«الطيور المهاجرة».. معرض يتعامل مع الخادمات الآسيويات من منظور فني

ظاهرة دخلت المجتمع السوري قبل سنوات

عمل للفنانة السورية فدوى الرهونجي لخادمتين آسيوتين من معرضها في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

قبل سبع سنوات لم يكن الشارع السوري والأسر السورية يشاهد الخادمات الآسيويات إلاّ في المسلسلات التلفزيونية الخليجية واللبنانية ولم يكن يسمع بهن إلاّ من خلال قصص يرويها السوريون المغتربين في بلدان الخليج عندما يعودون لمدنهم السورية صيف كل عام، ولكن الحال تغير قبل سنوات قليلة مع سماح الجهات المعنية السورية باستقدام الخادمات الآسيويات والأثيوبيات عبر مكاتب مرخصة لهذا الأمر وبإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية وتنظيم عمل هذه الظاهرة الجديدة في المجتمع السوري،حيث صدر قرار عن رئاسة مجلس الوزراء ينظم عملية استقدام المربيات والعاملات في المنازل من غير السوريات. وتشير الإحصائيات العائدة لوزارة العمل السورية إلى وجود أكثر من 26ألف خادمة في سوريا منذ بداية عام 2008وحتى منتصف عام 2010فبات السوري يشاهدهن في كل الأمكنة مع الأسر التي يشتغلون لديها أو بدونهم وصار يسمعهن في المطاعم والمقاهي والفنادق والمسابح والحدائق العامة وهم ينادون(ماما) لكل سيدة يخدمونها,فتحولوا إلى أمر واقع وظاهرة مجتمعية في نسيج المجتمع السوري كما هو الحال في المجتمع الخليجي واللبناني وغيره, شاء من شاء وأبى من أبى. وبات السوريون يقرؤون من خلال الصحف المحلية المشاكل التي قد يتعرضن لها هؤلاء أو يسببن بها لمن يعملن لديهن كما بات يقرأ بين الحين والآخر إعلاناً عن خادمة آسيوية أو افريقية هربت من منزل مخدوميها بدون إذن منهم وقبل أن تنهي عقدها للعمل معهم كما بات يقرأ في صحف الإعلانات المحلية المجانية عن تأسيس مكاتب لاستقدام الخادمات من البلدان الآسيوية والأفريقية(وصل عدد هذه المكاتب حسب الإحصائيات الرسمية السورية إلى 42مكتباً موجودون في عدد من المحافظات السورية) مع دعايات مرغبة للقارئ ولمن يرغب بطلب خادمة كأن تعرف المحادثة باللغة العربية ولو قليلاً ومكتب آخر يعلن أنه يأتي بالخدمات من الفيلبين وأندونيسيا وشعاره نحن نعمل من أجل أن تكون الرفاهية في منزلكم!..

لكن للسورية فدوى الرهونجي رأي آخر وشأن آخر حول هذه الظاهرة وهي بعمر الثالثة والسبعين ومدرّسة تصميم الأزياء والرسم منذ عشرات السنين. حرّكت ظاهرة الخادمات الآسيويات أحاسيسها الإنسانية والجمالية فقررت رسمهم بأعمال فنية(بورتريه) وبحالات مختلفة تظهر فيها شعور الأنثى نحو الأنثى. وقررت فدوى أن يكون معرضها الأول في حياتها الفنية مخصصاً لظاهرة الخادمات الآسيويات وأطلقت عليه عنوان:(الطيور المهاجرة),وهذا ماحصل بالفعل حيث يستضيف معرضها الفني حالياً غاليري فري هاند في العاصمة السورية دمشق الذي اغلق ابوابه اليوم بعد عرض استمر لمدة شهر.

