سيد الشيشيني: داخل كل إنسان نقطة مضيئة لا بد أن يبحث عنها

ألف كتابا عن «الخرائط الذهنية».. وأول خبير تنمية بشرية «كفيف» للمبصرين

سيد الشيشيني في الوسط بين د. إسماعيل سراج الدين والممثل خالد أبو النجا أثناء تكريمه بمكتبة الإسكندرية («الشرق الأوسط»)
TT

«أنا معوق بصر وليس بصيرة».. جملة مفتاح ذات دلالة عميقة، قالها وأكد عليها سيد الشيشيني، أحد النماذج المشرفة للإرادة والتحدي والتغلب على عثرات الحياة. فبدافع من هذه الجملة استطاع أن يكون أول خبير تنمية بشرية كفيف يستفيد من تجاربه المبصرون قبل المكفوفين.

يرى الشيشيني أن النجاح يحتاج إلى العزيمة والإصرار واستغلال الفرص المتاحة أيا كانت، وأن البصيرة وليس البصر هي العامل الأساسي لمن يريد التطور والنجاح. حصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ من جامعة الإسكندرية، ويقوم حاليا بالتحضير للدراسات العليا من جامعة كمبريدج البريطانية؛ واهتم بمجال التنمية البشرية وتطوير الذات، وهو مدرب محترف معتمد من المركز الكندي للتنمية البشرية، كما أنه أول كفيف يؤلف كتابا عن الخرائط الذهنية للمبصرين، ونال الكثير من الجوائز وشهادات التقدير من عدة جهات، على رأسها مكتبة الإسكندرية ووزارة الثقافة اليمنية والأكاديمية العربية، ووزارة الاتصالات واتحاد المبدعين العربي.

حين التقيته، شدد في البداية على ضرورة أن يسعى الإنسان لاكتشاف نفسه وتطوير ذاته، فكل شخص بداخله نقطة قوة لا بد أن ينقب عنها ويبذل الجهد في سبيل الوصول إليها، فمن ينجح في ذلك يحقق نجاحات عظيمة، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، أشهرها في عالم المكفوفين عميد الأدب العربي طه حسين، والفنان سيد مكاوي، وكذلك الفنان عمار الشريعي، فالتجربة الإنسانية لا تختلف من شخص لآخر. ولا يهم - بحسب الشيشيني - إن كان هذا الشخص كفيفا أو عاديا أو لديه أي شكل من إشكال الإعاقة، إضافة إلى الجو العام المحيط بالفرد؛ فكثيرون لم يجدوا من يساعدهم أو يدفعهم للأمام فأصابهم اليأس والملل. لكن لا بد أن نفكر كيف ندمج هؤلاء الأفراد في المجتمع على اختلاف إعاقاتهم. ويشير الشيشيني إلى أن هذا يحتاج إلى جهود متعددة لمؤسسات وشركات لتوفير ما يحتاجه هذا الشخص ووضعه في الاعتبار؛ مثل الأجهزة الخاصة بالمكفوفين على سبيل المثال كأجهزة التليفون المحمول وأجهزة الكومبيوتر، فالله لم يخلق شيئا عبثا، وهذه الإعاقة الموجودة لدى الشخص لها سبب وهدف، وهناك قول للدكتور مصطفى محمود، مفاده أن أي عطل في حاسة من الحواس ينقله المخ إلى بقية الأعضاء، فتكون الحواس الأخرى أعلى وأقوى.

