهر بيروت مما خوله إعطاء رخصة لاستثماره لكل من أنطوان شديد وريمون عيراني اللذين حولاه إلى سوق الأحد مما أثار حفيظة أهالي منطقتي سن الفيل والأشرفية اللتين اعتبرتا أنها تضر بمصالحها وتشوه مداخل طرقاتها.

وتجدر الإشارة إلى أن سعر متر الإيجار في هذه السوق هو 1500 ليرة لبنانية أي ما يوازي الدولار الواحد الأمر الذي سمح لعدد كبير من اللبنانيين والسوريين وغيرهم باستئجار مساحات صغيرة فيها لممارسة التجارة التي يختارونها. وما إن تدخل السوق حتى يصل إلى مسامعك مناداة الباعة من هنا وهناك على البضاعة التي يروجون لها والتي مهما بلغ سعرها فبإمكانك أن تساوم لشرائها بسعر أقل قد يصل أحيانا إلى الألف ليرة لبنانية أي أقل من دولار واحد.

أما سوق الجمعة في مدينة طرابلس الشمالية والتي تحولت فيما بعد إلى سوق الأحد فلا تختلف كثيرا عن السوق الشعبية في بيروت وهي تقع جنوب ضفاف نهر «أبو علي» الواقع تحت قلعة سوق الجمعة في بلدة تبنين الجنوبية والقريبة من مدينة صور طرابلس الأثرية فيما كانت في السبعينات تقع قرب جامع المنصوري الكبير. أما البضاعة التي تباع فيها فتتنوع ما بين المفروشات الطرابلسية المعروفة والنحاسيات والتماثيل والكراسي العتيقة إضافة إلى الاسطوانات المدمجة (سي دي) والأدوات المنزلية والكهربائية ولا يزيد طول هذه السوق على الكيلومترين. البعض في طرابلس يدعونها سوق البالي وعادة ما يقصدها أفراد العائلة الواحدة للحصول على حاجاتهم من البابوج إلى الطربوش وبأسعار بخسة تناسب ميزانيتهم الخجولة. ويروي نسيم لطيف أحد زوار السوق أنه عادة ما يقصد سوق الأحد الطرابلسية للبحث عن طبعة كتاب معينة فقدت في الأسواق المعروفة والمكتبات فيجدها مرمية في زاوية ما بين كومة كتب قديمة ومستعملة ويحصل عليها مقابل مبلغ ضئيل لا يتعدى الألفين أو ثلاثة آلاف ليرة لبنانية أما أحدث ما اشتراه من هناك فهو كتاب لبطرس البستاني طبع عام 1880 ويتناول لمحة عن أدباء اللغة في العالم العربي.

ويؤكد أحد الباعة ويدعى زين محمد أن الزبائن في الماضي كانوا لا يساومون كما اليوم وأن السوق كانت تعتمد على زوار يقصدونها من مختلف المناطق اللبنانية أما اليوم فبالكاد يزورها أهل المنطقة نفسها وغالبيتهم من منطقة عكار ومدينة طرابلس نفسها. وتجد في السوق مجموعة من أنواع الصابون البلدي المصنوع في طرابلس نفسها والذائع الصيت في لبنان.

أما سوق الجمعة في بلدة تبنين الجنوبية والقريبة من مدينة صور فتختلف ملامحها عن الأسواق الأخرى بحيث يكثر فيها بيع الخضار والفواكه والمعلبات وكأنها سوبر ماركت جوال إضافة إلى «الحراتيق» الأخرى التي يبحث عنها الزائر بين الأغراض القديمة المعروضة هنا وهناك كالأحذية وساعات اليد والحائط إضافة إلى الطاولات والنراجيل. وتمتد سوق تبنين بين أزقة البلدة القديمة تحت قلعتها الأثرية المعروفة وينتشر فيها نحو 400 بائع وأكثريتهم من أهل البلدة وآخرين من البلدات المجاورة كصور والنبطية التي تقع فيها أيضا سوق شعبية معروفة تباع فيها القطنيات والنحاسيات والمفروشات وغيرها. أما نقطة التشابه بين جميع هذه الأسواق وجود ركن خاص في كل منها للثياب المستعملة والتي يشتريها الباعة بأرخص الأثمان من أصحابها الذين يرغبون في التخلص منها. ويقول أحمد رفاعي من صور إنه عادة ما يقصد سوق تبنين لشراء هذا النوع من الثياب رغم أنه يجد صعوبة في شراء الأحذية منها لأنها تتطلب بحثا شاقا بين الأغراض المكدسة في البسطات المخصصة لها. ويروي أنه صادفه أحد الأيام أن استغرق نحو النصف ساعة لوجدان الفردة الثانية لحذاء إيطالي مستعمل أعجبه فلم يتردد في أخذ الوقت الكافي للحصول عليه وقد اشتراه بعشرة آلاف ليرة لبنانية بينما سعره يفوق المائة ألف ليرة لبنانية لو كان جديدا. ويبقى القول إن هذا النوع من الأسواق والذي يشهد ازدحاما كثيفا يتخلله في بعض الأحيان حوادث سلب ونشل بحيث يغتنم اللصوص فرصة وجود المشترين ليحصلوا على غنيمتهم ولو كانت من فئة الليرة اللبنانية وليس من العملات الصعبة. وتستهوي هذه الأسواق بعض الناس الذين يجدون لذة في التجول فيها ولو تطلب الأمر منهم استعراض البضاعة فقط دون شرائها فيتنقلون بين هذه السوق أو تلك رغم المسافة الطويلة التي تبعدها عن بعضها البعض وكأنهم يقومون بنزهة ما. ويقول نزيه عربيد وهو أحد هواة هذه الأسواق إن 80 في المائة من البضاعة في تلك الأسواق تندرج في خانة البالي إلا أن الشطارة تكمن في وجدان «لقطات» من الأغراض التي قد لا يكتشفها أي مشتر يمر بها مرور الكرام.