«سوق الساعة».. أحد أغرب الأسواق في المغرب

يباع فيه كل شيء.. وبضاعته تأتي من قمامة الأحياء الراقية

في «سوق الساعة» يباع كل شيء (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

يسمى «سوق الساعة» لأن المدة التي يعرض فيها الباعة سلعهم ويتجول المشترون لاقتناء ما يبحثون عنه لا تتجاوز ساعة أو ساعتين.

كان هذا «السوق» الفريد من نوعه يقوم في ملعب قديم لكرة القدم في حي «الروستال» بمدينة سلا المجاورة للعاصمة المغربية الرباط. ولكن قبل خمس سنوات انتقل «سوق الساعة» ليجاور سوقا آخر يعرف باسم «سوق الكلب». ومع أن اسم «سوق الكلب» بات يعرف بـ«سوق الصالحين»، لكن لا أحد يستعمله، لأن اسم «سوق الكلب» يعرفه معظم المغاربة منذ زمن، خاصة أن مربي الماشية يقصدونه من كل جهات المغرب، لبيع خراف عيد الأضحى.

على أي حال، «سوق الساعة» انتقل إلى مكانه الحالي قرب «سوق الكلب»، واستقر بعد مطاردة السلطات المحلية للباعة الذين يعملون فيه. غير أنهم «ناضلوا» ولم يستسلموا لهراوات رجال قوات الأمن، وكانت نتيجة ذلك انتزاعهم حق إقامة سوق عشوائي يوميا.. أصبح يشكل مصدرا لرزق مئات الأسر.

واليوم من أهم السلع التي تعرض في «سوق الساعة» الملابس المستعملة، بمختلف أنواعها عند باعتها المتخصصين. فهناك مثلا باعة الجوارب في مكان خاص بهم، وفي مكان آخر هناك من يعرض ملابس النساء أو الأطفال، والجميع ينادي على سلعته تبعا لسعرها، من قبيل «20 درهم للسروال» و«30 درهم للكبوت (أو المعطف)».. وهكذا. ثم هناك ملابس حتى من خارج المغرب، وأحيانا تحمل علامات تجارية عالمية تباع بأسعار رخيصة.

زبائن هذا السوق ليسوا بالضرورة من الفقراء؛ إذ يقصده موظفون في الإدارات الحكومية والقطاع الخاص، لا سيما أيام السبت والأحد (العطلة الأسبوعية) على وجه الخصوص. ويستطيع الزائر بسهولة أن يعرف إلى أي طبقة اجتماعية ينتمي هؤلاء من خلال سياراتهم التي يتركونها قرب السوق.

وسط هذا الزحام، كانت هناك امرأة تبكي بعدما تعرضت للسرقة؛ إذ سرق أحدهم حافظتها وبداخلها مبلغ مالي ومفاتيح المنزل. متسوق آخر قال إنهم سرقوا منه هاتفه الجوال ومبلغ خمسين درهما (ستة دولارات). وهنا حذر شرطي كان يراقب الباعة والمشترين، مصورنا من أنه قد يتعرض لمشكلات «لأن هناك لصوصا مندسين وسط المشترين وقد يعترضون على التصوير تفاديا لما يمكن أن يسببه ذلك من تعقيدات».

وإلى جانب باعة الملابس المستعملة، ثمة باعة آخرون تجارتهم هي الألواح الخشبية المستعملة، أو أدوات وأسلاك الكهرباء وصنابير الماء، وأواني الطبخ وأشياء صغيرة تافهة لا يتجاوز سعر القطعة منها نصف درهم (نصف دولار).

بعض هؤلاء الباعة ينصبون خياما يعرضون تحتها سلعهم. وآخرون يفرشون حصائر أو قطعا من البلاستيك على الأرض، ويرتبون فوقها ما يبيعونه.. وهؤلاء يعرفون بـ«الفراشا» بالعامية المغربية، أي الذين يفترشون الأرض. وبالإضافة إلى المجموعتين هناك أيضا باعة المأكولات الخفيفة، مثل سمك السردين المقلي والبطاطس، وباعة المرطبات وأنواع العصير.

رجل، تجاوز الستين، قال لنا في معرض تفسيره لشراء مشجب مكسور لا يمكن أن يعلق عليه شيء: «لدي مشجب مماثل له لكنه مكسور».. وهكذا فهمنا أنه يريد أن يصنع من المشجبين واحدا صالحا.

متسوقون آخرون يشترون علب الأدوية من مختلف الأنواع والأحجام، من «صيدليات» عشوائية مفروشة على الأرض. وهناك من يعرض للبيع ملابس أو بزات الممرضين والأطباء في «سوق الساعة». فبعض الإدارات الحكومية تتخلص من معدات قديمة تبيعها أو تكلف من يبيعها في هذا السوق، لذلك لا عجب أن يجد المرء كومبيوترات ومكاتب وسجلات وأرشيف إدارة.

من أين يأتي هؤلاء الباعة بكل هذه «السلع» التي يروجونها في «سوق الساعة»؟

يلخص شاب الجواب بكل بساطة ووضوح: «إنهم يأتون بها من قمامات الأحياء الراقية». لكن إلى جانب هذا النوع من «السلع» يوجد مصدر آخر، ويتعلق الأمر بشبان يركنون سياراتهم التي تحمل لوحات أوروبية، ويفتحون صناديقها الخلفية، ليعرضوا مختلف السلع: عطور وشامبوان (شامبو) وساعات يد وأحذية رياضية وطناجر ضغط وهواتف جوالة وأقفال ودراجات هوائية.

في الواقع لا يمكن حصر قائمة معروضات هذا السوق، كما يصعب تحديد أنواعها على الإطلاق؛ إذ يقول أكثر من متسوق إن «سوق الساعة» يفاجئك كل يوم بما يعرض فيه. بمعنى أنه ليست هناك سلعة معينة، بل دوما الجديد.. «الجديد القديم» طبعا.

لكن كيف سمحت السلطات المحلية بالترخيص لهذا السوق بعدما كان رجال الأمن يمنعونه ويفضون تجمعاته بالهراوات؟

أجاب أحد الباعة: «لقد احتج الباعة بدورهم بقوة من أجل فرض (سوق الساعة) مرة بإغلاق الشارع بصناديق القمامة وتارة بالسيارات والحافلات». وأضاف أن «عددا من الشباب جمعوا التواقيع لغرضين: الأول هو تأسيس جمعية تعنى بالتنمية البشرية وتجعل من نشاطها الدفاع عن (سوق الساعة) الذي يحصل عدد كبير من الأسر على رزقها منه. والغرض الثاني هو توجيه شكاوى إلى عدد من المسؤولين بمن فيهم عامل (محافظ) مدينة سلا، (جارة) العاصمة الرباط ضد السلطات المحلية التي كانت تتصدى لباعة السوق بالعصي».

وهكذا استقر حال هذا السوق الشعبي منذ نحو أربعة أشهر، ولم يعد رجال الأمن يتدخلون لمنع النشاط فيه. وكسب أصحاب السوق حق عرض سلعهم التي تشتمل على العجب العجاب.