سيدات مصر.. «وزيرات تموين» لغضب المتظاهرين

جعلن بيوتهن غرف عمليات للطهي والإمداد بالزاد

نساء مصر.. كل منهن شاركت بما تستطيع وتقدر في هذا الوقت العصيب («الشرق الأوسط»)
TT

كميات من البصل والليمون تنهمر من شرفات المنازل، تلقيها أمهات وسط دموعهن المنهمرة على شباب أحاطت به غازات مسيلة للدموع، وإمدادات من زجاجات المياه والمشروبات والعصائر والمياه الغازية لإرواء عطش المتظاهرين، لم تتوان ربات البيوت في إنزالها بأنفسهن للشباب الذي افترش شوارع القاهرة وباقي المحافظات المصرية.

مشاهد إنسانية التقطتها «الشرق الأوسط» للأدوار اللافتة التي لعبتها السيدات والأمهات في التظاهرات التي اشتعلت في أنحاء مصر منذ الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي وحتى الآن، وساندن المتظاهرين والمتظاهرات من الشباب على المضي في المطالبة بحقوق الشعب.

دفعتهن عاطفة الأمومة لإلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة وكل ما يقع في متناول أيديهن من شرفات تحمل أعلام مصر ولافتات سياسية معبرة، على قوات الأمن المركزي التي اعتدت على المتظاهرين وسط صرخات تهليل وتشجيع «ربنا معاكم يا ولادنا». في حين ألقى بعضهن بالأوشحة واللفاعات (الإيشاربات) ليحتمي بها الشباب من الاختناق بالغازات المنبعثة من قنابل الدخان ورائحة الحرائق التي اندلعت في أرجاء القاهرة. وتطوع فريق من الأمهات بالمسارعة لمداواة الجرحى والمصابين بالإسعافات الأولية، بينما تولت السيدات المتمكنات من القيادة إيصال المصابين بجروح خطيرة إلى أقرب المستشفيات.

الدور الإنساني الرائع الذي سجله دفتر أحوال الوطن لهن لم يتوقف عند رعاية واحتواء المتظاهرين فحسب، حتى إن الكثير منهن دفعن بفلذات أكبادهن للمشاركة في ما يعتبرنه «حركات التغيير»، بل اصطحبت الكثير من ربات البيوت أسرهن للنزول والمشاركة في التظاهرات والتعبير عن آرائهن.

«أخدت أولادي ورحت على ميدان التحرير علشان يحسوا إنهم شاركوا في اللحظة التاريخية ديه». هكذا تحدثت إلينا بنبرة حماسية السيدة سهير مجدي (50 سنة) وهي موظفة بإحدى المصالح الحكومية المصرية، وسط بناتها الثلاث اللاتي تراوحت أعمارهن ما بين 5 وحتى 13 سنة.

سامية البدوي، (30 سنة)، وقفت عند أحد مداخل ميدان التحرير متطوعة للقيام بتفتيش المتظاهرات من الفتيات والسيدات الراغبات في المشاركة بالتظاهرات السلمية حرصا على عدم دخول أي نوع من أنواع الأسلحة البيضاء، وفي حال عثورها على أي سلاح داخل الحقائب كانت تقوم بتسليمها للجيش الذي يحاصر الميدان. وحين نزل الجيش إلى شوارع القاهرة تعالت الزغاريد في كل مكان وكان تقديم المأكل والمشرب لجنود وضباط الجيش شغلهن الشاغل ليلا ونهارا.

واجتمعت السيدة ليلى فتحي، وهي من سكان المنطقة المحيطة بميدان التحرير حيث قلب التظاهرات، بسيدات المنطقة واخترن شقة إحداهن المطلة على ميدان التحرير. ومن ثم فتحن غرفة عمليات للطهي، بعدما أحضرت كل منهن أدواتها وأوانيها. وكلفت السيدة ليلى البعض بشراء الخضر والفاكهة والبعض الآخر بالتقطيع والتقشير والبعض بالطهي، وغيرهن بالتوزيع على المتظاهرين، ثم قالت لنا «كل واحدة مننا بتشارك في حركات التغيير باللي بتقدمه للناس اللي سابت بيوتها وقاعدة في عز البرد علشان تغير مصر. علشان كده إحنا كمان قلنا لازم نساعدهم ونخليهم مش محتاجين أي حاجة وكأنهم في بيتهم بالضبط».

هذا المشهد الذي انتشر في العديد من البيوت المصرية من الشمال إلى الجنوب أعاد أجواء حرب السادس من أكتوبر إلى البيوت المصرية. فما إن بدأت انتفاضة الشباب في ميدان التحرير حتى رفعت الجدات والأمهات حالة الاستعداد القصوى، وبدأن في إعداد العدة لتموين البيوت وإعداد قوائم بنواقص المأكولات والمواد التموينية.

وفي ظل مستقبل مجهول، تصدت بعض السيدات لجشع المستغلين ورفضن الانصياع لهم في استغلال أوضاع غير مستقرة ونقص السيولة النقدية. وقالت السيدة سمية أحمد (52 سنة) «صحيح أننا في وضع اقتصادي غير آمن، وهناك شح للمواد الغذائية في ظل إغلاق معظم المحال وانقضاض الناس على البضائع وكأننا قادمون على مجاعة، لكنني رفضت شراء أي سلعة تضاعف سعرها، ولقد اكتفيت بالمواد الضرورية والخضر التي يمكن تخزينها لحين انقضاء الأزمة. لا يمكن أن أسمح لأي من كان من هنا فصاعدا أن يستغلني حتى لو كان بائع الخضر».

وحين تناقلت المحطات الإخبارية أنباء عن اعتداءات من البلطجية على البيوت والمحال التجارية، شجعت الأمهات أبناءهن على النزول والدفاع عن الأرواح والعرض وحماية الأحياء من النهب والسلب والأعمال الإجرامية. وأمدت كل أم أبناءها بما يمكن من السكاكين والعصي الخشبية، واستعدت كل أم مع فتياتها في الشرفات للمراقبة وللدفاع منها عن البيوت.

أما ربات البيوت المسنات فكن أيضا مساندات رافعات أيديهن بالدعاء للشباب المتظاهر بالنصر والتثبيت وقراءة القرآن الكريم متضرعات إلى الله لكي يرفع المحنة عن مصر. ولـ«الشرق الأوسط» قال سيدة عبد القادر (76 سنة) «جلست أمام التلفاز أدعو إلى الله بدعاء سيدنا إبراهيم...: رب اجعل هذا البلد آمنا». مصر ستخرج من الأزمة بإذن الله، وربنا حيستر علينا من البلطجية والحرامية اللي منتشرين في كل حتة. مصر عمرها ما كانت كده، ربنا أكيد حيحمي مصر الغالية».