ويقول خبير التنمية «الطموح يحتاج إلى الإمكانيات، ويخلقها أيضا. فأي تفكير علمي النقطة الأساسية التي يرتكز عليها هي إثارة مشكلة، ومن ثم البحث عن حل لها، وهذا ما يجب أن يفعله كل إنسان، وهو ما فعلته أنا، فمشكلتي هي أنني شخص كفيف، لكن كيف أستغل الوضع القائم في الحصول على أفضل الفرص والنتائج؟ وكيف أحقق نجاحا في ظل هذه الظروف، خاصة أن الشخص الكفيف توجد عنصرية ضده في أوقات كثيرة، فلا توجد إلا أقسام معينة له للالتحاق بها في الجامعات، والمجال ليس مفتوحا أمامه مثل المبصرين؟ وهذا بالطبع يظلم الكفيف، فلا بد أن نعطيه الفرصة كاملة لإثبات ذاته وللتفوق. أما النقطة الثانية فهي أننا لا بد ألا نتعامل مع الإعاقة على أنها اعتراض على الواقع، بل لا بد أن نتعامل معها ونبحث عن نقاط التميز في داخلنا بعيدا عن التركيز على نقطة الضعف التي تقابلها نقاط قوة كثيرة ربما نجهلها. كما لا بد أن يكون لديك أمل، فهو الذي يجعلك ترى ما لا يراه الناس، وتسمع ما لا يسمعونه».

وبالنسبة لتجربته يقول الشيشيني «بحثت في كل المجالات عما يناسبني ويلائم قدراتي، إلى أن وصلت إلى التنمية البشرية، فقد وجدت فيها ضالتي، وأحببت النفس البشرية بشكل عام، وأحببت أكثر مجال الطب النفسي، فهو يساعد الشخص للوصول إلى بر الأمان وتنمية قدراته بشكل صحيح». ويتابع الشيشيني «بدأت بقراءة الكتب الخاصة بتوني بوزان، وهو يعد مكتشف فكرة الخرائط الذهنية، وكان أول ما قرأت كتاب (القراءة السريعة)، وقد شد انتباهي هذا العنوان، ومن أول لحظة أدركت أهمية المعلومات الموجودة عن المخ «وخرائط العقل» والسرعة في القراءة، وقلت في نفسي: لِم لا يتعلم المكفوفون تلك العلوم إذن؟ علي أن أبدأ بنفسي. بدأت بالفعل بدراسة تلك المعلومات من خلال القراءة، وعلى أثرها بدأت في كتابي (أسرار القراءة باللمس)، ولأن تلك العلوم لم تكن متداولة بين المكفوفين كانت هناك صعوبة بالغة في تحويل تلك المعلومات لهم.

ومن واقع الخبرة والتجربة، يؤكد الشيشيني أن البشر هم الثروة الحقيقية للشعوب، لذلك فإن تطويرهم الذهني والبدني لا بد أن يكون من الأولويات. ويشدد على أن يتم ذلك وفق برامج متخصصة ومتميزة لتعطي نتائج جيدة، لافتا إلى أنه قام بدراسة الكثير من هذه البرامج مثل البرمجة اللغوية العصبية.. «كما ألفت كتابا بعنوان (أسرار الخرائط الذهنية) للمبصرين والمكفوفين على السواء، وهو يتناول الجانب المهاري في اكتساب الإنسان للمعلومات وكيفية تنظيمه واختزانه لها داخل ذهنه، وكيفية استعادة تلك المعلومات بأسهل الطرق الممكنة».

ويخلص خبير التنمية الكفيف إلى أنه على كل شخص أن يسعى للتطور وليس الاكتفاء بما وصل إليه، ويدلل على ذلك ومن واقع تجربته قائلا «عندما بدأت ألقي المحاضرات على الناس كنت أهتم جدا بتطوير نفسي وبمعرفة نقد الآخرين لي حتى أتمكن من التطور وكيف يكون الشخص فعالا أكثر حين يلقي محاضرة، وعرفت الكثير عن لغة الجسد على سبيل المثال، وكيف تؤثر في إقناع الآخرين حتى لا يملوا من مجرد الاستماع، وحتى يزداد التواصل، فكثير من الأشخاص سواء المكفوفون أو المبصرون ليس لديهم الصبر والإرادة للسعي لتحقيق الأفضل، لكن الله خلق الإنسان حتى يسعى ويعمل ويحقق الأفضل له ولكل من حوله، ولم يفرق في هذا بين مبصر أو كفيف».