كورنيش الإسكندرية يخفف صخب المظاهرات وينعش السكندريين بنسيم البحر

احتفلوا بعودة «الشيشة» للمقاهي واعتبروها ثمرة لاحتجاجات الشباب

الشيشة تعود لمقاهي الإسكندرية بعد المظاهرات (أ.ف.ب)
TT

«نحن السكندريين مثل الأسماك لا نستطيع الابتعاد عن مياه البحر، ورؤية منظره الذي يطلق لأحلامنا وطموحاتنا العنان، ولو ابتعدنا عنه لاختنقنا وفقدنا حماسنا وحبنا للحياة».. بهذه الكلمات يجسد محمد فريد، موظف بهيئة النقل العام المصرية، المزاج السكندري، في غبار مظاهرات الغضب التي تجتاح شوارع وميادين عروس المتوسط، تجاوبا مع إيقاع المظاهرات الجارف في العاصمة القاهرة وبقية المدن والمحافظات المصرية. ويرى السكندريون أن إحدى الثمرات المهمة لثورة الشباب هي فك الحظر عن قرار عدم تدخين «الشيشة» بالمقاهي الذي اتخذه من قبل محافظ الإسكندرية، لتكتسب شرعيتها من جديد على مقاهي الإسكندرية.

فريد يحافظ على تقاليده في التنزه، ويصطحب أسرته الصغيرة في نزهة على شاطئ البحر بمنطقة «كامب شيزار» ويقول: «لقد اعتدت منذ زواجي أن أصطحب زوجتي وأبنائي بشكل دائم في هذه النزهة المجانية الجميلة صيفا أو شتاء، والتي لا تكلفنا شتاء أكثر من أربعة أكواب نشتريها من أحد باعة مشروب «حمص الشام» الجائلين، حيث يلقى إقبالا كبيرا لمذاقه الساخن الشهي خاصة في أيام الشتاء، أما في الصيف فهذه النزهة لا تكلفنا أيضا أكثر من شراء بعض كيزان من الذرة المشوية».

أسرة فريد لم تكن الوحيدة على البحر، فعلى بعد أمتار قليلة منهم تتواجد عشرات الأسر التي فضلت أن تقضي أوقاتا خلال ساعات النهار قبل أن تحل ساعات حظر التجوال، لم يمنعهم من ذلك أصوات المتظاهرين الشاجبة والمنددة بالنظام المصري، ولا مشاهد دبابات الجيش التي تنتشر في شوارع عروس المتوسط.

تقول إحدى السيدات: «الطقس المعتدل هذه الأيام شجعنا على القدوم إلى الشاطئ، فنحن غير مستعدين على الإطلاق للتفريط في إحدى أهم النزهات التي نحافظ عليها منذ سنوات، فالخروج إلى البحر أمر شبه مقدس بالنسبة لنا، وسنظل نحافظ عليه ولن يؤثر على ذلك الأحداث الاحتجاجية الحالية ولا المظاهرات اليومية».

برغم طواف المظاهرات بكورنيش الإسكندرية؛ فإن ذلك لم يمنع من اصطفاف الكثير من السيارات على الكورنيش للتنسم بهواء البحر والاستمتاع برائحة اليود المنبعثة منه والتي يدمنها الكثير من السكندريين.

يقول أحدهم ويدعى فارس أحمد: «نحن طلبة بالسنة الثالثة بكليتي الحقوق والآداب ونحرص على الحضور إلى كورنيش شاطئ البحر، وقد جئنا أكثر من مرة هنا خلال الأيام الماضية حيث نحضر معنا طعاما عبارة عن مشويات من أحد المطاعم ونقوم بتناولها أمام شاطئ البحر»، ويتابع: «لقد كانت المظاهرات تمر إلى جوارنا ولم نكن نشارك فيها، لأن رأينا أن ما يحدث قد أصبح غير ذي معنى بعد استجابة الدولة لمطالب المتظاهرين، هذا رأيي وأصدقائي، والمتظاهرون أنفسهم يحترمون رأينا هذا وقد دعونا إلى الانضمام إليهم فاعتذرنا لهم وشرحنا لعدد منهم وجهة نظرنا واقتنعوا، وذهبوا لاستكمال مظاهرتهم بينما أكملنا نحن يومنا الترفيهي».