حول المعرض والأعمال المعروضة قالت الرهونجي لـ”الشرق الأوسط”:المعرض نتاج سنتين من العمل. وأنا لا أسمي هؤلاء خادمات بل مساعدات ومهاجرات,فأنا ضد الاضطهاد مهما كان نوعه وأعتبر هذه الظاهرة رقيق اقتصادي آخر(الناظر لهذه الوجوه المتعبة الهزيلة والمتعمق بها بعيداً عن استئجار الإنسان لأخيه الإنسان والتحكم بحياته يدرك مدى الحزن والألم والغربة والخوف وأحياناً يرى الحقد والكره,فلننظر إلى هذه الوجوه وتلك العيون محاولين رؤيتها كما هي لاكما نود أن تكون.) والمؤسف هنا أن بعض سيدات المنازل عندما يستقدموهن يتعاملن معهن بطريقة خالية من الشعور ومن الإنسانية ولذلك قررت رسمهن لإبراز أحاسيسهن فهن أناس لديهن آمالهن وأحاسيسهن وطموحاتهن ولذلك أحببت أن أعبر عما يجول في داخلهم من خلال الرسم,انظر لهذه اللوحة(تشير فدوى إلى عمل من المعرض يظهر خادمة بشكل رومانسي) هذه اللوحة تقدم لنا فكرة أنه عندما غابت السيدة ظهرت الأنثى فلبست فستانها الزاهي الذي يبرز أنوثتها,وحول التقنيات التي استخدمتها في الأعمال المعروضة قالت الرهونجي:استخدمت الزياتي والقماش ومضمون الأعمال جميعها لوجوه معروفة تعيش في منطقتي ويعملن لدى سيدات مجاورات لي وكنت أطلبهن من جيراني وأرسمهن بشكل مباشر باعتماد الأسلوب الكلاسيكي. وأنا من خلال معرضي هذا أتمنى من المجتمع السوري والسيدات اللواتي يعملن هؤلاء لديهن أن يتعاملن معهن بلطف وإنسانية,أنا تعمل لدي إحداهن والتي رسمتها أيضاً (فأنا مضطرة لذلك لأنني أعيش لوحدي ولكبر سني لابد من وجود من يساعدني في المنزل وفي حياتي) وقد طلبت مني مساعدتي في حالة شخصية حصلت معها بعد أن تركت العمل لدي وغادرت لبلد آخر حيث ظلّ التواصل بيننا فقدمت لها النصيحة. لذلك أرجو من كل النساء أن يعاملن هؤلاء الخادمات بحنان وكأنهن بناتهن,.

وتضحك الرهونجي وهي تجيب على سؤال أنه لوكان الخادمات رجال فهل تتعاطف معهم قائلة بالتأكيد سأتعاطف معهم وليس لأنني امرأة تعاطفت مع الخادمات,انظر هذا عمل لطفلة من دارفور اضطر والدها للهجرة إلى سوريا ليعمل فرسمت طفلته بحالة إنسانية من باب التعاطف معها ومع والدها الذي كان لديه تجارة جيدة في دارفور ولكن بسبب الحرب جاء إلى منطقة بلودان السورية ليعمل ويصرف على أسرته.

من جهته الفنان التشكيلي السوري المخضرم(ممدوح قشلان) الذي كان حاضراً في افتتاح معرض الرهونجي قال:برأيي أن تخصص سيدة معرضها الأول وهي بعمر السبعين ولم يكن لها سوى فترة قليلة تتدرب على الرسم لموضوع إنساني مهم لم يتطرق له أي فنان من قبل وخاصة بهذه الروح الإنسانية والمعالجة الروحية مع استخدام أسلوب فني واقعي بسيط سهل التقبل والفهم وغير معقد...إنني أعتبر ذلك حالة متميزة وانطلاقة قوية وخطوة جريئة.

تقول بطاقة الرهونجي أنها من مواليد دمشق سنة 1938وتحمل شهادة بكالوريوس فنون نسوية وتصميم أزياء من المعهد العالي للفنون النسوية في القاهرة عام 1962وعملت مدرسة في دور المعلمات السورية حتى العام 1990كما تخرجت من معهد أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية بدمشق وأشرفت على معارض طالباتها في جميع المراحل للفنون النسوية.