سلوكيات «ميدان التحرير».. نموذج يتكرر في المحافظات المصرية

حملات تطوعية للنظافة.. والشباب يتسابق لتقديم الدم وجمع التبرعات

شباب وفتيات يجملون ميدان التحرير (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

من ميدان التحرير في القاهرة، أحد أشهر ميادين العالم حاليا، انطلقت فكرة تنظيف مصر وتجميلها وإعادة بنائها، وذلك بعدما بادر شباب «ثورة 25 يناير» لتنظيف مكان تظاهرهم في الميدان الذي قضوا فيه 18 يوما. هذا المشهد الذي صفق له كثيرون داخل مصر وخارجها، جعل شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية العالمية تقول إنه «لأول مرة نرى شعبا يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها».

من ميدان التحرير انطلقت فكرة التطوع لتنظيف مختلف شوارع وميادين العاصمة، ومن ثم اتسع نطاقها إلى عواصم ومدن المحافظات المصرية الأخرى. وفعلا، بدأت عشرات الحملات التطوعية التي يتبناها الشباب أو يطلقونها من خلال شبكة الإنترنت، وهو أمر انعكس أثره بشكل واضح على الشارع المصري، وعلى سلوك المواطنين خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما غدا ميدان التحرير نموذجا يحتذى به في الأخلاقيات وطرح الأفكار الإبداعية.

في شوارع القاهرة أصبح مألوفا أن تجد شبانا وفتيات في العشرينات من العمر أو أقل من ذلك، وهم يرتدون - بكل اعتزاز وثقة في النفس - قفازات يدوية ويجمعون الأوراق والمخلفات لوضعها في صناديق القمامة، أو يمسكون بمكانس يدوية ويشرعون في كنس الشوارع ووضع النفايات في أكياس بلاستيكية سوداء اللون.

«المشهد قبل ثورة 25 يناير لم يكن معتادا، وكانت النظافة من اختصاص البلديات. وخلال العامين الأخيرين عانت مصر من انتشار القمامة وتراكمها في الشوارع، لكن بعدما رأينا الشباب وما فعلوه في ميدان التحرير.. قررنا أن نقلدهم وننظف شارعنا». هذا ما قاله الشاب عمرو صالح (19 سنة)، الذي كان بصحبة عدد من الشبان والفتيات، بل والأطفال أيضا، ينظفون شارعهم في ضاحية المهندسين، غربي القاهرة.

في مناطق أخرى تجري حملات النظافة التطوعية بشكل أكثر تنظيما، إذ يصار إلى دعوة شبان وفتيات لتشكيل لجان شعبية غايتها تنظيف الشارع والحفاظ عليه من خلال طلاء الأرصفة وإصلاحها، وذلك على غرار «اللجان الشعبية لحماية المنازل» التي شكلت ونشطت أثناء الثورة.

أما على موقع «فيس بوك»، الذي انطلقت منه شرارة الثورة الأولى، فدشن العديد من الحملات الإلكترونية والمجموعات لإعادة إعمار مصر وتنظيف شوارعها، وهو ما وجد استجابة كبيرة، ولقد ضمت هذه المجموعات عددا كبيرا من الأعضاء.

فمن خلال مجموعة «أنا مصري هنظفها واعمرها»، اتفق ما يقرب من 90 شابا وفتاة على طلاء أعمدة كوبري «6 أكتوبر» عند ميدان عبد المنعم رياض بالقاهرة، خاصة بعد أعمال التخريب التي طالته على يد المخربين من البلطجية أثناء الثورة، حيث يمسك كل منهم بفرشاة لإعادة طلاء جوانب الكوبري وأعمدته والحوائط الرئيسية بالميدان، مرتدين زيا موحدا باللونين الأصفر والبرتقالي. هؤلاء لم يكلفهم أحد بما يفعلونه، بل يقومون به تطوعا.. حبا في وطنهم. تكرر الحال مع كثرة من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتأخر شباب المحافظات عن هذه الخطوة المكرسة لتنظيف مدنهم وقراهم، ومن هذه المجموعات: «هنظف شوارع مصر» و«تعالوا ننظف إسكندرية» و«حملة نظافة مدينة بني مزار» و«جمعية نظافة طنطا». بينما عمل البعض الآخر على توسيع مفهوم «النظافة» بالدعوة إلى نظافة الشوارع من الكلام البذيء وتنظيف السلوكيات من السلبية‏.

ومع تأجيل الدراسة في الجامعات والمدارس، ينشط الطلاب أيضا في حملات التنظيف وإعادة إعمار مصر. وقال نادر سعيد، الطالب في جامعة القاهرة، إنه لم يرد الانتظار في المنزل خاصة بعد قرار مد عطلة منتصف العام لأسبوع آخر، فقام بالاتصال بزملائه للنزول إلى الجامعة بهدف التشاور حول أفكار تساعد على إصلاح مصر.

أما نهى فاروق، الطالبة في جامعة عين شمس، فقد استغلت امتداد الإجازة في مشاركة فتيات وسيدات ضاحية المعادي، حيث تسكن، لإنجاز عملية تنظيف الشوارع وتصليح ما خرب في الأيام الماضية، لكي تظهر الشوارع بشكل مشرف وحضاري وهو ما عكس روح التعاون الاجتماعي بينهم. روح التعاون بين المصريين لم تقتصر على حملات النظافة فقط. فثمة عدد كبير من الأفكار يطرحها الشباب اليوم تحت الهدف ذاته وهو «بناء مصر»، وكل هذه الأفكار تتسم بروح الجماعة وتنطلق من مفهوم التطوع ولا تقتصر على فئة دون أخرى.

من هذه الأفكار توزيع الشباب أنفسهم على بنوك الدم والمستشفيات للتبرع بالدم. وهي الفكرة نفسها التي دعا إليها لاعبو فريق كرة القدم بالنادي الأهلي المصري، الذين تبرعوا بدمائهم لمصابي المظاهرات الموجودين حاليا في المستشفيات. كما دعا اللاعبون إلى إنشاء صندوق لجمع تبرعات مادية لضحايا ثورة 25 يناير ومساندة أسر الشهداء الذين كانوا يدافعون عن حقوقهم.

ومن ناحية أخرى، فضل بعض الشبان والفتيات توزيع منشورات ورقية على المارة في الشوارع وراكبي السيارات تحض على السلوكيات الإيجابية التي يمكن عبرها بناء مجتمع جديد، منها الامتناع عن إلقاء القمامة في الشوارع، أو كسر إشارات المرور، أو دفع رشى أو اللجوء للتزوير، وكذلك تجنب الخوف من أي جهة، والعمل بضمير وبإتقان، ورفض السكوت عن الظلم أو الفساد.