في الشوارع الجانبية من كورنيش الإسكندرية أيضا وبجميع مناطق المدينة كان لافتا تسجيل جميع المقاهي والكافيتريات أرقاما قياسية بالنسبة لأعداد روادها على مدار الوقت المسموح به قبل بدء حظر التجوال. حيث بلغت المقاهي حد «كامل العدد».

يقول الحاج محمد البلاسي، شيخ القهوجية بمنطقة كامب شيزار: «لقد كانت الأيام السابقة كلها أيام رواج غير مسبوقة للمقاهي كلها، نظرا لأن قرار حظر التجوال وانتشار اللجان الشعبية التي تقوم بتفتيش المارة بالشوارع قد ساهمت في تقليل نسب اتجاه المواطنين إلى خارج مناطقهم التي يسكنون بها، وأصبح ليس أمام أحد من فرصة للخروج - خاصة في ساعات حظر التجوال التي كانت في الأيام الأولى للأحداث تمتد ما بين الساعة الثالثة عصرا والثامنة صباحا - سوى الذهاب للمقاهي الموجودة بمنطقتهم مما جعل المقاهي تزدحم بالرواد الذين لم يجدوا سوى المقاهي مكانا للخروج خاصة في المساء».

أما محمود حسين، قهوجي بأحد مقاهي منطقة الحضرة الشعبية، فيقول: «لقد ساهمت عودة (الشيشة) أيضا في زيادة الإقبال على المقاهي بعد أن اختفت تماما حملات مداهمة المقاهي ومصادرة الشيشة منذ اندلاع الاحتجاجات في يوم الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، وأصبح الشارع السكندري هو سيد قراره وليس المحافظة (التي انهار مقرها تماما إثر احتراقه)، حيث قررنا بالإجماع عودة الشيشة كقرار شعبي».

بينما يقول أحمد جمالي، وهو شاب يبلغ من العمر 30 عاما ويعمل سائق تاكسي: «أفضل شيء قام به شباب ثورة مصر أنهم أعادوا لنا الشيشة التي حرمنا منها بقرارات حكومية من محافظ الإسكندرية وهو ما كنا نعتبره تدخلا في حياتنا وتعديا على حريتنا الخاصة والشخصية».

وبجانب تناول المشروبات؛ تحولت المقاهي إلى منتديات سياسية من الدرجة الأولى، حيث تدور الأحاديث بين رواد المقاهي حول الأحداث الجارية في مصر وكيف سوف تنتهي، خاصة مع قيام المقاهي بتشغيل المحطات الإخبارية بشكل مستمر عبر شاشة أو أكثر لكي يتابع من خلالها رواد المقاهي آخر الأخبار على مدار الساعة.

ففي مقهى التجارية الشهير بمنطقة محطة الرمل، كانت هناك مناقشة حامية بين مجموعة من الشباب المتعاطف مع التظاهرات والاحتجاجات ومجموعة أخرى من الشباب الأربعيني يرى أن ما وقع يكفي وأن الأمور إذا زادت عن حدها تنقلب إلى ضدها. من المجموعة الأولى تحدث هيثم خالد، ويعمل محاميا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مطالب المتظاهرين مشروعة تماما، والعقل والمنطق يقولان إن من لم يستطع تحقيق طموحات الشعب على مدى 30 عاما لن يستطيع تحقيقها في عدة أيام أو شهور».

بينما رأى محمد خميس - من المجموعة الثانية - أن الاحتجاجات إذا استمرت على هذا النحو فسوف تحدث كارثة في البلاد بسب إصابتها بالشلل التام خاصة فيما يخص انتظام الموظفين بأعمالهم والطلاب بمدارسهم وغير ذلك من نواحي الحياة، التي يرى أن خبرة من قاموا بالتظاهرات لا تستوعبها، لأن معظمهم ليس لديه مسؤوليات ولا أسر مسؤول عنها.