ميرفت ذكي: مهنتي محببة تناسب المرأة وتمنحها وقارا

نافست 8 رجال وفازت بمنصب أول مأذونة في صعيد مصر

المأذونة ميرفت ذكي («الشرق الأوسط»)
TT

دخلت ميرفت محمود ذكي في معركة فاصلة امتدت نحو سنة في مواجهة التقاليد والعادات الصارمة، المدعومة بتعقيدات بيروقراطية عريقة في بيئتها، بالإضافة لمواجهتها 8 رجال من قريتها، لتخرج بعدها وقد حظيت بلقب «أول مأذونة في صعيد مصر».

لم تكن ذكي أول مأذونة في البلاد، فقد سبقتها إلى هذا اللقب أمل سليمان عفيفي، من محافظة الشرقية (140 كيلومترا غرب القاهرة)، قبل نحو 3 سنوات، ولقد نجحت عفيفي في عقد أول قران مع انتصاف عام 2008. ولكن احتاج الأمر لسنتين أخريين قبل أن تتمكن ميرفت ذكي من السير على نهج أمل في أرض معركة أكثر شراسة، ذلك أن كسب معركة التقاليد في منطقة «الدلتا» بشمال مصر يختلف كليا عن كسبها في صعيدها.

تسلمت المأذونة الجديدة عملها بداية من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، ومعه عدد من دفاتر عقد القران. لكن قرار التعيين صدر قبل هذا التاريخ بنحو سنة، في أعقاب مواجهتها عقبات البيروقراطية المصرية العريقة المدعومة - ربما - بضغوط التقاليد والعادات.

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت ميرفت إنها سعدت جدا عند صدور القرار غير أنها انتظرت الشهر تلو الشهر ولم يحدث شيء. وأضافت «صرت يائسة جدا بعد مرور 10 أشهر على صدور القرار من دون أن أتسلم العمل، إلا أن الصورة تحولت تماما عندما تسلمت دفاتر الزواج والطلاق.. مما أسعدني كثيرا، ولكن من جديد لم تصمد سعادتي طويلا نتيجة لرفض البعض التعامل معي في البداية».

مما يذكر، أنه في محافظة قنا (650 كيلومترا جنوب العاصمة القاهرة) في قلب الصعيد، حيث لا تزال العصبيات القبيلة والأعراف والتقاليد تحظى بمكانة ليس من السهل تجاوزها، تمكنت ميرفت من كسرها بمجرد تفكيرها في التقدم لهذه الوظيفة التي غدت شاغرة بوفاة مأذون قرية المراشدة التي تنتمي لها ميرفت.

فبعد أن أعلنت وزارة العدل المصرية عن حاجتها إلى مأذون تقدمت ميرفت لشغل الوظيفة التي لا يمكن لشاغلها أن يستقيل أو يعزل بموجب القانون، وعلى الفور انقسمت القرية بين مؤيد ومعارض. ولكن ظل الجدل محصورا في حدود التندر، لا سيما أنها واجهت 8 من رجال القرية تقدموا أيضا لشغل المنصب، وبينما كان أغلبهم يعتقد أن المنافسة الحقيقية ستنحصر بين هؤلاء الشباب، وقع اختيار وزارة العدل على اختيار ميرفت لشغل المنصب.

وهكذا، ما كان تتداوله القرية من باب التندر، أصبح حقيقة واقعة انقسم حولها الأهالي إلى فريقين: فريق لا يرى غضاضة في أن تتولى امرأة عقد القران، وفريق مناوئ لا يقبل الفكرة على إطلاقها.

مع هذا، حظي عقد القران الأول لميرفت بحضور كبير من جانب أهالي القرية، ليس من باب مجاملة العروسين، بل لمشاهدة ميرفت ذكي وهي تمارس مهامها.. كأول مأذونة في الصعيد.

الواقع، أن المرأة المصرية بدأت نضالها لتولي هذا المنصب في عام 2003، حين قادت المحامية المصرية أمل عبد الغني أول «هجمة» على التقاليد، بطرحها الفكرة والنضال من أجل تحقيقها. وكانت ترى أنه ليس هنالك في القوانين الوضعية أو أحكام الشريعة الإسلامية ما يمنع المرأة من أن تضطلع بدور المأذون في عقد القران وإجراء معاملات الطلاق. وتحقق النصر بعد ذلك ببضع سنوات، ولكن على يد «أمل» أخرى.. وهو ما بدا مصادفة غريبة، ليصبح الطريق مفتوحا أمام ميرفت وغيرها من السيدات الراغبات في شغل المنصب.

ميرفت قالت معلقة إن أكثر ما أدهشها بعد مرور بعض الوقت أن أكثر أهالي القرية تشددا تجاه عملها كمأذونة تحولوا إلى أشد الداعمين لها، وأردفت «أجد اليوم ترحيبا غير عادي من أهالي الشبان والفتيات الذين أقوم بعقد قرانهم. كما أنني وجدت مساعدة كبيرة في البداية من الشيخ عبد الله، مأذون قرية القلمينا المجاورة لنا، الذي كان يتولى مهمة عقد القران في الفترة التي خلت فيها قريتنا من المأذون».

أما عن سبب فوزها بهذا المنصب فيرجع، كما تقول، إلى «فضل الله سبحانه وتعالى.. وحصولي على درجة الماجستير في القانون كان حاسما في ترجيح كفتي على الشبان الذين نافسوني على شغل المنصب». واستطردت هنا قائلة «لذلك أفكر جديا الآن في إكمال دراستي لأحصل على درجة الدكتوراه في القريب العاجل إن شاء الله».

ميرفت أوضحت أن موضوع عقد القران لمن هم دون سن الـ18 سنة كان أكبر المشكلات التي واجهتها في البداية، وتابعت «إلا أنني صممت على موقفي، ورفضت بشدة عقد أي زيجات من هذا النوع». وهنا حذرت ميرفت من أن القانون يناقض نفسه أحيانا بعمل عقد تصادق لهذا النوع من الزيجات التي تتم من وراء القانون بعد رفضه لها من البداية، وهو ما تتمنى أن ينتهي لإغلاق هذه الثغرة في وجه الخارجين على القانون.

واليوم، بعد فترة من العمل، ترى ميرفت أن مهنة المأذون مهنة مناسبة جدا للمرأة بعكس ما قيل عن أنها غير مناسبة لطبيعة المرأة، ولذا فهي تدعو الفتيات إلى مواصلة الكفاح من أجل تأكيد حق المرأة في تولي هذا المنصب الذي ترى أنه يمنحها احتراما ووقارا.